أخبار - 2016.11.20

تعليب‭ ‬زيت‭ ‬الزّيتـــون: الفــــرص‭ ‬المـــتـــاحـة

تعليب‭ ‬زيت‭ ‬الزّيتـــون: الفــــرص‭ ‬المـــتـــاحـة

أصبح زيت الزيتون في تونس اليوم  منتجا استراتيجيا إلى جانب إنتاج التمور. فغابات الزيتون تغطي حوالي 1700 هكتار تنتج زيتونا من أنواع مختلفة وعديدة أهمها نوعان هما الشملالي والشتوي. ويشتغل في مجال زيت الزيتون في بلادنا أكثر من 300 ألف فلاح أي أنّ 60% من الفلاحين تحصل مداخيلهم كلّها أو بعضها من زيت الزيتون وينتجون معا كمعدل في العشرية الأخيرة ما بين 150 و180 ألف طن. ويشغّل القطاع ما يزيد عن 15 ألف شخص. وقد بدأت تونس تتبوأ المراكز الأولى بين الدول المنتجة والمصدرة لزيت الزيتون السائب وزيت الزيتون المعلب. وقد حجز المعلب مكانا له في السوق العالمية وهو تطوّر يدرّ على تونس أرباحا مضاعفة مقارنة بتصدير الزيت السائب.

حدث تصدير زيت الزيتون المعلب ثورة في عادات التصدير التونسية منذ سنة  1996 بعد أن كانت تونس تصدر حوالي 90 % من زيت الزيتون سائبا إلى إيطاليا وإسبانيا. ويؤكد السيد عبد السلام الواد رئيس الغرفة الوطنية لمصدّري زيت الزيتون لليدرز العربية أنّ الشركات المصدرة اقتنعت منذ تلك الفترة بأنّ تصدير الزيت السَائب  ليس فيه قيمة مضافة للاقتصاد التونسي وكان عبارة عن مناولة لدى الإيطاليين والإسبان، فبعثت منذ سنة 1997 نواة أولى لعلامات تونسية للزيت المعلب تم ترويجها في السوق المحلية في البداية ثم شاركت في المعارض الغذائية العالمية والصالونات الدولية منذ موسم 2000–2001 بهدف الترويج لزيت الزيتون التونسي المعلّب في الأسواق الخارجية والانطلاق في تصديره.

الزيت المعلّب وهياكل الدعم

وحتى تتوفّر لهذا النشاط وسائل النجاح في خضم سوق عالمية تسيطر عليها شركات كبرى مدعومة من دولها تمّ حسب السيد عبد السلام الواد وباقتراح من مجموعة من الصناعيين إحداث صندوق النهوض بزيت الزيتون المعلب سنة 2006. وكان الهدف من إنشائه، حسب السيد نور الدين العقربي مدير عام الصناعات الغذائية بوزارة الصناعة والتجارة وهي الإدارة المتصرفة في الصندوق، هو ترويج زيت الزيتون التونسي عموما وتمويل العمليات ذات المصلحة العامة وكذلك القيام بتدخلات لدى الصناعيين بالمساهمة في العمليات الترويجية ذات المصلحة الخاصة.

فبخصوص العمليات ذات المصلحة العامة، أكد السيدان نور الدين العقربي ومحمد الكامل المدير العام للمركز الفني للتعبئة والتغليف لليدرز العربية أنّ هذه المهمة أوكلت  إلى المركز وذلك من حيث التصرف وتسيير برنامج النهوض بالزيت المعلب كالقيام بالدراسات واستكشاف الأســواق والمشــــاركة في الصالونات والمعارض وتنظيــــم الحمـــلات الترويجية بهدف دعم العمليات التي تعـــرف بزيت الزيتون التونسي المعلــــب للنهــوض به وتطوير صادراته، علما أنّ المركز يهتم أيضا منذ إنشائه سنة 1996 بكل المتدخلين في التعليب وهو يقدم خدمات فنية في مجال الجودة والتأهيل والتدريب ...

أما العمليــات ذات المصلحــة الخاصة الموجهة إلى المؤسسات فهــــي مــن مشمولات الإدارة العامة للصناعات الغـــــذائية بوزارة الصناعة والتجارة ويتدخــــل الصنـدوق لدعم المؤسسات عند المشاركة في المعارض لتنمية صادراتها من الزيت المعلب أو عند  إحداث علامات تجارية جديدة... علما أنّ الصندوق يموَّل فقط من خلال مساهمة المصدرين بمعلوم يوظف بنسبة 0.5 % من القيمة المصرح بها لدى الديوانة على تصدير زيت الزيتون غير المعلب.

ويصادق على تلك البرامج المجلس التونسي لزيت الزيتون المعلّب الذي يشرف على اجتماعاته وزير الصناعة والتجارة فيتولى، حسب السيد محمد الكامل، ضبط الأولويات في مجال تدخلات الصندوق وإبداء الرأي في ملفات المؤسسات التي تطلب مساعدة الصندوق بخصوص ترويج زيت الزيتون المعلب والمصادقة على الميزانيات السنوية لتلك العمليات. ويشير السيد نور الدين العقربي إلى أن المجلس يصادق على البرنامج السنوي للعمليات ذات المصلحة العامة ويحدد له الميزانية اللازمة ويتولى متابعة تنفيذه.

تطوّر الإنتاج والتّصدير

ويؤكد السيد عبد السلام الواد أنّه قبل إحداث الصندوق سنة 2006 كانت تونس تصدر حوالي 500 طن من زيت الزيتون المعلّب ضمن إنتاج عام بلغ آنذاك حوالي 150 ألف طن أي بنسبة  تقدر بحوالي 0.3% وقام بتلك العملية في ذلك الوقت حوالي 5 مصدرين. وفي موسم 2006 2007 تم تصدير 194.1 ألف طن من بينها 1.9 ألف طن معلب أي بنسبة1%. ثم تطوّر الإنتاج ليصل إلى 340 ألف طن موسم 2014 2015 صُدّر منها 311 ألف طن من بينها 20 ألف طن معلّبا أي أنّ تصدير المعلب تضاعف 40 مـــرة  خــلال 10 سَنوات ومثّل آنذاك نسبة 6.4% من إجمالي الزيت المصدر، مشيرا إلى أنّ تونس حصلت في تلك السنة على لقب أوّل مصدر في العالم. وزاد عدد المصانع المصدرة للزيت المعلب عن 30 مصنعا، وكسبت تونس نسيجا من المصدّرين من ذوي الخبرة والكفاءة وكذلك حوالي 50 علامة تونسية تصدر بنسب مختلفة. وتوسّعت أسواق تصدير الزيت المعلّب وبعلامات تونسية إلى أكثر من 40 سوقا في القارات الخمس بمشاركة أكثر من 200 مصدر. وكان للدراسات حول الأسواق الواعدة بالنسبة إلى الزيت التونسي التي قام بها الصندوق، حسب السيدين نور الدين العقربي ومحمد الكامل، دورها الهام في التطور الذي أشرنا إليه، فقد كشفت مثلا أنّ المستهلك الفرنسي كان سنة 2006 و 2007 يجهل أنّ لتونس زيت زيتون.

ورسم الصندوق لنفسه هدفا هو الرفع من نسبة الزيت المعلّب المصدّر إلى 10% من إجمالي انتاج زيت الزيتون خلال 10 سنوات وهو ما تم إنجازه فعلا لأنه حقق تقريبا  نسبة 13% سنة 2011. وبفضل دعم الصندوق حصل تحسّن في القدرات الترويجية للمصانع كما حصل التحسّن بفعل المنافسة بين المؤسسات على مستوى الموارد البشرية وعلى مستوى التعليب وطرق العرض وتصنيف الإنتاج.

الإشكالات المطروحة على القطاع

ورغم هذا التطور الذي عرفه تعليب زيت الزيتون وتصديره فإنّه يعيش صعوبات لخّصها السيد نور الدين العقربي في تذبذب إنتاج زيت الزيتون عموما بسبب الظروف المناخية في البلاد وقلة الأمطار وضعف المعرفة بالأسواق العالمية لدى عديد المؤسسات وارتفاع كلفة الإنتاج على المستوى الوطني، ممّا يرفع من سعر الزيت عند التصدير وعدم مسايرة الصندوق لما هو موجود على مستوى العالم نوعيا وماديا. كما أنّ دعمه للمؤسسات غير كاف فقـــد استعمـــل مثـــلا ما قيمته  مليوني دينار فقط من مداخيله المقدرة سنة 2015 بـ 10 ملايين دينار، علما أنّ مداخيله لموسم 2015 2016 ستبلغ حوالي 3.5 مليون دينار من جملة مداخيل صادرات زيت الزيتون المقدرة بـ 700 مليون دينار.

وفي نفس السياق أشار السيد عبد السلام الواد إلى صعوبات أخرى مثل ضعف مردودية إنتاج الهكتار الواحد من الزيتون بل هو الأضعف في الدول المنتجة، فالمعدل في تونس هو 100 كلغ زيت للهكتار بينما يصل إلى 200 كلغ في سوريا و140 كلغ في المغرب و400 كلغ في إسبانيا وعدم توفر مصانع للقوارير الزجاجية التي تأخذ أشكالا فنية والتي تستورد من الخارج إذ لا  يوجد في تونس إلا مصنع واحد للقوارير العادية وكذلك الأمر بالنسبة إلى أغطية وسدادات قوارير الزيت وإلى عدم تمكين الفلاح من دعم مباشر على الإنتاج كما تفعل الدول المنافسة. فالزيوت الأوروبية تتمتع بدعم من السوق  الأوروبية المشتركة بتمكين الفلاح من دعم مباشر على الإنتاج يقدر بـ 1 يورو تقريبا على كل كيلو زيت منتج.

سبل التطوير والتجديد

لقد كانت عائدات بلادنا بالعملة الصعبة في الموسم الاستثنائي 2014–2015 300 مليون دينار من تصدير زيت الزيتون المعلب. أما في موسم 2015 - 2016 فقد صدّرت تونس إلى حدود شهر أكتوبر الماضي 13600 طن من الزيت المعلب بعائدات تقدر بحوالي  200 مليون دينار وينتظر أن يكون إنتاج هذا الموسم 2016 2017 ضعيفا بسبب الظروف المناخية.

وانطلاقا من هذه الإحصائيات كان من الضروري التفكير في سبل تطوير الإنتاج والتصدير وهياكل المساعدة لذا يقترح السيد عبد السلام الواد : العمل على الحد من تأثير عنصر المعاومة (تنتج شجرة الزيتون مرة كل سنتين) على الإنتاج وذلك بالزيادة في الإنتاج من خلال العناية بغابات الزيتون الموجودة وتشبيبها وخدمة الأرض بطرق علمية وغراسة أشجار زيتون جديدة  وخاصة في الأراضي السقوية لتطوير الإنتاج  بهدف زراعة حوالي 10 آلاف شجرة زيتون كل سنة لمدة 10 سنوات كما أنه من الضروري الاعتناء المكثف بالزراعات السقوية والاستفادة من التقدم العلمي في هذا المجال لأن الهكتار السقوي الواحد قادر على استيعاب غراسة 1600 شجرة زيتون. مع تشجيع الاستثمار في زيت الزيتون وزيادة عدد مصانع التعليب لتصل إلى حدود 60 مصنعا.

أمّا السيد نور الدين العقربي فقد اقترح  مراجعة سقف الدعم الذي يقدّمه الصندوق على مستوى العمليات التي تقوم بها كل مؤسسة وتنويع العمليات ذات المصلحة العامة وتحقيق حجم تصدير من الزيت المعلّب يفوق 50 ألف طن في أفق سنة 2020 مع تحديث دراسات الأسواق للاهتمام بأسواق مهمة مثل الصين والبرازيل والهند وبعث هيكل مهني يتولى التصرف في الصندوق ويجمع كل المتدخلين في الميدان والاستفادة من الدراسة التي انطلقت لتقييم تدخلات الصندوق ووضع استراتيجية جديدة للنهوض بزيت الزيتون المعلب.

وللزيت المعلّب مشارب أخرى

وإضافة إلى حصول تونس سنة 2015 على مرتبة أول مصدر لزيت الزيتون في العالم بفضل مجهودات المصنعين ودعم الصندوق ، من الضروري أيضا اليوم العمل على الزيادة في حجم الزيت المعلّب المصدر للوصول إلى تصدير كمية مهمة من إنتاجنا باعتبار الفرق في العائدات على الاقتصاد التونسي مهمّ جدا ( المعلب يدر على تونس قيمة مضافة تقدر بـ 1 د عن كل لتر من الزيت مقارنة بالسائب ) ولضمان مركز متقدم في العالم للبلاد.

ومن جهة أخرى، انتقل مصنعو زيت الزيتون المعلّب إلى مرحلة جديدة من الإنتاج وخاصة بالنسبة إلى زيت الزيتون البيولوجي الذي حصد في فترة وجيزة مرتبة مشرفة في العالم فأصبحت تونس أوّل منتج لزيت الزيتون البيولوجي في العالم حسب إحصائيات موسم 2015 2016 بإنتاج قُدّر بـ 30 ألف طن ورغم أنّ المعلّب منه كان بكميات قليلة فقد تم تصديره إلى عديد البلدان كالولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليابان وألمانيا وبريطانيا وكندا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة.

ولمزيد جلب المستهلك الأجنبي تفنّن مصنعو الزيت المعلّب في أشكال القوارير التي يعبّأ فيها الزيــت والتي أصبحـــت أشكالا فنية جميلــة وجذّابة. كما أصبحت تلك القوارير تقتنى من قبل الأجانب لتقدم كهدايا مما فتح مجالا جديدا للمصدر التونسي. ويُصدّر الزيت المعلّب أيضا بنكهات غذائية مختلفة خاصة لليابان كما يُصــدّر الزيـــت المعلّب ليستخدم في صناعة مواد التجميل المختلفة وخاصة تلك المعالجة للوجه وللشعر.

وقد فتح هـذا التنويع والتجــديد مجالات جديدة للتصدير وثمّن عـاليا هذا المنتوج وأعطاه قيمــة مضـافة جديدة ستحقق لتونس عائدات مهمة من العملة الصعبة في المستقبل.

خالد الشّابي

لقراءة المزيد:

شهاب سلامة: كل زيوتنا حاصلة على علامة إيزو 22000

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.