أخبار - 2016.07.14

واقعة صفاقس : جويلية 1881...

واقعة صفاقس : جويلية 1881...

فور انتشار خبر توقيع ‘’معاهدة التحالف والضمان’’ من قبل محمد الصادق باي و الجنرال″Jules Aimé Bréart″  بقصر السعيد في 12 ماي1881 والتي فرضت  الحماية الفرنسية على تونس، انتشرت النقمة في جميع أنحاء البلاد بسبب ما أعتبر اعتزام الباي بيع البلاد للفرنسيين وتكليفه ″للقياد″ بتنفيد تلك السياسة وإقناع الأهالي بصواب هذا التوجه ، وكانت لجهة صفاقس  نصيب وافر في حركة المقاومة الشعبية للاحتلال العسكري.

الثورة

في ظل هذه الظروف المشحونة، قامت السفينة المدفعية الفرنسية ″la canonnière le Chacal" يوم 28 جوان بزيارة استطلاعية إلى مدينة صفاقس حيث طاف قائدها "Arthur Henrique″ بأرجائها مصحوبا بالقنصل الفرنسي، فهاجمتهما الجموع الغاضبة هاتفة ″الموت للفرنسي″ وجرح القنصل في ذراعه وارتمى في البحر للنجاة بنفسه، ثم توجهت الحشود إلى الحي الأوروبي ونهبوا بيت القنصل الفرنسي وأملاك عدد من الأوروبيين وأفراد الطائفة اليهودية المتهمة بتقديم التسهيلات لقوات الاحتلال ولقي مالطيان إثنان و أحد اليهود مصرعهم وجرح قنصل السويد ″Sodal" وفرنسيان إثنان وهرب الأجانب إلى السفن الراسية قريبا. كما هاجمت الجموع رموز سلطة الباي على رأسهم القايد، ذاكرين أنه أحد المساهمين في وأد ثورة سنة 1864 وجامع الضرائب والمغارم - ففر مع أعوانه إلى الباخرة الفرنسية ″Alma". خلت المدينة من ممثلي السلطة، فتم تشكيل مجلسا للدفاع برئاسة محمد الشريف ضابط المدفعية وعضوية 40 من الصفاقسيين بينهم الحاج محمد كمون و الحاج علي خماخم و 10 من المثاليث  بينهم عمر المقطوف وانضم إلي الثوار أعضاء الحامية العسكرية بقيادة محمد معتوق وأنشا حرسا عدده 4000 مقاتل تقريبا ووزعت عليهم الأسلحة المخزنة بالبروج وزار المدينة قايد الأعراض علي بن خليفة النفاتي الذي تزعم المقاومة رفقة فرسانه بغرض دعم الثوار .

