عبد الحفيظ الهرقام: تونس 2017، نَفـَــــــسٌ جَـــدِيــــــدٌ
تقبل تونس على سنة 2017 بعد أن نجحت بامتياز في عقد المؤتمر الدولي للاستثمار الذي زاد في إشعـاع صورتها في الساحة الدولية ومهّد لها السبيل لاسترجاع مكانتها وجهةً استثمارية وسياحيّة بارزة في منطقتها.كما أشاع المؤتمر الأمل لدى عموم المواطنين في قدرة بلادهم على تخطّي حالة التصدّي للمخاطر بمختلف أشكالها لبلوغ مرحلة التعافي من تأثيرات الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الخانقة التي تردّت فيها في السنوات الأخيرة.
ولعلّ ما يعزّز هذا الأمل ما أبداه أصدقاء تونس وشركاؤها من مختلف مناطق العالم، أثناء المؤتمر وبعده، ولا سيّما الاتحاد الأوروبي، من تقدير لتجربة تونس الديمقراطية وإعجاب بما تزخر به البلاد من طاقات شابّة مؤهّلة وترحيب بارتقاء جيل سياسي جديد إلى سدّة الحكم فيها، معربين في الآن ذاته، عن استعدادهم لمساعدة تونس على وضع برامج ومشاريع تسهم في رفع نسق النموّ الاقتصادي والنهوض بالاستثمار على نحو يدفع التشغيل، وخاصّة منه الموجّه إلى الشباب. وقد تكون المجموعة الدولية قد أيقنت أكثر من أيّ وقت مضى، أمام تنامي ظاهرة الإرهاب وتهديداته، أنّ من مصلحتها مؤازرة تونس في جهودها الرامية إلى توطيد أركان ديمقراطيتها الناشئة ودعم مقوّمات أمنها وتنميتها، إذ أنّ في ازدهار هذا البلد المتوسطي ونجاح تجربته الديمقراطية ضمانا لاستقرار المنطقة بأسرها.
ولا شكّ أنّ ما يدفع التونسيين اليوم إلى التخلّص من كابوس الضيق والإحباط والنظر إلى المستقبل بثقة وإيجابية ما لمسوه في الفترة الأخيرة من تعامل رصين مع قضايا حسّاسة كانت تهدّد الكيان الوطني والجسم الاجتماعي بالتفكّك والتّصدع ، فضلا عمّا عاينوه من تطّور ملحوظ في جوانب عدّة من الحياة العامّة.
ومن ذلك نذكر بالخصوص:
- اجتناب القطيعة والمواجهة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل وتغليب منهج الحوار في علاقتهما على منطق الصدام، دون التضحية بالمسائل الجوهرية، حفاظا على سلامة المناخ الاجتماعي، باعتبارها شرطا أساسيّا من شروط الاستقرار المحفّز على الاستثمار ودفع النموّ الاقتصادي.
- القدرة على لملمة جراح الماضي للوصول إلى المصالحة من خلال شروع هيئة الحقيقة والكرامة في إجراء حصص استماع إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على الرغم من أنّ اختيار توقيتها لم يكن مناسبا بالمرّة، إذ تزامن مع ظرف موسوم بارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي وتصاعد التجاذبات السياسية على خلفية قضية مقتل لطفي نقّض.
- عودة قطاعات استراتيجيّة إلى سالف نشاطها كالفسفاط والمحروقات بعد طول انقطاع تسبّب في خسائر فادحة للاقتصاد الوطني.
- تطوّر القدرات العملياتية والاستخباراتية للمنظومتين الأمنيّة والعسكريّة ممّا مكّنهما من إحراز تقدّم باهر في مقاومة الإرهاب والتهريب والجريمة بمختلف أشكالها، في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرّف.
بنفس جديد، قوامه العزم والتفاؤل، تدخل حكومة يوسف الشاهد ومعها الشعب التونسي سنة 2017 التي لا تخلو من صعاب خاصّة على صعيد توازنات الماليّة
العموميّة، سيكون من أولويات العمل خلالها تسريع وتيرة النموّ استنادا إلى قانون الطوارئ الاقتصادية الذي سيخوّل للحكومة طوال ثلاث سنوات تذليل كلّ العقبات بما يسمح بتنفيذ البرامج في الآجال المحدّدة وبأيسر السبل، واعتماد المشاريع الكبرى والمشاريع المموّلٓة عن طريق القروض الصغرى، رافعاتٍ للتنمية والتشغيل، فضلا عن مكافحة الفساد وإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة واستكمال الإصلاحات الكبرى، ومنها الإصلاح الهيكلي للإدارة وإصلاح المنظومة التربويّة والتعليم العالي والتكوين المهني لتأهيل جيل من الشباب تتلاءم مؤهلاته مع طلبات سوق الشغل.
وسيكون من أوكد الأولويات أيضا تعزيز قدرات جهاز الأمن والجيش الوطني لحماية البلاد من مخاطر الإرهاب والجريمة المنظّمة.
التحدّيات عديدة وجسيمة لا محالة، لكنّ تونس قادرة على التوفّق في مواجهتها بالبذل والمثابرة في الجهد للانطلاق نحو أفق أكثر إشراقا.
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق