أخبار - 2016.06.29

الفصل 96 من المجلة الجزائية: هــل يضمـن التّصــدّي للـفسـاد؟

الفصل 96 من المجلة الجزائية: هــل يضمـــن التّصــدّي للــفســاد؟

 صياغة الفصل المذكور آنذاك على نحو يسمح بتتبع الموظفين وأشباه الموظفين الذين توجد أموال أو مكاسب عمومية بين أيديهم لحفظها أو إدارتها او بيعها أو شــــرائها، فتصــــرفوا فيها بطــــريقة مخـــالفة للقانون من أجل إلحاق ضرر بالمال العام أو لتحقيق فائدة لصالحهم أو لغيرهم.

استعمال هذا الفصل المذكور بعد 14 جانفي

استعمل هذا الفصل المذكور بعد انهيار النظام السابق لمباشرة التتبع ضد الوزراء السابقين وكبار الموظفين والمستشارين السابقين لرئيس الجمهورية، وبذلك انطلقت التتبعات ضد هؤلاء، وأوقف عدد كبير منهم لتتبعهم في مختلف القضايا ،وهي تتبعات تعلقت بالتصرف في البنوك والمؤسسات المالية العمومية وسائر الصفقات العمومية وتسويغ الأراضي الفلاحية الدولية وبيع الأسهم التابعة لبعض المؤسسات البنكية .
 
ولو تأملنا في منطوق الفصل المذكور لتبين لنا أنّ هذا الفصل يؤسس لجريمة تقوم على ركن مادي وركن معنوي باعتبارها جريمة قصدية، وبالرجوع إلى الركن المادي فإنّ توفره يستوجب تحقق أربعة عناصر وهي أن يكون الفاعل الأصلي موظفا أو شبه موظف وأن تكون هناك أموال أو مكاسب بن يديه لحفظها أو إدارتها أو بيعها أو شرائها، وأن يخالف التراتيب المعمول بها وأن يؤدي ذلك إلى إلحاق ضرر بالمال العام أو منفعة شخصية للمتهم أو للغير .
و مبـــدئيا فإن مفهوم الموظف أو شبهه هو مفهـــوم لا يثـــير جــــدلا لأن المــــوظف هو من يكون مشمولا بقانون الوظيفة العمومية، أما شبه الموظف فهو من يعمل بالمؤسسات العمومية والدواوين والبلديات، ولكن فقه القضاء في تونس سار منذ سنة 2011 على نهج مخالف لذلك وذهب إلى أن الوزير وكاتب الدولة والمستشار برئاسة الجمهورية ورئيس الجمهورية بمثـــابة الموظفين، والحال أن فقه القضاء الأجنبي لا يعتبر الوزير موظفا وكذلك الشأن بالنسبة إلى رئيس الجمهورية وهو نفس التوجه الذي كان عليه الأمر في السابق إذ أنّ الوزير كان لا يحال على المحاكم العدلية بل يحال على محكمة عليا نص عليها دستور 1959. لكن إلغـــاء دستور 1959 وضع القضاة أمام خيارات صعبة باعتبار أن دستور 59 قد وقع الغاؤه بعــد الثورة.
أما بالنسبة إلى الأموال والمكاسب التي توجد بين يدي المتهم فقد توصل القضاة بعد أخذ ورد إلى اعتبار أن المستشارين السابقين برئاسة الجمهورية لا يمكن تتبعهم على أساس الفصل 96 من المجلة الجزائية لعدم وجود أموال أو مكاسب بين أيديهم إذ أن الأمر عدد 1953 لسنة 1990 الذي ضبط سلطة المستشار جعل مهمته تتمثل في إبداء النظر في المسائل التي تعرض عليه من رئيس الجمهورية وإبلاغ تعليماته لكبار موظفي الدولة والوزراء، فاستقر رأي أغلب المحاكم آخر المطاف وبعد تردد كبير على تبــرئة ساحة المستشـــارين الذيــن ليســـت لهم صلاحـــيات تقريرية بل أن دورهم هو استشاري بحت.
وإلى جانب الركن المادي فإن الركن المعنوي يفرض وجود قصد جنائي خاص وعام أي أن يكون المتهم قد أتى عمله وهو يعلم أنه يخالف القانون وأنه بصنيعه هذا سيلحق مضرة بالمال العام أو منفعة للمتهم أو لغيره.

إشكالات في التأويل

لقـــد تمسك الدفـــاع عن المتهمين في كثير من القضـــايا المتعلقـــــة بالإحالات طبق الفصل المذكـــور بأن الوزير أو المستشـــار لا يمكن إدانته إلا إذا أقدم على فعلته عن قصد وباختيار حر منـــه، وبـــما أن النظام التونسي كان نظاما رئاسيا فإن المسؤول السيـــاسي الأول أمام الشعب هو رئيس الجمهــــورية أمـــا الوزراء فإنهم غير مســـؤولين أمام الشعـــب عندما تصـــدر إليهــــم الأوامر من رئيس الجمهـــــورية فلذلك هم مدعوون إلى تنفيذ أوامره وعدم منـــاقشـــتها وعلى هـــذا الأســـاس فإنهـــم يتمتعون بقرينة الإعفاء من المسؤولية تطبيقا لأحــــكام الفصل 42 من المجلة الجزائية الذي جعل الفرد غير مســـؤول عنـــــدما يقوم بعمـــل بمقتضى القـــانون أو بموجب إذن من السلـــط التي لهــا النظر.
ولئن توصل القضاء في آخر المطاف إلى تبرئة ساحة المستشارين السابقين سواء كفاعلين أصليين أو كشركاء باعتبار أن مهمتهم كانت تفرض عليهم قانونا تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية، فإنّ القضاء رفض سحب مقتضيات الفصل 42 من المجلة الجزائية في خصوص الوزراء وباقي كبار الموظفين معتبرا أن التعليمات الرئاسية التي قد تعفي من المسؤولية يجب أن تكون كتابية وأن لا تكون مشوبة بخرق قانوني واضح وبالتالي جعل الوزير في وضعية صعبة لأنه حمّله مسؤولية عدم تنفيذ أوامر رئيس الدولة، إذ عليه أن يتثبت منها ويمتنع عن تنفيذها إذا كانت مشوبة بخرق واضح للقانون. 

سيف مسلول

لقد شكل الفصل 96 من المجلة الجزائية في غياب نص آخر سيفا مسلولا على رقاب المسؤولين السابقين ووقع تحميله أكثر مما يحتمل، و أصبح هذا الفصل اليوم هاجسا أمام كل من يضطلع بمهمة وزارية أو يرأس مؤسسة اقتصادية أو بنكية عمومية و كلّ مسؤول عن التصرّف بإدارة عموميّة أو شبه عموميّة هو ما من شأنه أن يعيق التصرف العادي لأن المسؤول، مهما كانت درايته بالقانون، قد يجد نفسه موضوع إحالة باعتبار أن هذا الفصل يشكل جناية ذات عقوبة بدنية خطيرة لذلك فإنّ المنظومة التشريعية تحتاج إلى تدخل المشرع من جديد حتى تصاغ جريمة تزجر بوضوح سوء التصرف والفساد المالي  بالنسبة إلى أعضاء الحكومة والموظفين العموميين بطريقة أكثر دقة لتجنب المنزلقات الخطيرة التي قد يجد المسؤول نفسه مورطا فيها رغم أنه لم يحصل على أية فائدة لنفسه أو للغير.
وبات تنقيح هذ الفصل أكثر من ضروري حتّى لا تنعدم  نهائيا لدى المسؤول الوطني ملكة الاجتهاد والمبادرة فتكون مصالح الوطن بأسره قد ضاعت وراء ضبابية قانونية يتعيّن رفعها.
عادل  كعنيش
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.