ماذا لو تفشل دعوة الباجي قايد السبسي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية؟
ذكر الرئيس الباجي قايد السبسي أنّه يتبنى مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون عاملا من عوامل تكريس وحدة وطنية صماء أضحت تونس اليوم في أمسّ الحاجة إليها لتجميع كل الطاقات من أجل مجابهة الأوضاع الدقيقة التي تمرّ بها البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
وأكّد رئيس الجمهورية في حديث أجراه معه إلياس الغربي بثته التلفزة الوطنية مساء الخميس 2 جوان أنّه لمس من خلال لقاءاته بأطراف مختلفة من الطيف السياسي وقيادات المنظمات الوطنية وشخصيات مستقلة "انتقادا أكثر من الاستحسان" في تقييم الأوضاع الراهنة وأداء الحكومة الحالية.
والجدير بالذكر أنّ وزير الاقتصاد والمالية الأسبق منصور معلّى كان من بين الشخصيات الوطنية التي دعت إلى حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة.
لماذا حكومة وحدة وطنية؟
ولاحظ رئيس الدولة أنّ منظمتي الأعراف والشغالين كانتا منذ الاستقلال من دعائم الحكومات في تونس وأنّ الرئيس الحبيب بورقيبة حرص عند تشكيل حكومته الأولى على أن تكون هذان المنظمتان مشاركتين فيها.
وقال إنّ تونس لن تنجح في مسيرتها اليوم إلّا بقيام مثل هذه الحكومة لتجنب التجاذبات وحتّى لا "يبقى طرف فاعل في الساحة الوطنية خارج السرب"، مشيرا إلى أنّ الأمر يستوجب مشاورات.
وأوضح في هذا الصدد أنّ حكومة الوحدة الوطنية يمكن أن يترأسها الحبيب الصيد أو شخصية أخرى يتم التوافق حولها ويمكن أن تضم ممثلين عن الأحزاب الأربعة المشاركة حاليا في الائتلاف إلى جانب أحزاب أخرى ومستقلين، غير أنّه قال إن: "هناك أحزابا لا تريد المشارك في الحكومة ولا نريد إحراجها".
ووصف الرئيس الباجي قايد السبسي من يدعو إلى عقد مؤتمر للإنقاذ "بالمخطئين"، اقتناعا منه بأنّ استعمال كلمة الإنقاذ لا تنطبق على وضع تونس الراهن.
وتراوح حديثه عن الحكومة بين الدفاع عن نتائج إيجابية حققتها في ظروف صعبة ناجمة عن تراكمات ورثتها عن الحكومات السابقة أعاقتها عن المضي قدما في عملها ونقد لأوجه القصور في آدائها لا سيّما في مجال التواصل ممّا منعها من مصارحة الشعب بالصعوبات في كنف الشفافية ، إلى جانب قلة الحزم في تطبيق القانون، دون عنف، لمواجهة من يتعمّد تعطيل إنتاج الفسفاط والمحروقات، بالنظر إلى النقص الفادح في المداخيل المتأتية من هذين القطاعين الاستراتيجيين.
أولويات حكومة الوحدة الوطنية
وتناول رئيس الدولة من جهة أخرى الأولويات المطروحة على حكومة الوحدة الوطنية، وهي في نظره مزيد تكريس الديمقراطية ومكافحة الإرهاب ومقاومة ظاهرة الفساد التي بالغ، حسب رأيه، شوقي الطبيب رئيس الهيأة الوطنية لمكافحة الفساد في تضخيمها، مع الإقرار بضرورة "الاتفاق على الآليات الكفيلة لمحاربة" هذه الظاهرة، فضلا عن مزيد العناية بالشباب والإصغاء إلى هذه الفئة الاجتماعية بعيدا عن منطق الوصاية، خاصّة في إطار المؤتمر الوطني للشباب المزمع عقده، وتطوير الخدمات الصحية لاسيّما في الجهات الداخلية والنهوض بالتعليم.
العباسي: "لا نريد دخول الحكومة"
غير أنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو : هل أخذ الرئيس الباجي قايد السبسي في الاعتبار، قبل التفكير في تقديم هذه المبادرة التي وصفها الصحفي إلياس الغربي بـ "الشجاعة" ردود فعل جميع الأطراف إزاءها وخاصّة ردّ فعل الاتحاد العام التونسي للشغل؟ ساعات قبل بث هذا الحديث التلفزي، ولعلّ أصداءه تجاوزت أسوار قصر قرطاج منذ الصباح، قال حسين العباسي الأمين العام التونسي للشغل على أمواج أذاعة موزاييك أ ف م :" لا نريد أن ندخل الحكومة لأنّ دورنا هو مواصلة القيام بمهمتنا النقابية والبقاء كقوة كبيرة تجمع كل الحساسيات، كما كان الشأن خلال الحوار الوطني، والعمل من أجل من أحل تقريب وجهات النظر وتحقيق الوفاق". كيف سيكون موقف رئيس الدولة عندما يتأكد رفض الاتحاد الانضمام إلى الحكومة؟ هل له بدائل أخرى لمواجه الوضع والأخذ بزمام الأمور؟
تداعيات منتظرة
ومهما يكن من أمر، فإنّ مقترح رئيس الجمهورية سيكون له تداعيات على وضع الحبيب الصيد والفريق الحكومي الحالي، إذ من المتوقع أن تزداد حدة التخمينات والشائعات بشأن بقاء رئيس الحكومة من عدمه ورحيل هذا الوزير أو ذاك، ممّا سيشل عمل الحكومة لفترة، خاصة ونحن مقدمون على شهر رمضان والعطلة الصيفية التي غالبا ما تكون فترة ارتخاء، إلى جانب المناورات في الكواليس التي ترافق أي تغيير حكومي.
كان الرأي العام ينتظر في الحقيقة من الباجي قايد السبسي استقراء لمستقبل المشهد السياسي في تونس إثر مؤتمر النهضة الأخير ووجهة نظره بشأن حظوظ التوصل إلى تحقيق توازن سياسي يمنع "تغوّل" طرف سياسي معيّن، إضافة إلى الأوضاع داخل حزب "نداء تونس" الذي أسّسه. فمنصبه كرئيس جمهورية لا يعفيه من مهمته في ممارسة سلطته المعنوية من أجل المساهمة في إنقاذ حزب ألقت أزمته المستفحلة بظلالها على المشهد السياسي الوطني برمّته.
- اكتب تعليق
- تعليق