أخبار - 2016.05.20

جــــنة وفيها‭ ‬بريكاجي‭ !‬

جــــنة وفيها‭ ‬بريكاجي‭ !‬

كنت أغالب النوم في الفراش، عندما هاتفني صديقي العياش، وهو على غير العادة، في قمة الفرح والسعادة، وكنت أعرفه دائم الشكوى والتذمّر، من أحوال هذا العالم «المزمّر»، لا يعجبه شيء في البلاد، ولا يقول كلمة خير في العباد.

وقدزاد «تخرنينه» بعد «ثورة الكرامة والحرية»، عندما «تشلّكت» الخدمات البلدية، وعمت الأوساخ كل شبر من تراب الجمهورية، وانتشرت البناءات الفوضوية، وأصبح الرصيف ملكا لأصحاب المقاهي والمحلات التجارية، وصار الفساد عنوانا للمعاملات الإدارية.

فما باله اليوم إذن يكلمني براحة بال، لم أر مثلها منذ سنين طوال؟ ولما سألت صديقي عن السبب، ذهب بجوابه ما ظننت أنه العجبقال العياش: «خرجت صباح اليوم من بيتي وأنا كلّي أفكار يعمّها السواد، بسبب أحوال البلاد، وما عمها من فوضى وتسيّب وإهمال، تنبئ بسوء المآل، خاصة بعد أن فقدت الدولة هيبتها، و« زاد المواطن على مرمّتها». لكن الذي رأيته اليوم منذ «الصبحية»، كذّب أفكاري السوداوية، وبعث فيّ الأمل، بأن البلاد سائرة في طريق الحل، قلت: «وكيف ذلك؟»، قال العياش: «أولى بوادر هذه النقلة «القمقومة»، جاءت من «كيّاس الحومة»، فقد كان في النظافة آية، يلمع كأنه «مراية»، لا ترى فيه حاوية فائضة بالأوساخ، ولا قشة زبلة تحملها الرياح، بل أن عمال البلدية، وفي حركة منهم ذكية، رشّوا الشارع بروائح زكية، حتى لكأنك في حديقة رياحين، تعبق بعطر الورد والياسمين».

أضاف العياش: «أما ثاني المفاجآت الصباحية، فقد جاءت من «الكار الصفراء» لشركة النقل الوطنية، فعندما فاتتني الحافلة وأنا في الطريق إلى المحطة، قلت في نفسي: «يا ملاّ عملة، وماذا سأقاسي من الانتظار»، وأنا العارف بعملات الكبار، و قاسيت منها ومن مشاكل «الروتار»لكني بسرعة ندمت على سوء ظني بالشركة الوطنية، إذ لم تمض دقيقة حتى أطلت الحافلة بطلعتها البهية، وكانت فارغة إلا من بعض الركاب، فأخذنا أماكننا جلوسا منذ أن فتح الباب.

«ولم تكن تلك آخر المفاجآت، فمن «الخلاص» والسائق جاءت كذلك المسرات.

فقد ارتدى كل منهما زي الشركة بكل أناقة، وكان استقبالهما للركاب في غاية الرشاقةوامتاز  السائق بالهدوء في السياقة، وزاد على ذلك كثيرا من الانتباه والحذر، لوقاية المسافرين من أي خطر».

قلت لصاحبي: «كل هذا في صبحية بركة؟» والله لكأنه محض خيال، فأجابني: لا بل يا صديقي، هاذي البداية ومازال مازال؟، فقلت: «وماذا أيضا؟ قل وريّح لنا البال».

قال العياش: «بعد البلدية، و شركة النقل الوطنية، جاء دور الإدارة، لتقدم لي «الأمارة»، على أنها هي أيضا تغيرت، وفي الطريق الصحيح تقدمت. فعندما عبرت باب الإدارة التي قصدت، ذهلت من وقع المفاجأة وجمدت: لا حضبه ولا صف ولا عركات، أمام المكاتب و«القيشيات»، ونظافة تعمل الكيف، وموسيقى صامتة توحي إليك بجو لطيف... والله لكأنك في مصحة من مصحات جنيف.

«وكما حصل لي مع الكار، لم يطل الانتظار، فوجدت نفسي أمام الشباك وفي استقبالي فتاة رقيقة، ملابسها أنيقة، وعلى الشفتين ابتسامة لطيفة، وكلمات ظريفة. وبعد أن استمعت مني بكل صبر شرحا لموضوعي المعقد واستوعبته، فحصت أوراق الملف وقلبته، ثم تحاورت مع الحاسوب الذي بين أيديها بسرعة قياسية، فإذا به يخرج من طابعته ورقة تأخذها الموظفة وتقول«ça y est... قضيتك مقضية».

قال العياش: «كدت من وقع الصدمة يغمى عليّ، وأنا الذي تعودت على «ارجع غدوة وإلا اليوم  العشية»، وبدل أن أشكر الموظفة على سرعة عملها وحسن الاستقبال، وجدتني أسرع الخطى إلى باب الخروج وليس لديّ إلا فكرة في البال: غادر بسرعة المكان، قبل فوات الأوان، ورجوع إدارتنا الى سالف العصر والزمان».

ولما وصل العياش إلى هذا الحد من سرد وقائع يومه العجيب ، قلت لصاحبي: « وكيف تفسر يا صديقي هذا التغير المفاجئ الغريب؟ هل هي صدف جميلة، التقت عليك وحدك بين يوم وليلة؟ أم أن معجزة حلت بالبلاد، فحولتها من واد إلى واد، ونحن نائمون في العسل، لم نشعر بما حصل؟».

أطلق العياش ضحكة جنون، كادت تفجّر في أذني التلفون، ثم قال: «لا صدفة و لا معجزة يا صديقي الجليل، بل هي فقط كذبة أفريل، جربتها معك فانطلت عليك الحيلة، وظننت فعلا أن بلادنا صارت فجأة جميلة، وهذا من حسن نواياك، وكنت عارفا أنه لن يصدق هذا الموضوع سواك».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.