عـــايدة النفـــاتي بالــرجب: ٔاخصــــائيــــة نفســـانيــــــة
تعتبر مرحلة عرض الضحية على الأخصائي النفساني حلقة مصيرية في عملية الإحاطة الصحية والنفسية والاجتماعية بالضحية، حتى لا يحصل أي انتكاس في مسار المتابعة والحماية، فالضحية عندما تأتي للعيادة تكون مثقلة بمشاعر وأحاسيس الشعور بالظلم والانكسار وكذلك بالذنب وهذا يعود إلى نظرة المجتمع وفي مقدمتها العائلة لضحية الاغتصاب التي كثيرا ما يحملها أسباب الجريمة.
وهنا توضح الأخصائية النفسانية «مهمتنا كأخصائيين نفسانيين في مرحلة أولى هو تقييم الحالة وخطورتها ودرجة الصدمة التي تعرضت لها جرّاء الاغتصاب وحدّتها، لنحول دون انتقال الضحية مثلا إلى الانتحار أو القيام بأي عمل آخر خطير، لننتقل بعد ذلك إلى تحديد أسلوب ومستوى الإحاطة، فالكثير من الضحايا يعيشون الحالة من جديد، لكن الخطورة تكمن في الضحية التي تحصل لديها قطيعة مع ما حصل، وتحدثك عن الواقعة وكأنها حصلت لغيرها، هذه من أخطر الحالات».
وعن نوعية الضحايا وانتماءاتها الاجتماعية، تقول السيدة بالرجب «إن الاغتصاب لا يستهدف فئة اجتماعية دون غيرها، كما لا يفرّق بين الغني والفقير، فالوحدة تستقبل كل الفئات، من العاملة في المصنع إلى الأستاذة الجامعية ومن الطفل إلى الكهل، ومن بين الضحايا سيدة وقع اختطافها واغتصابها بشكل جماعي قبل محاولة ذبحها، وتقوم الأخصائية بمرافقتها نفسيا لتستعيد نسق حياتها سيما وأنها ترى يوميا من قام باغتصابها طليقا ولم يلق العقاب الذي يستحق على جريمته».
تنامي ظاهرة الاغتصاب بين أطفال المدارس
كما تؤكد السيدة بالرجب تنامي الظاهرة لدى الأطفال والمراهقين في المدارس إذ يقومون بالاعتداء على بعضهم البعض، وكذلك الاعتداء من قبل أشخاص معروفين أو قريبين من الضحية، إلى جانب ارتفاع عمليات الاغتصاب في نهاية الأسبوع مرجّحة أن يكون السكر وراء ذلك.
وتختلف عملية الإحاطة والمرافقة النفسية حسب عمر الضحية ونوعية الجريمة التي تعرضت لها، وهنا يكون الأطفال وضحايا عمليات الاغتصاب المتعدد أو محاولة القتل بعد الاغتصاب من أخطر الحالات، فمع الطفل يكون التعامل عن طريق الرسم حيث يعبر عما تعرض له عن طريق تصوير الحادثة.
وهنا تلفت الأخصائية النفسانية نظر العائلات إلى مؤشرات تكون دالة على تعرض الضحية للاغتصاب أو الاعتداء، فالأطفال والمراهقون يتغيرون تماما في سلوكهم وتعاملهم مع محيطهم، كأن يرفض الطفل أن تُغير ملابسُه، أو يمتنع عن الأكل، إلى جانب التبول اللاإرادي، أو الرغبة في النوم مع الوالدين، وهناك من يرفض الذهاب إلى المدرسة، أو يصبح عنيفا، وهناك من يفضل الانطواء، إلى جانب رفض التعامل أو الاقتراب من أشخاص معينين، والتراجع في المردود الدراسي.
مكافحة الظاهرة تتطلب وعيا وعملا جماعيا
وعن مدى وعي المجتمع بخطورة هذه الظاهرة، تؤكد السيدة بالرجب أن هناك جدية في التعامل مع الظاهرة أو في مستوى التبليغ لضمان الكشف الطبي، وبعدما كانت العائلات في الماضي تغطي المسألة بالزواج بالنسبة إلى اغتصاب الفتيات، فإن الكثير منها باتت تحرص على متابعة المجرم قضائيا وضمان حق الضحية، فمن بين المراجعين للوحدة عامل يومي يصطحب إبنه يوميا للحصة النفسية ليساعده على استعادة توازنه النفسي، وهو من ضمن 10 عائلات تراجع الأخصائي النفساني بانتظام وعلى امتداد سنتين.
وشددت السيدة بالرجب على أن مكافحة ظاهرة الاغتصاب تتطلب وعيا جماعيا وعملا متكاملا ومشتركا بين مختلف الأطراف، فلا بد من توعية العائلات والمربين بعدم الخوف وضرورة التبليغ، ومزيد تكوين أعوان الأمن وتدريبهم على كيفية التعامل مع الضحية عند تقدمها للشكوى، مؤكدة بالقول «إن مهمتنا تصبح شاقة أكثر عندما لا يعاقب المجرم ويتولد لدى الضحية عدم الشعور بالأمان، فنحن لا نشفي لكن نساعد الضحايا على تجاوز الحالة واستعادة نسق الحياة والاندماج مجددا في الحياة والتخلي عن الشعور بالذنب».
- اكتب تعليق
- تعليق