الصحبي الوهايبي: الـــدّيـــك والــثـّـــورة
في مزرعة صغيرة نائية، ليس فيها ماء ولا كهرباء، يعيش مزارع فقير مع زوجته الفقيرة وأطفالهما؛ ولكنّ العائلة كانت، على ضنكها، سعيدةً غاية السّعادة بكنزها الذي منّ به الله عليها؛ وكنز العائلة ديكٌ، ليس إلاّ! ولكنّه ديك، لا ككلّ الدّيكة، طبّقت شهرته الآفاق، وتقول الأخبار التي يتناقلها العباد إنّه أذكى ديك على وجه البسيطة؛ فعزم صحفيّ شاب على الفوز بقصب السّبق، فسافر إلى تلك المزرعة النّائية، يريد أن يقرن الخبر بالصّورة؛ فلمّا بلغ مقصدَه، وقد لاقى في طريقه من الأهوال والأغوال، ما يشيب لهوله الولدان، هاله ما رأى من مظاهر البؤس والفقر، ووجعه قلبه حتّى كاد يعود على أعقابه، لولا أن خرج المُزارع، فجلس إليه فخورا، يحدّثه عن ديكه العجيب: «هذا ديك صالح، يؤذّن للصّلوات الخمس في أوقاتها.
وإذا أحجمت دجاجتنا الوحيدة عن المبيض، باض نيابة عنها؛ وإذا لم تحضن بيضها، حضنه؛ وإذا حام ثعلــب أو ذئـــب حـــول المزرعة، طارده حتّى يولّيَ الأدبار! والله، هذا ديك ابن حلال؛ أراحني من عناء الحصاد والدِّراس والمذراة؛ يقوم اللّيل والنّهار، يجمع بمنقاره الصّابةَ حبّة حبّة، ولا يقتات منها إلاّ بإذن، ويقدّرها تقديرا صحيحا، دون زيادة أو نقصان»؛ فقال الصّحفيّ، وقد داخ للحكاية: «هل أستطيع أن ألتقط صورة أو صورتين لهذا الدّيك المعجزة؟» فصفّر المزارع، وإذا الدّيك العجيب يقفز من وراء كوم زبالة لم تُرفع منذ 14 جانفي 2011، كما هو الحال في كلّ أصقاع تلك البلاد العجيبة، وإذا هو، بحقّ، عجيب عجب، منزوع الجناحين، ينطّ بساق واحدة وليس على جلده ريش أو زغب؛ فقال الصّحفي مبهوتا: «ما هذا أيّها الرّجل؟ لماذا هو على هذه الحال؟»؛ فقال المزارع وهو يداري حزنه: «فأمّا الرّيش، فقد نتفناه وسادةً للمولودة التي هلّت في بيتي؛ ويعوّض عليه الله بإذنه ريشَه المنتوف؛ وأمّا الفخذ والجناحان، فأنت تعرف حال المرأة النّافس، ليس أنفع لها من مرق الدّجاج؛ وبعد هذا وذاك، هل تريد أن نأكل ديكا ذكيّا كهذا دفعة واحدة؟». حال الدّيك كحال الثّورة في هذا البلد.
************
امرأة في ربيع العمر، استحمّـت، ووقفت في شرفتها في الطّابق العلوي، تنشّف شعرها، فلمّا انحنت تطلّ على الطّريق، فَقَدَتْ توازنها فسقطت ووقعت في حاوية القمامة؛ ووقف متسوّل ينبش في الحاوية فوجد المرأة وقد أُغميَ عليها، فأخذ يقلّبها ظهرا على بطن؛ ثمّ قال يحدّث نفسه وهو يضرب كفّا بكفّ: «يا لَهؤلاء الأثرياء الأغبياء! كيف يلقون بها في الزّبالة؟ مازالت صالحة للاستعمال عشرَ سنوات على الأقلّ!»... ولكلّ شيء أجلٌ، لا يصلح بعده، كما الدّواء والغذاء والمُلْك؛ فالدّواء يصير فاسدا وضارّا إذا فــوّت أجلا مضـــروبا؛ كذلك الغذاء إذا تجاوز، صار ضرُّه أكثر مــن نفعه؛ كذلك المُلك، يَصلح ويَفسد، وله أجل مضـروب، قد يطول ويقصر، ولكنّه قـدر مكتــوب، «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (قرآن كريم)»؛ وكعادتهم، كان الأمريكان أوّلَ من ابتـــدع تلك الملصقات على علب الدّواء والطّعام، تنبّه لتاريخ الصّنع وتاريخ الصّلاحيّة؛ ثمّ تبعهم خلق كثير؛ ولكنّهم حرّفوا وزوّروا؛ فالبَيْض تـالف عنـدهم إذا تجــاوز خمـــسة عشر يوما؛ صــالح عنـدنا، حـتّى لو فقّـس وفــــرّخ؛ والحكم عندهم فـــاسد إذا فات أجلا مضروبا، ولكنّه عنـدنا لا يحمـل إلاّ تـاريخ الميـلاد، أمّا تـاريخ نهــاية الصّلاحيّة، فغيبٌ لا يعلمه إلاّ الله.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق