إلغـاء العبوديـة في الحضارة العربية الإسلاميـة، في ندوة بمركز جامعة الدول العربية بتونس
في السادس والعشرين من شهر يناير / جانفي من هذا العام (2016) كانت قد مرّت مائة وسبعون سنة بالتمام على الأمر الذي أصدره المشير أحمد باشا باي في 25 من شهر محرّم الحرام سنة 1262 للهجرة (الموافق لـ 26/1/1846) بإلغاء الرق وعتق العبيد لـ "ميل بطبعه إلى الحضارة التي أساسها وملاك أمرها الحرية" حسب عبارة المؤرّخ التونسي الكبير أحمد بن أبي الضياف في كتابه الإتحاف (إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان)، وذلك "بعد أن كان قد تدرّج في الوصول إليه، فأمر في رجب من سنة سبع وخمسين (ومائتين وألف) بمنع بيع الرقّ في السوق كالبهائم. وأسقط المكس الموظّف على ذلك (...) وهدّم الدكاكين الموضوعة لجلوسهم وبقعة القائد وتسمّى القفص وسكت عن بيعهم في غير السوق. ثمّ منع خروج المماليك من العمالة للتجارة فيهم (...) ثم صدر أمره أواخر سنة ثمان وخمسين بأنّ المولود في المملكة التونسيّة حرّ لا يباع ولا يشترى" (الإتحاف، ج4).
وقد أحبّ مركز جامعة الدول العربية بتونس أن يحتفل بذكرى هذا الحدث التاريخي الكبير الذي أشار إليه سيادة رئيس الجمهورية التونسية، في الأشهر الأخيرة، في أكثر من مناسبة والذي تتجاوز أهميته النطاق الوطني والعربي إلى النطاق الدولي والإنساني العامّ، وذلك بعقد هذه الندوة (المؤتمر) التي يسعى فيها، بقدر الطاقة، إلى جمع أكبر عدد ممكن من المؤرّخين والباحثين من تونس وسائر أقطارنا العربية وبعض الدول الإسلامية والأجنبيّة من الذين اهتمّوا بالجهود التي بذلت، عبر القرون والعقود، بـ"إلغاء الرق وعتق العبيد" في الوطن العربي والعالم الإسلامي، بما في ذلك الجهود التي ما فتئت أقطارنا ودولنا تبذلها بهدف التساوق والتناسق التامين مع المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنصّ على أنّه "لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما". ومن أقرب تلك الإنجازات، في مجال مكافحة كلّ أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرّض لها الأشخاص، القانون الأساسي التونسي عدد 61 لسنة 2016 المؤرّخ في 3/8/2016 والمتعلّق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته.
إن الدين الإسلامي الحنيف وجد، عن ظهوره، الرق ممارسة شائعة معروفة في بلاد العرب وفي كلّ الحضارات والديانات والمذاهب السابقة له. وقد تعامل مع هذه الممارسة بخطة لا تتجاهل الواقع ولا تقفز عليه، لكنّها لا تعترف به ولا تحضّ عليه. وقد عملت الحضارة العربية الإسلامية، بالتدرّج وعلى مراحل، على تضييق مصادر الرق، وتحسين حال الرّقيق، وتحريرهم. وإذا كانت بعض الطوائف والجماعات الإرهابية قد عادت، في المدة الأخيرة، إلى سبي النساء وممارسة النخاسة، فإنما ذلك يعدّ تحدّيا جديدا أمام العرب والمسلمين يقتضي منهم التأكيد على أنهم دعاة للحرية التي تحفظ الكرامة الإنسانية وأنّهم يتبرؤون من مثل هذه الممارسات المتخلّفة، لأنهم يؤمنون بأن الناس جميعا قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
محاور الندوة
- اكتب تعليق
- تعليق