مراقبة دستوريّة القوانين ومشاريع القوانين أمــام المحكمة الدستورية
تدخل المقتضيات المتعلقة بالمحكمة الدستورية، باستثناء الفصل 118، حيّز النفاذ عند استكمال تعيين أعضاء أول تركيبة للمحكمة الدستورية، وفي أجل أقصاه سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية، يتم إرساء المحكمة الدستورية. عندئذ تنتهي مهام الهيأة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
وللتذكير فقد تمت المصادقة على القانون عدد 05 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية. وسوف نتطرق إلى أهم ما ورد في هذا القانون.
تنقسم اختصاصات المحكمة الدستورية الى اختصاص مبدئي يتعلق بمراقبة دستورية القوانين ومشاريع القوانين، والى اختصاصات استثنائية لا علاقة لها بمسألة المراقبة ولن نتعرض لها في هذا المقال.
خصوص مراقبة دستورية القوانين ومشاريع القوانين، يجدر طرح التساؤلات التالية:
لماذا يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية؟ من له حق اللجوء إلى المحكمة الدستورية؟ وما هي آثار اللجوء إلى المحكمة الدستورية؟
لماذا يتم اللجوءإلى المحكمة الدستورية؟
المحكمة الدستورية هيأة قضائية تنفرد بمراقبة دستورية القوانين ومشاريع القوانين. وتمارس في ذلك نوعين من الرقابة: رقابة قبلية قبل دخول القانون حيز النفاذ، ورقابة بعدية بعد دخول القانون حيز النفاذ.
الرقابة القبلية
تنظر المحكمة الدستورية في مشاريع القوانين في أجل سبعة أيام من تاريخ المصادقة من طرف مجلس نواب الشعب على مشروع القانون. ولا يميز كل من الدستور والقانون الأساسي بين القوانين الأساسية والقوانين العادية. والمقصود بمشاريع القوانين كافة النصوص القانونية المصادق عليها من طرف مجلس نواب الشعب والتي لم يتم ختمها بعد، سواء كانت في الأصل مبادرة من النواب أو من الحكومة.
كما تختص المحكمة الدستورية دون سواها بمراقبة دستورية المعاهدات الدولية بعد عرضها عليها من طرف رئيس الجمهورية، وتبت المحكمة في أجل 45 يوما من تاريخ التعهد.
وتنفرد المحكمة الدستورية دون سواها أيضا بمراقبة دستورية تعديل الدستور بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب لإبداء الرأي في كونه لا يتعلق بالمواد التي لا يمكن تعديلها بالدستور.
كما تسلط المحكمة رقابتها على احترام إجراءات تعديل الدستور، وعندها لا تصدر رأيا استشاريا بل قرارا في أجل 45 يوما من تاريخ تعهدها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفصل 5 فقرة 4 من القانون يقضي بإلزامية كل من الآراء والقرارات التي تصدرها المحكمة على جميع السلطات.
ما يمكن أن نسوقه من ملاحظات في خصوص الرقابة التي تمارس على مشاريع القوانين، أن القاضي الدستوري لا يتعهد بالمراقبة من تلقاء نفسه، بل لا يمارس اختصاصه إلا عندما تعرض عليه مشاريع القوانين من طرف من خول له الدستور ذلك أي رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثون نائبا. ولم يتدارك المشرع في هذا القانون ما يمكن أن نعيبه على الفصل 120 فقرة 2 من الدستور الذي لم يميز بين العرض الاختياري والعرض الإجباري كما كان معمولا به في دستور غرة جوان 1959 بل جعل من رقابة القاضي الدستوري على هذا النوع من النصوص اختيارية.
الرقابة البعدية
المقصود منها الرقابة المسلطة على القوانين التي دخلت حيز النفاذ وينظمها الفصلان 120 فقرة 4 و123 من الدستور والفصول 54 إلى 61 من مشروع القانون. وهي رقابة تتم بعد دخول القانون حيز النفاذ ويدفع بها أحد الخصوم في قضية منشورة أمام المحاكم كوسيلة للدفاع عن نفسه بحجة أن القانون الذي ينوي القاضي تطبيقه في القضية هو غير دستوري. عندها يوقف القاضي النظر في القضية ويحيل القانون إلى المحكمة الدستورية التي تبت بقرار معلل خلال 3 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة.
وتكون الإحالة من طرف المحاكم فورية، أي أن المحاكم لا تلعب أي دور لإبداء رأيها في وجاهة الطلب ولا يمكن لها من تلقاء نفسها أن تثير الدفع بعدم الدستورية.
أليس في ذلك تعارض مع ما ورد في الفصل 102 من الدستور من أن القضاء (العبارة وردت على إطلاقها) سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور؟ أليست الإحالة الفورية من شانها إغراق المحكمة الدستورية بآلاف الدفوعات التي يتوجب البت فيها في أجل 6 أشهر على أقصى تقدير؟ لعقلنة هذا الإجراء اقتضى الفصل 59 من القانون تكوين لجنة خاصة داخل المحكمة الدستورية، تتركب من 3 أعضاء من ذوي الاختصاص في القانون مهمتها التثبت في مدى احترام الإحالات الواردة على المحكمة الدستورية لموجباتها الشكلية والإجرائية، لكن كان من المستحسن حسب اعتقادنا إرساء درجتين من الغربلة، غربلة تتم في مرحلة أولى من طرف المحاكم التي أثير أمامها الدفع وغربلة في مرحلة ثانية أمام المحكمة الدستورية مع إرساء شروط واضحة كجدية الدفع أو مسّ بصفة مباشرة بحقوق المتقاضي. في هذا الإطار كما من الممكن الاستئناس بالتجارب المقارنة، ففي فرنسا حيث يمارس ما يسمى بالمسألة الأولية.
تتم الغربلة على مرحلتين ، من طرف المحاكم أولا ثم من طرف محكمة التعقيب أو مجلس الدولة. ولا تتم إحالة الدفع إلا إذا توفرت ثلاث شروط وهي: جدية الدفع - القانون ينطبق على النزاع المعروض. لم يسبق للمحكمة أن قضت بدستورية القانون.
وتتولى أيضا المحكمة مراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وكل التعديلات المدخلة عليه قبل مباشرة العمل بها ويتم العرض هنا من طرف رئيس مجلس النواب، ويجدر التذكير في هذا السياق أن مراقبة دستورية النظام الداخلي لا يدخل في إطار اختصاصات الهيأة الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين.
من يلجأ إلى المحكمة الدستورية؟
خلافا لما كان معمولا به في دستور 1 جوان 1959 إثر تعديله في 6نوفمبر1995، حيث كان لرئيس الجمهورية وحده دون سواه الحق في اللجوء إلى المجلس الدستوري، نوع كل من الدستور والقانون في السلطات التي بإمكانها التمتع بهذا الامتياز.
بالنسبة للسلط السياسية، يميز الفصل 120 في فقرته الثانية والثالثة والفصلين 40 و45 من القانون بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة و30 نائبا، مع الإشارة أن تقديم طعن ضد مشروع قانون لا يحول دون تقديم السلطات الأخرى لطعن مستقل ضد ذات المشروع.
ويمكن للمحكمة ضم الطعون والبت فيها بقرار واحد. ويجدر تقديم ملاحظة حول الإمكانية المتاحة لـ30 نائبا للجوء إلى المحكمة الدستورية. هذه الفرضية تخول للمعارضة الطعن في دستورية مشاريع القوانين. لكن هل أن هذا العدد من السهل توفره خاصة عندما نعود إلى تجربة الطعن في مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء لنتبين أن المعارضة لم تتمكن من جمع هذا العدد إلا بعد انضمام عدد من نواب الائتلاف.
إضافة إلى السلط السياسية يتيح كل من الدستور والقانون للمحاكم على مختلف درجاتها إمكانية اللجوء إلى المحكمة الدستورية. إلا أن المحاكم لا تنظر في مدى دستورية القانون المزمع تطبيقه في القضية المعروضة أمامها إنما تقتصر مهمتها على الإحالة إلى المحكمة الدستورية التي تنفرد وحدها بمراقبة الدستورية.
آثار اللجوء إلى المحكمة الدستورية
تصدر المحكمة الدستورية قرارها في أجل 45 يوما من تاريخ الطعن بعدم الدستورية وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وينص القرار على أن الأحكام موضوع الطعن دستورية او غير دستورية. ويكون قرار المحكمة ملزما لجميع السلطات وينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. وإذا انقضى الأجل المقرر دون إصدار المحكمة لقراها فتكون ملزمة بإحالة المشروع فورا إلى رئيس الجمهورية. ولا يتجاوز نظر المحكمة ما تم الطعن فيه وليس لها أن تبسط رقابتها على ما لم يتم الطعن فيه.
وبالنسبة للرقابة المسلطة على القوانين التي دخلت حيز التنفيذ تواصل الغموض الذي شاب مقتضيات الفصل 123 من الدستور في القانون حيث إذا ما أقرت المحكمة الدستورية عدم دستورية القانون المدفوع بعدم دستوريته، يتوقف العمل به في حدود ما قضي به. وينص الفصل 60 من القانون على أن قرار المحكمة يتضمن تحديدا للآثار القانونية المترتبة عن توقيف العمل بالأحكام موضوع الطعن.
ماذا يعني ذلك؟ هل يتم إلغاء القاعدة القانونية غير الدستورية حتى بعد دخولها حيز النفاذ؟ ما هو المقصود بتوقيف العمل؟ هل تقتصر آثار توقيف العمل على القضية المزمع تطبيق القانون فيها أم أن له أثرا مطلقا يتجاوز أطراف النزاع؟.
الأثر التقليدي للدفع بعدم دستورية القانون هو عدم تطبيق النص المطعون فيه في النزاع القائم، وهو ما يعبر عنه دون امكانية إلغائه على عكس ما هو معمول به في فرنسا حيث يعلن الفصل 62 فقرة أولى من الدستور الفرنسي على إلغاء القانون ابتداء من نشر قرار القاضي الدستوري. في إيطاليا مثلا، يقر الفصل 136 من الدستور على توقف الآثار منذ نشر القانون أيضا، وكذلك الشأن في إسبانيا.
ختاما، مهما كان شكــل الرقــابة التي ستمـــارس على النصوص القانونية، يعتبر إرساء محكمة دستورية من أهم مقومات دولة القانون، لكن عمل القاضي الدستوري لا يتوقف عند التثبت من مدى مطابقــة النــص المطعــون فيه لمقتضيات الدستور بل تتمثل مهمته بالأساس في تأويل النصوص القانونية وهو ما يتطلب درجة عالية من الكفاءة والخبرة والنزاهة لإرساء فقه قضاء دستوري مستقر.
منى كريم الدريدي
- اكتب تعليق
- تعليق