أخبار - 2017.01.08

دليلة مصدق - إلزامية وضع الحجاب في تونس: الاشكالية الخاطئة‎

دليلة مصدق - إلزامية وضع الحجاب في تونس: الاشكالية الخاطئة‎

اثارت تصريحات إيمانويل فالس حول اجبارية وضع الحجاب في تونس نقاش مواطني هام على شبكات التواصل الاجتماعي.

اختلفت الاراء بين من ينفي ومن يؤكد وتناقضت وجهات النظر الى درجة تجعلنا نتسائل هل يعيش جميع التونسيين في نفس المجتمع ؟ أم ان تلقينا للواقع يختلف حسب النموذج المجتمعي الذي نتمناه ونصبوا اليه فتتغير التقييمات والتحاليل بتغير التوجهات والتطلعات الشخصية التي قد تكون احيانا بعيدة كل البعد عن الواقع الموضوعي؟

فمن اعتبر وان الحجاب اجباري في تونس علل رأيه بالضغوطات العائلية والاجتماعية التي تُمارس على النساء لوضع الحجاب ، والتي تؤدي غالبا الى الانصياع من قبل المرأة ، وهو ما يجعله يتخذ صبغة إلزامية من الناحية الاجتماعية.

يتبنى هذا الرأي فئة اجتماعية رافضة للحجاب كظاهرة اجتماعية تفشت في المجتمع التونسي منذ أربعة عقود، وتطورت شيئا فشيئا الى ان اكتسحت الساحة العامة ووصلت الى نسبة 65% من النساء التونسيات.

تشكل هذه الظاهرة مصدر تخوف وارتباك ورفض يتزايد مع تطور الظاهرة نفسها، فبقدر ما يزداد عدد النساء اللواتي يضعنا الحجاب بقدر ما تزيد نسبة التخوف والرفض في الشق المقابل.

وقد يكون التخوف من ان يصبح الحجاب هو القاعدة وغيره استثناء، سببا في الدعوة الغير مباشرة الى منعه قانونا، لوضع حد بقوة القانون لظاهرة لم تنتظر نصا تشريعيا لتكتسح تقريبا كل الطبقات الاجتماعية باختلاف أنواعها.

فالقول وان وضع الحجاب هو إلزامي في تونس يفتح باب الدعوة الى منعه، نظرا لما تحمله هذه المعاينة المبالغ فيها من ارباك للنمط الاجتماعي الذي ما انفك العديد التذكير به وكأنه يمثل واقع تاريخي أكيد يوحد كل النساء التونسيات (في حين وان الاختلاف والتنوع في اللباس والمعتقدات قد ميزا المجتمع التونسي منذ عقود وللتدليل يكفي التذكير وان السفساري لم يختفي من مجتمعنا حتى في السنوات الأكثر تحرر اجتماعي التي مرت بها بلادنا بعد الاستقلال وفِي ضل حكم الحبيب بورقيبة رمز تحرير المرأة.).

لذا وأمام انعدام القدرة على المطالبة الصريحة بمنع الحجاب حتى لا يأتي على كل نساء تونس يحاول البعض تضخيم ظاهرة وضع الحجاب ،اراديا أو بغير وعى،  وتقديمه على كونه الزاميا حتى تتحرك الضمائر ويعى البقية بالخطورة ويتحرك المجتمع المدني من اجل المطالبة بمنعه أو تقليصه على المساحات الخاصة.

امّا الشق الثاني فقد اعتبر وان ما قاله فالس لا يمّت للواقع بصلة ضرورة ان وضع الحجاب خيار شخصي غير ملزم قانونا ولا يعود لاى ضغوطات مهما كان نوعها.

وان كان ما يتبناه هذا الشق اقرب للحقيقة القانونية في البلاد باعتبار وان الدستور وكل القوانين الوضعية في تونس لا تلزم احد على وضع لباس معين دون الاخر، باستثناء منع التجاهر بما ينافي الأخلاق والتعري التام في المساحات العامة.

غير ان هذا التوجه يمثل خطر حقيقي لكونه يحمل في طياته شحنة هامة ايديولوجية ، ترنوا الى تقديم ظاهرة وضع الحجاب وكأنها ظاهرة اجتماعية بحتة واعية واختيارية. فتقدم اللباس الطائفي الذي ظهر مع الحركات السياسية الاخوانية كأنه خيار اجتماعي غير سياسي ويترجم عن تبني واسع للنساء للبرنامج المجتمعي الذي سعت هذه الحركات السياسية الى فرضه عبر عقود طويلة.