القصف

بدأت الكتيبة البحرية للشرق″ division navale du Levant″ بقيادة الأميرال ″Philippe Conrad" بقصف المدينة ، يوم 5 جويلية ، ملحقة بعض الأضرار بالسور و المباني مثل صومعة الجامع الكبير وعدد من الدكاكين المحيطة، في حين تزايدت نار الحمية لدى المقاومين على مر الأيام أمام فشل الغزاة في إحداث اختراق للدفاعات نظرا لقوة التحصين الذي مثله السور وقصر البحر الذي يحول دون اقتراب السفن من شواطئ المدينة، إضافة إلى تواتر الأنباء عن قرب وصول نجدة السلطان العثماني عن طريق ولاية طرابلس الغرب. لذلك أمر وزير البحر والمستعمرات الأميرال″ Georges Cloué ″ الأسطول الفرنسي الأول والثاني بالمتوسط "1ère et 2e escadres de la Méditerranée’’ الذي يتمتع بقوة نارية أكبر ،بالتوجه إلى المدينة لتعزيز الكتيبة الموجودة ، وبدأ يوم 15 جويلية قصف عنيف ″ un Bombardment mémorable ″ حسب تعبير أحد الملاحظين الأوروبيين بحساب قذيفة كل 5 دقائق يزن بعضها 200 كلغ و تركز على تدمير السور و خاصة حصني القصبة وبرج النار. ولما أحدث القصف أضرارا كبيرة بالدفاعات تم إنزال ما يناهز 3000 جندي فرنسي من المشاة إلي البر، يوم 16  جويلية، وبدأ الغزاة بالسيطرة على الحي الأوروبي ثم قاموا بتفجير باب القصبة لكي يتوغلوا داخل السور، فلقي 40 من المقاومين المتحصنين وراء الباب مصرعهم في الحين . ثم شهدت أنهج المدينة معارك طاحنة دامت ثلاثة أيام أصيب فيها العديد من الجنود الفرنسيين برصاص المقاومين المختفين في كل مكان. و أفادت وكالة الانباء Havas أنّ المواجهات يوم 17 جويلية أسفرت عن مقتل 300 من أهالي صفاقس و200 من الفرسان. وأخذ جنود الاحتلال يتعقبون المقاومين في كل شبر من المدينة وخارجها وأعدموا في الحين كل رجل وجدوه مسلحا وذكرت الشهادات الموثقة أنهم أخرجوا عشرين من الجرحى الذين التجأوا إلى مسجد سيدي بوشويشة وأعدموهم بباب الجبلي وقتلوا أحد الدراويش الذي كان ماسكا عكازا ظنا منهم، أنه مسلح وعمدوا إلى تفجير المنازل والدكاكين و إشعال النار في حصر المساجد و حزم الحلفاء لإبادة المدافعين فالتهمت النيران العديد من المعالم مثل مكتبة سيدي بلحسن الكراي...

السقوط

سيطرت قوات الفرنسية على المدينة بفضل التفوق العسكري التي تتميز به وتخاذل السلطنة العثمانية عن نجدة المقاومة وسط خراب كبير لحق السور و المباني، وخلفت المعركة ما يقارب ألف شهيد منهم الضابط محمد معتوق و74 أسير من التونسيين* مقابل أربعين قتيلا ومائة جريحا في صفوف الفرنسيين في ما هاجر عدد من زعماء المقاومة إلى طرابلس مثل الحاج محمد كمون والضابط محمد الشريف... فرضت الأحكام العرفية في المدينة ،واستقبل القايد حسونة الجلولي والعساكر الفرنسيون على متن البارجة ″Alma ″وفدا من الأعيان لطلب الأمان ومناقشة شروط عودة الأهالي ،يوم 20 جويلية ، فحمّل الفرنسيون سكان المدينة والمثاليث مسؤولية عمليات النهب الذي طال أملاك الأوروبيين واليهود.وتكونت لجنة دولية تضم الفرنسيين والبريطانيين والايطاليين لضبط مطالب التعويض والبت في صحتها وصرفت النظر عن المطالب التي قدمها التونسيون،وفرضت على سكان صفاقس وضواحيها الغرامة الحربية التي قدرت أولا بـ10 ملايين ريال وشملت حتى من لم يشارك في الثورة مثل التجار المقيمين بطرابلس أو مصر ثم تم تخفيضها إلى 6 ملايين عندما تيقنت اللجنة أنّ الأهالي عاجزون عن دفعها جراء حالة الخراب الذي عمّان الجهة.

نادر المنيف

* تفيد الروايات المتواترة صلب عائلتي أنّ أحد أفرادها استشهد خلال هذه المعركة حيث خرج حمّيد المنيف رفقة أخيه محمود  للجهاد ضد ‘’الرومي’’ متسلحا ″بمكحلة الصوان″ Fusil à Silex تاركا زوجته و ابنه الرضيع  وبعد نهاية المعركة لم يرجع إلى ذويه ولم يعثروا على جثته إلى يوم الناس هذا ، وقيل إنه استشهد بباب القصبة خلال القصف ووجدت رجله مبتورة وتعرفوا عليها من خلال الحذاء أو  إنه احترق عندما أضرم الفرنسيون النار في مخابئ المقاومين

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.