الميزانية التشاركية كتكريس للديمقراطية المباشرة
مقدمــــة
بدأ الحديث في العالم العربي منذ بضع سنوات عن مفهوم مشاركة المواطن في مسارات صياغة القرار الحكومي ورسم السياسات العامة في مختلف القطاعات وذلك تبعا للضغط التي مارسته منظمات وجمعيات المجتمع المدني والتي عملت جاهدة على تكريس هذا التوجّه الذي أعطى نتائج تجلب الانتباه في عدد من بلدان العالم عبر حملات المناصرة والمرافعة .
وقد تكرّس هذا التوجه خصوصا بعد موجة الثورات العربية وما رافقها من رفع في مستوى وعي المواطن وارتفاع سقف تطلعاته وفتح المجال للعمل المدني وإلغاء القيود التي كانت موجودة ، فأصبحنا نتحدّث عن حقّ وصول ونفاذ المواطن إلى المعلومة وحق المنظمات والجمعيات في المشاركة في رسم السياسات العامة بما أنّها حاملة لهموم و انتظارات منظوريها. وعموما أضحى الجميع يطالب بالديمقراطية المباشرة أو التشاركية والتي تتيح للمواطن موقعا في مسار رسم السياسات وتحديد الأولويات والبرمجة في كل ما يخص تدبير الشأن العام وطنيا ومحليا.
وتعتبر المشاركة حقا سياسيا معترفا به للمواطنين كرسته عديد النصوص والتشريعات بمختلف دراجاتها.
فقد كرست بعض الدساتير العربية ،على غرار دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014، هذا التوجه كما تجاوب الدستور المغربي الحالي معه ،حيث نص على الديمقراطية التشاركية التي تسمح للمواطنين والمجتمع المدني بالمشاركة في تدبير ومراقبة وتقويم السياسات العمومية.
كما تضمن المعايير الدولية العديد من المبادئ التي تؤكد على هذا الحق، إذ جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان وتحديدا في الفصل 21 على حق كل فرد في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلاده بشكل مباشر أو عن طريق الاختيار الحر لممثليه، وأن لكل شخص الحقوق ذاتها التي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد، وأن إرادة الشعب هي مصدر السلطات يعبر عنها بانتخابات نزيهة ودورية.
وأكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1976 في المادة الاولى بأن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.ولجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة" .
سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على الميزانية التشاركية باعتبارها أكثر الآليات استعمالا في الوقت الحاضر في العالم لتكريس الديمقراطية المباشر، فضلا عن اعتبارها أعلى درجات المشاركة مقارنة بوسائل مشاركة أخرى على غرار الإعلام و الاستشارة والتشاور .
وسنخصص الجزء الأول منه للحديث عن الديمقراطية المباشرة أو التشاركية واختلافها عن الديمقراطية التمثيلية في حين أن الجزء الثاني سيعنى بالإطار المفاهيمي ومجالات تطبيق الميزانية التشاركية وسنختم بجزء ثالث يخصص للحديث عن عوامل النجاج .
الديمقراطية المباشرة مقابل الديمقراطية التمثيلية
1. لمحة تارخية
ليست الديمقراطية التشاركية أو المباشرة مقاربة عصرية في التفكير النظري كما هو الشأن في مطلب التطبيق، فقد تحدّث الفيلسوف الأنجليزي جون لوك عن نقائص الديمقراطية التمثيلية حين ربط شرعية السلطة بشرعية الرأي العام التي يؤسّسها المواطنون أنفسهم والذين تناط بعهدتهم مسؤولية تتجاوز مجرد التصويت لاختيار ممثليهم، إلى مراقبة نشاطاتهم ومحاسبتهم على أدائهم السياسي.
و يرى الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو صاحب فكرة العقد الاجتماعي أنّ الديمقراطية التمثيلية تقوم على فترة قصيرة من الحرية تمنح للمواطن أثناء عملية التصويت ثم يترك المواطن للإهمال بوصفه مجرّد ناخب، فدعا روسو إلى زيادة قوة الفرد وحمايته وإعادة الحرية له عن طريق خلق فضاءات أرحب تسمح له بالمشاركة المباشرة في تدبير الشأن العام حتى تصبح الديمقراطية التشاركية التفاعلية أداة لتحقيق التحول المجتمعي وتدمج المواطن في السياسة العامة للمجتمع.
ويرجع الفضل في بروز الديمقراطية التشاركية أو المباشرة حديثا إلى الولايات المتحدة الامريكية خلال فترة الستينيات من القرن الماضي ،حيث تم من خلال اعتماد اسلوب الحوار والتشاور مع الموطنين في المدن الكبرى الاتفاق على كيفية تدبير الشأن العام وصنع القرار في مواجهة التحديات المطروحة محليا كالفقر والتهميش.
وهو ما أفرز نخبة من المواطنين العاديين على المستوى المحلي كان لها القدرة والقوة على اقتراح الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة و ذلك أمام عجز الأطراف المنتخبة حسب الديمقراطية التمثيلية المهيمنة والمدعومة من قبل جماعات الضغط واللوبيات.
وتعرف عديد الدول في العالم منذ بضع سنوات جنوحا نحو المشاركة أو الديمقراطية المباشرة والذي مرده بالأساس الشعور بالفرق الشاسع الذي يفصل بين ما يجري في المجالس المنتخبة وبين آراء الناس والحياة اليومية ، وهو ما يبرزه التراجع الكبير التي تعرفها آليالت الديمقراطية التمثيلية في كافة أنحاء العالم. فقد ضَعُفتْ مصداقية المجالس المنتخبة سواء كانت برلمانات أومجالس محلية .
وأبرز دليل على ذلك عزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم خلال الانتخابات وحتى على مستوى التسجيل في القوائم الانتخابية ، وهو ما أبرزته نتائج عديد الانتخابات سواء في الوطن العربي أو حتى في اوروبا، مما يؤكد فقدان مقاطعي الانتخابات المصداقية في أداء الهيئات المنتخبة بطريقة غير مباشرة وأن هذا النظام اصبح في أزمة .
2. الديمقرطية التشاركية والتمثيلية علاقة تكامل وليس تنافس وتنافر
لقد برزت الديمقراطية التشاركية ليس لإلغاء الديمقراطية التمثيلية كليا ولكن لتتجاوز قصورها وعجزها على التفاعل والتجاوب مع معطيات اجتماعية جديدة والتي تتمثل خاصة في ظهور حركات اجتماعية تعرف اتساعا متزايدا (حركات نسائية وبيئية وحقوقية واجتماعية...). ولا يجد المواطنون في الديمقراطية التمثيلية قنوات للتعبير عن حاجاتها ومطالبها وإيجاد حلول لها ولا منفذا لموقع القرار السياسي لتداولها، في حين تعتبر الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة لحل المشاكل عن قرب وضمان انخراط جميع شرائح وفئات المجتمع وتطوير التدبير المحلي والوطني عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.
وتحاول مقاربة الديمقراطية التشاركية أن ترمّم العجز الذي تفرضه النتائج العملية الانتخابية في خلق مجالس تمثيلية لا تتناسب بالضرورة ورأي الأغلبية المطلقة، إضافة إلى حلّ معضلة كون المواطن مستغلا بصوته الذي أدلى به وقتيّا و موسميّا دون أن يكون له الحقّ في متابعة القضايا التي تمسّ واقعه اليومي بالنقد أو المساءلة والرقابة، حيث تحولت حقوق المواطن السياسية إلى حقوق انتخابية موسمية وليست حقوقا مستمرة ومباشرة تمكنه من نقد خيارات التدبير والتسيير المحلي عن قرب.
ويفترض التفكير السليم أن تنبع القرارات التي تعني القاعدة منها باعتبارها أدرى بحاجاتها والأقدر على صياغة توجهات ترضيها، حيث يقع مناقشتها ضمنها لتحال بعد ذلك إلى السلط العمومية المخولة لتقنينها، وهو الشيء الغير متبع حاليا ، حيث تصدر القرارات من القمة ويتم إلزام القاعدة رغم أنه لم تتم استشارتها أو الأخذ برأيها بل تم الاكتفاء بتشريك ممثلها في البرلمان أو المجلس البلدي والذي قد لا يدرك انعكاسات القرار على المواطنين أو المعنيين به
وتمكن الديمقراطية المباشرة من وضع المواطنين في موقع يتمكنون من خلاله من فهم وتبادل الآراء والتصرّف بمسؤولية في صنع القرارات السياسية وصياغة القوانين. وتمكن هذه المشاركة الفعالة من جعل القرار الذي يصدر معبرا عن الإرادة العامة وليس بناء على رغبات نخبة معينة .ولا يعتبر القرار الذي يصاغ وفق هذه الطريقة لا قرار أغلبية أو أقلية وإنما قرار كامل أفراد المجتمع الذين شاركوا في الصياغة.
الميزانية التشاركية: المفهوم والمنهجية المعتمدة
لقد تزامن ظهور مفهوم الميزانية التشاركية بمفهوم الحكم الرشيد والذي أطلقته مجموعة من المانحين الدوليين في أواسط الثمانينات للقرن الماضي في ظلّ حرصها على إحكام التصرف في الاعتمادات والمساعدات التنموية.
توجد عديد التعريفات للميزانية التشاركية وتنبع الاختلافات الموجودة في التعريفات من اختلاف بيئة تطبيقها.وعموما تعرّف الميزانية التشاركية على أنها الآلية التي يساهم من خلالها المواطنون في مسار أخذ القرار المتعلق بكيفية صرف جزء أو كلّ الميزانية المتاحة لعملية المشاركة . وهي بذلك التجسيم الأصيل للديمقراطية المباشرة، حيث تتاح للسكان من خلالها أن يقرروا مآل الأموال المرصوردة وفق حاجاتهم وتطلعاتهم مع التزام الهيئات المنتخبة بتنفيذ ما تم اقراره من طرفهم .
وتعتبر مدينة بورتو اليغري أول مدينة في العالم التي تبنت هذه الآلية منذ سنة 1989 وكانت البداية بمدينة صغيرة تتبعها وتسمى GR VATAT وتحتوي على 230 ألف ساكن .
ومن الناحية التاريخية نسبت الميزانية التشاركية لأحزاب اليسار البرازيلية باعتبارها الاغلبية الحاكمة في المجلس البلدي لبورتو اليغري في ذلك الوقت. ففى نفس الوقت الذى ينتخب سكان مدينة بوررتو اليغري فيه رئيس البلدية الذى يتعاطف مع احتياجاتهم باعتباره من اليسار المعروف بالانحياز لمشاغل الفئات المسحوقة ، وكانت عملية إعداد الموازنات بالمشاركة فى البرازيل من وجهة نظر حزب العمال بمثابة أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، باعتبارها تمكن من إعادة توزيع الموارد العامة على الفقراء الذين حرموا منها . كما تم اعتبارها وسيلة لتحقيق العدالة السياسية لأنها تتيح للمواطنين دون تمييز حق المشاركة والمناقشة في بلورة السياسات والتوجهات التنموية والذى حرموا منه من قبل.
وبالرغم من وجود صبغة سياسية لعملية تجريب الميزانية التشاركية منذ نشاتها، فقد تحولت عملية إعداد الموازنات بالمشاركة من اتجاه سياسى إلى منهج في تدبير المالية العمومية وأصبحت العملية بسبب تبنيها من الجميع ثمرة للحركات الوطنية وانتفى اللون السياسي للنشأة والظهور.
وتطبيقا لهذه الآلية في البرازيل يتم ، علاوة عن المجلس البلدي المنتخب بطرق ديمقراطية تقليدية تمثيلية ، إحداث مجلس للميزانية منبثق مباشرةً عن القاعدة الشعبية مكون من نواب الأحياء الذين وقع انتخابهم في أحيائهم . ويقوم النواب طوال فصل الصيف بتنظيم نقاشات حول الميزانية مع المجلس البلدي ، وخصوصاً مع رئيس البلدية من أجل تحديد تفاصيل وأوَّليات ذلك القسم من الميزانية الذي انتزعته الجماهير بطريقة ديمقراطية سلمية لتقرر مآله وفق حاجياتها وانتظاراتها. ويقوم نواب الأحياء بالرجوع دوما إلى حلقات اللقاء الصغيرة في الأحياء ليقدموا لها تقريرا عما توصلوا إليه وهو ما يعزز مبادئ المسائلة والشفافية والثقة بين المواطنين والسلط العمومية .
وفي نهاية الدورة السنوية لإعداد الميزانية يتبنى رئيس البلدية القرارات التي تنتج عن منتديات الأحياء ويدرجها في ميزانية البلدية ويقوم بتنفيذها. ويكمن التفرد في تجربة بورتو اليغري في ذلك العدد الكبير من فئات العمال من الرجال منهم والنساء ومن جميع الأقليات التي تنخرط في هذه العملية الديمقراطية وتتابعها في كافة مراحلها.
و يؤدى إعداد الموازنات بالمشاركة حسب عدد من التجارب العالمية في الميدان الى:
1 - تحقيق النجاعة الاقتصادية : حيث تعمل المشاركة على ترشيد القرارات وترتيب الأولويات حسب حاجات السكان، مما يحقق نجاعة في الاستخدام الأمثل للموارد المحلية المتاحة.كما تتيح المشاركة توفير المعلومات المتعلقة بواقع عيش السكان بما يضمن اتخاذ القرارات الصائبة في الغرض.
2 - ضمان التأييد الشعبي للمشاريع المنجزة: تعتبر المشاركة وسيلة لتقريب حاجات السكان ومطالبهم من دوائر القرار مما يحقق رضا السكان المحليين ودعمهم للمشاريع التنموية.
3 - ترسيخ قيم المسائلة الاجتماعية : يستلزم تطبيق الميزانية التشاركية تكريس الشفافية في مختلف تعاملات السلط العمومية بما يخلق ثقة في طرق التصرف في الاموال العمومية و وهو ما يحفز المواطنين على أداء واجباتهم الضريبية وبذلك زيادة الايرادات التي ستخصص حتما لتحسين ظروف عيش المواطنين.
عوامل نجاح تطبيق الميزانية التشاركية
إنّ نجاح آلية الميزانية التشاركية حسب ما تم تقديمه سابقا يتطلب توفر عدد من المقوّمات والشروط والتي يمكن استعراضها كما يلي:
1. وجود الالتزام السياسي أو الإرادة السياسية من طرف الجهاز المنتخب
والتي يمكن استخلاصها من خلال اقتناع صنّاع القرار بقواعد هذه الآلية وما يترتب عنها من تخلي عن بعض الصلاحيات لفائدة المواطنين مع الانصياع التام لقراراتهم فيما بعد.
هذه الإرادة لا بد أن تترجم بإصدار قرار اعتماد الآلية بعد التداول في الموضوع من الطرف الجهاز التداولي . ويترتب على ذلك أن هذا المسار غير ذي رجعة ومتواصل باعتبار أن القبول بالانخراط فيه يقتضي موافقة ضمنية على استدامة المسار وتقويته من سنة إلى أخرى وإتباع منهج الشفافية وقبول المسائلة في جميع الأعمال المتخذة من طرف المواطنين.
وفي نفس السياق لا يمكن الجزم بأنّ سن قوانين خاصة بعمليات إعداد الموازنات التشاركية على غرار ما هو معمول به في البيرو والمملكة المتخذة من مقتضيات نجاح هذه الآلية ، حيث أن عملية إعداد الموازنات بالمشاركة فى معظم المدن البرازيلية ليست مؤسسية ولا تشريعية. وتعتمد على إرادة هيئات الحكم أو الإدارة المحلية من خلال حثها للمواطنين عل المشاركة والتفاهم على قواعد وإجراءات لخوض تجربة الميزانية التشاركية . ويكمن السبب فى عدم إضفاء الصفة المؤسسية على عملية إعداد الموازنات بالمشاركة هو الحرص على حفظ ديناميكية العملية وتجنب البيروقراطية والروتين الإداري . وتسمح المناقشات السنوية - بهدف تعديل قواعد الإجراءات بما يتناسب مع الواقع المحلي- بالتنظيم التلقائى للعملية والمحافظة على طبيعتها الإبداعية.
2. اهتمام المجتمع المدني
يلعب المجتمع المدني دورا بارزا في مسار الميزانية التشاركية خاصة من خلال تعبئة الراي العام للانخراط في الالية مع بيان أهميتها في تحسين تدبير شؤون المدينة. ويقوم من أجل ذلك بالقيام بحملات المناصرة والمرافعة من أجل فرض اعتماد هذه الالية من طرف السلط المحلية التي لم تبادر من تلقاء نفسها بذلك ، مع الحرص على فتح البلديات بياناتها للعموم وتقديم المعلومات المتعلقة بالتسيير العمومي للمواطنين بشكل مفهوم ومبسط يحفز المواطن للمشاركة، مع وجوب إلغاء كل القيود الموجودة أمام المواطن للنفاد إلى المعلومة ومعاقبة المخالفين في حال تعمدهم ذلك.
كما تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا هاما في تثقيف المواطنين في المجالات المرتبطة بالتسيير الشأن العام على غرار المالية وبرمجة المشاريع وغيرها .
3. اعتماد خطة اتصالية ناجعة تستهدف الجميع
يعتبر هذا الجانب من أكثر الجوانب أهمية في نجاح التجربة من عدمها . وقد أثبتت التجارب الاجنبية في المجال أنّ اعداد خطة اتصالية مدروسة تضمن حظوظا وافرة في النجاح .وتشمل الخطة الاتصالية تحديد الفئات المستهدفة بالخطاب واستعمال جميع الوسائل والوسائط المتاحة على غرار البلاغات الكتابية والنشريات والمطويات والمعلقات ومضخمات الصوت المحمولة على السيارات ووسائل الاتصال الاجتماعي ومواقع الواب والبريد الاكتروني و مقاطع الفيديو والافلام والموزعات الصوتية والبرامج الاذاعية والتلفزية والاجتماعات العامة والتعليق في المقرات والأسواق الاسبوعية واليومية والمقاهي والمنتهزات وكل الاماكن كثيرة الارتياد .
وتعتبر استطلاعات الرأى العام وسبر الاراء وبطاقات التقييم المجتمعي أدوات مناسبة أخرى يمكن أن تستخدم للتحقق من مستوى الإدراك بالعملية وشرعيتها بين المواطنين، فضلا عن الاستفتاءات الشعبية بما يسمح بالتصويت على قرارات مهمة معينة والتي تعرفها عديد الدول على غرار سويسرا وأضحت تقليدا في تدبير شؤون المدينة. والهدف المهم الآخر هو أن تشمل المشاركة برغم محدوديتها المواطنين من كل فئات المجتمع ولا تستثنى أحدا من العملية. ولهذا السبب يجب أن توجه عناية خاصة لإشراك النساء والشباب والفقراء والأقليات وأصحاب الحاجيات الخصوصية.
4. الإعداد الجيد للمسار
ويكون ذلك بالاساس من خلال الإلمام بكافة التفاصيل وخاصة من خلال إحداث هيئة قيادة مكلفة بالموضوع تعهد إليها عملية التنسيق بين مختلف الاطراف الفاعلة في الموضوع وخاصة الإعداد اللوجستي للاجتماعات من حيث توفر المقرات والكراسي وأدوات العرض وتوفير ميسيرين محترفين لإدارة منتديات الأحياء وضمان حياد المسار في كافة مراحله .
ويقتضي التطبيق المحكم لآلية الميزانية التشاركية توفير عدد من المتطلبات على:
أ) وجود فريق عمل محلى مدرب على تنفيذ العملية ويقبل العمل ليلا وفى عطلات نهاية الأسبوع
ب) وجود وسيلة نقل للسماح بالتجول بين الأحياء وانتقال فريق العمل
ج) موارد اتصال موسعة تسمح بتشارك المعلومات مع المواطنين
د) إدارة بلدية تقوم بإعداد دراسات فنية واقتصادية ودراسات جدوى لأولوية الطلبات كما يقومون بتسريع العملية وضمان جودتها.
ومن الضرورى توفير وسائل مواصلات لنقل الأشخاص الذين يسكنون فى مناطق بعيدة إلى مناطق الاجتماعات وكذلك لتدريب الموظفين والمواطنين والنواب بصفة خاصة على عملية إعداد الموازنات بالمشاركة. وبوجه عام واجهت المدن التى لم تخطط لهذه التكاليف صعوبات، وفى بعض الحالات وصل الأمر إلى إيقاف العمل. وبالتالى فإنه من الضرورى إجراء تحليل للنفقات والعوائد قبل اتخاذ قرار بتنفيذ عملية إعداد الموازنات بالمشاركة.
خاتــــــمة
تعرف الديمقراطية التمثيلية في كافة انحاء العالم أزمة مند سنوات ودلك بسبب وجود فارق ساشع بين انتظارات المواطنين و واداء الهيئات المنتخبة سواء كان وطنيا أو محليا .ويتجلى ذلك بالأساس في قلة الإقبال على الانتخابات على جميع المستويات وضعف النتائج المسجلة ضمنها . وهو ما أكسب الديمقراطية المباشرة تاييدا منقطع النظير في كل الأوساط مما جعلها تقترح كحل لتلافي السلبيات التي تعرفها الديمقراطية التمثيلية في إطار من التكامل وليس التنافس .
وقد اخترنا في هذا المقال الحديث عن الميزانية التشاركية باعتبارها أكثر الآليات استعمالا لتطبيق الديمقراطية المباشرة رغم وجود آليات أخرى على غرار مجلس المواطنين أو هيئة الموطنين الخبراء وهي الآليات الأكثر نفسا تشاركيا بالمقارنة بالإعلام والاستشارة والتشاور.
وقد تم استعراض أهمية الآلية ومنهجية تطبيقها ومقومات نجاحها بالاعتماد على التجارب الأجنبية الناجحة في الغرض والتي يمكن لدول العالم العربي اقتباسها وتطبيقها باعتبار وجود تشابه بينها وبين واقع أمريكا اللاتينية خاصة من خلال نقص الإمكانيات .
ورغم النجاح الباهر التي عرفته هده التجربة في كافة انحاء العالم وتزايد عدد المتبنين لها يوما بعد يوم ، فلا يجب أن يحجب ذلك وجود بعض المخاطر لها والتي لا بد من اخدها بعين الاعتبار . ومنها على سبيل المثال إمكانية الإضرار بالخطط التنموية والاستراتيجيات بعيدة المدى التي رسمتها السلط بالاستعانة بالخبراء وذلك بسبب قصر نظر المواطنين لخطط التنمية المحلية وضعف قدراتهم التشخيصية للظواهر.
كما يمكن أن تؤدي هده الآلية إلى خلق مواطنين يستقطبون المجتمع ويهيمنون على القرار ويحتكرون دور المشاركة المجتمعية في أنفسهم وهو ما يتسبب في الإضرار بشرعية السلطة المنتخبة وصورتها لدى المجتمع، كما قد تظهر بين المواطنين صراعات وخلافات قد تؤدّي إلى ارتداد تنموي ينتهي بفشل التجربة الديمقراطية التشاركية المباشرة، إضافة إلى احتمال مجانبة المواطنين للموضوعية في حال تأسيس مصالح فئوية أو شخصية أو عشائرية أوقبلية ضيقة.
أحمد قيدارة
خبير في الحوكمة والمقاربات التشاركية ميسر في الميزانية التشاركية
- اكتب تعليق
- تعليق
اعجبت كثيرا بالمقال و بمستوى التحليل.ارجوا افادتى بمقالات اخري حول نفس الموضوع للدكتور احمد قيدارة. شكرا مسبقا
شكرا على المقال كيف يمكن التواصل مع الاستاذ
ممتاز ومفيد