فوضع الحجاب بشكله المتعارف عليه اليوم في مجتمعنا كان لمدة سنوات علامة انتماء النساء الى حركة الاتجاه الاسلامي (النهضة حاليا) ولَم يكن بتاتا لباسا تقليديا محافظا كالسفساري مثلا.

وبالتالي فالقول وان وضع الحجاب ليس إجباريا لا قانونيا ولا اجتماعيا هو محاولة إرادية لإخفاء الأصل السياسي والأيديولوجي لهذا اللباس وهو خاصة محاولة للتقليل من خطورة هذه الظاهرة حتى تواصل شق طريقها في المجتمع في صمت وهدوء وبدون أدنى  تشويش حتى تأتي على المجتمع بأسره.

يتضح اذا وان كلى الرأيين مبنيين على عملية إسقاط لمعتقدات شخصية على الواقع وعملية تلاعب بالراي العام.

اعتقادي وان الأشكال لا يكمن في هذا التناقض والتباين في المعاينة لظاهرة وضع الحجاب وإنما يكمن في طريقة طرح الموضوع نفسه وذلك للاسباب التالية:

  • ان السؤال حول إلزامية أو عدم إلزامية وضع الحجاب في تونس هو سؤال مغلوط ومن المفروض ان لا يطرح بتاتا باعتبار وان الالزامية يجب ان تكون بحكم النص القانوني الوضعي دون غيره واى إلزامية ذات مصدر آخر ديني أو اجتماعي لا تحدث اى اثار قانونية على الأشخاص ان خالفوها وبالتالي يتجه عدم اعتمادها للخطورة التي تمثلها حتى من باب الجدل
  • اختصار وضع الحجاب في مسالة حرية الباس يمثل بدوره خطورة ومغالطة باعتبار الأصل السياسي والأيديولوجي لهذا اللباس وخصوصا للمعاني التي يحملها من اختزال المرأة في "جسد عورة" يستوجب إخفاءه ومن اختزال الرجل في حيوان جنسي يثار ويتأثر بأى قطعة لحم مؤنثة تعترض طريقه
  • الحجاب عقلية وبرنامج مجتمعي يسعى الى تعميق تبعية المرأة وتقليص دورها المجتمعي الى اداة شهوة وجنس للرجل ولمكافحة هذه العقلية القروسطية يستوجب اولا وبالذات مواجهتها بفكر وقناعات بديلة وليس بالمنع والترهيب لان المسالة تتجاوز اللباس والمظهر
  • للخروج من هذه الدوامة يفترض قبل كل شيء فهم المسألة ليس في ظاهرها وتمظهراتها لكن في عمقها ومدى قوتها وأسباب نجاحها في جلب ملايين النساء: السؤال المركزي كيف نجح هؤلاء في إقناع هذا العدد الكبير من النساء بوضع الحجاب واعتبار أنفسهن اداة جنسية وعورة وجب اخفاءها؟ كيف تفشت الظاهرة ؟ من اطلق وموّل حملات الاشهار والتاطير لحمل النساء على وضع الحجاب؟؟؟ هل هى ظاهرة عفوية أم مخطط على المدى الطويل خطط له في كواليس السياسة والسلطة ؟؟ أسئلة عديدة تفتقد الى اجابات علمية مبنية على دراسات سوسيولوجية بالتواريخ والارقام حتى نفهم كيف بدأنا وأين نحن الآن ...

دليلة مصدق

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
محمود جعفر - 11-01-2017 12:47

شكرا على هذا التحليل الواضح و الثري. كان علينا ان نتعرف على أحوالنا ، كما فعلت ، قبل التسرع إلى إلقاء التهمة والنقد على صاحب الموقف. يبقى الرجاء في نجاح المجتمع المدني حتى تكسب المرأة في تونس ثقتها في نفسها والشجاعة للدفاع علئ حريتها االحقيقية والقدرة على التصدي للخطب الرجعية التي تستغل الدين لفرض نمط المجتمع الذي لا تريده الأغلبية الكبيرة . فالرجاء مواصلة الكتابة ونشر الثقافة لفتح البصائر ومنع إتساع مجال الجهل بتعلة الحرية والدين.

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.