"النهضة..الهروب من المعبد الاخواني": هل يمكن لجماعة دينية "مغلقة" أن تصبح حزبا وطنيا مدنيا؟
صدر للصحفي والباحث في الحركات الاسلامية، منذر بالضيافي كتاب جديد يحمل عنوان "النهضة..الهروب من المعبد الاخواني"، وهو الثاني للمؤلف بعد كتابه الأول، الذي صدر السنة الفارطة، وتناول تقييم لتجربة حكم "النهضة" (2011-2013).
ورد الكتاب في خمسة محاور، اهتم الأول برصد المسار العام للحركة الإسلامية في تونس، من جماعة دعوية في بداية سبعينات القرن الماضي إلى "حزب" في الحكم بعد الثورة، وركز الفصل الثاني على على "تحولات النهضة ما بعد "منحة" الثورة"، أما الفصل الثالث فقد اهتم فيه الباحث بالتعرض إلى زلزال سقوط حكم الاخوان في مصر وتداعياته على حركات الإسلام السياسي وخاصة النهضة، التي أربكها ما حصل في مصر وفرض عليها –بعد ضغط داخلي – مغادرة الحكم "مكرهة" ومتنازلة عن "شرعية" انتخابية طالما "تغنت بها"، الفصل الرابع رصد لحدود القطيعة والتواصل مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر، أما الفصل الخامس والأخير فورد تحت عنوان "جدل المؤتمر العاشر..حركة النهضة الى أين؟"..
صدمة الزلزال المصري
استهل منذر بالضيافي الكتاب بالاشارة إلى "أن "الإسلامية التونسية" ممثلة في حركة "النهضة"، تواجه اليوم "مخاضا عسيرا"، وسط تحولات شاملة، تجرف العالم العربي، بعد موجة "ثورات الربيع العربي"، التي حملت الإسلاميين إلى سدة الحكم في كل من تونس ومصر، ليغادروه بسرعة فائقة، لتعود معه الحركة الأم (اخوان مصر) إلى "المحنة" (تعبير يستعمل في أدبيات الإسلاميين)، لكن هذه المرة أكثر ضراوة، كما سنجد لاحقا أنّ إسقاط حكم الإخوان في مصر، مثّل زلزالا كبيرا، تجاوزت تداعياته أركان بيت المرشد وجماعته، لترمي بظلالها على كافة حركات "الإسلام السياسي"".
إنّ التحوّلات المتسارعة، في نسقها وارتداداتها، خاصّة تلك التي هي في علاقة بمستقبل حركات الإسلام السّياسي التّقليدي، الذي بدأ نجمه في الأفول والتّراجع، منذ سقوط حكم الإخوان في مصر(30 جوان 2013) ودخولهم في "محنة" غير مسبوقة في تاريخهم، وكذلك بعد الخروج من الحكم وتراجع الشعبية بفعل تراجع الصّورة "النّمطية الطهورية"،وتبدّل الموقف الدّولي من التيّار الإسلامي.. كلّها عوامل دفعت حركة "النّهضة" إلى التّعجيل بإجراء مراجعات، أعلنت عنها مباشرة بعد خروجها من الحكم –قبل سنتين من الآن – و هي في الواقع بدأت منذ قبول "النّهضة" بالمشاركة في "الحوار الوطني"، ورضوخها للضغط الدّاخلي القاضي بضرورة الخروج من الحكم، الذي تزامن مع بروز "مطلب داخلي" في الحركة يدفع باتجاه ضرورة المرور للتقييم والمراجعة، وهو الذي تم ترحيله بعد وصول الحركة إلى الحكم، من المؤتمر التّاسع إلى المؤتمر العام العاشر.
مراجعات قيصرية
ويشير الباحث إلى أنّ حركة النهضة استبقت إعادة إنتاج الزلزال المصري، من خلال توصلها عبر الحوار والتفاوض إلى تحقيق خروج آمن من الحكم، لتنطلق في الإعلان عن بداية "مراجعات"، لم تسبقها لا مقدمات تنظيرية أو لا فكرية، ما جعلها أقرب إلى "الولادة القيصرية" المشوهة، التي تبقى في حاجة إلى تأسيس وجدية أكبر. وهي "مراجعات" هدفها المعلن يتمثل في تأكيد فك الارتباط عن الإخوان وأنها أصبحت تنظيما وطنيا تونسيا، أما الهدف الأهم فهو المتمثل في تأكيدها أنها حسمت صراعها الداخلي، المتعلق بالفصل بين "الدعوي" و "السياسي"، لصالح الانتقال لحزب مدني وطني.
كما يعتبر منذر بالضيافي أنه "وبرغم سلسلة التنازلات المعلنة، فإنّ محيطها المجتمعي والسياسي وكذلك النخب، ما زالوا ينظرون إليها –النهضة- بعين الريبة والتشكيك، وإن كان الباحثون المختصون في تحليل الظاهرة يشيرون إلى أن الحركة بصدد التطور، لكن هذا التطور لم يصل إلى القطع مع "الإرث الإخواني"، ولا يمكن بالتالي أن يؤسس للتحول إلى "حزب مدني"، الذي سيبقى متروكا للمستقبل، وربما للأجيال القادمة.
رهانات المؤتمر العاشر
تحرص حركة النّهضة، على أن يكون مؤتمرها العام العاشر، مناسبة للإعلان عن "المراجعات"، التي شرعت فيها منذ الخروج من الحكم. هذه "المراجعات" التي كثر الحديث عنها والتّسويق لها من قبل النّهضويين، قُدَمت على أنَها ستحدث قطيعة مع "الإسلاموية التّقليدية"، نعني مع سرديات جماعة الإخوان، من خلال "الحسم" في الفصل بين "الدّعوي" والسّياسي"، وإقرار التحوّل إلى حزب مدني وطني بمرجعية محافظة أو إسلامية، على شاكلة المسيحية الأوروبية. فهل أن سنتين كافيتين –هما عمر المراجعات - من حيث المدّة الزّمنية، وكذلك من جهة الجدل الفكري والسّياسي، لميلاد حزب مدني وطني، يخرج من "جلباب" حركة دينية/دعوية، ما تزال قياداتها وقواعدها مشدودة روحيا وعاطفيا وفكريا إلى "حلم الخلافة"؟ هل سيتنازل الإسلاميون عن "مشروعهم الحضاري" وعن حلم "البدايات" في إقامة "الدّولة الإسلامية"، بعد عشريَّات من "المحن"، لصالح القبول بالاندماج، والمشاركة في الّنظام السّياسي، الذي ناصبوه طويلا العداء حدّ "التكفير" و "التجهيل"؟
بين "الديني" و "السياسي"
ويقول صاحب الكتاب إنّ "الفصل بين "السياسي" و"الديني"، عملية معقدة جدا – وتكاد تكون مستحيلة – خاصة في تنظيمات وجماعات عقائدية، تربت على الحياة والموت لأجل "مشروع رباني"نواة.. من هذا المنطلق يذهب منذر بالضيافي إلى التأكيد أنّ "النهضة" بعد المؤتمر العاشر لن تصبح حزبا مدنيا وطنيا ديمقراطيا، وأنها سوف تتنازل عن مرجعيتها الإسلامية، لتصبح حزبا مفتوحا على غرار بقية الأحزاب الأخري. ويشير صاحب الكتاب إلى أن "كل الشواهد والممارسات تدل على أن "النهضة" ما تزال جماعة دينية /دعوية مغلقة، لعل هذا ما يفسر انحسار التركيبة السوسيولوجية للمنتمين لها، التي ما تزال مقتصرة على النواة الصلبة الأولى، التي عاشت السجون، وعاشت على حلم إقامة المشروع الإسلامي الشمولي".
ويشير بالضيافي، إلى أنّ المراجعات التي أقدمت عليها النّهضة فرضتها التّحولات الكبرى الجارية في المنطقة وفي العالم، خاصة بعد ثورات الرّبيع العربي، التي يقول عنها راشد الغنوشي إنّها "أدخلت أمة العرب عالما جديدا"،إضافة إلى تداعيات "الزلزال المصري"، المتمثل في سقوط حكم الإخوان، وتلقي الجماعة أكبر ضربة موجعة في تاريخها، كان لها ارتدادات مباشرة على فروعها ومنها تونس، حيث أجبرت "النّهضة" على ترك الحكم استبعادا لإعادة إنتاج ما حصل في القاهرة، كما دفعها لاحقا للإقدام على قراءة نقدية للإرث الفكري الإخواني، والإعلان صراحة عن التبرؤ من أيّ صلة –خاصة تنظيمية – بجماعة الإخوان المسلمين. ويستبعد الباحث في ثنايا هذا الكتاب حصول قطيعة وفك ارتباط مع الاخوان.
النهضة في "جلباب" الاخوان
هناك شبه إجماع من قبل جل الباحثين في حركات الإسلام السياسي، على خصوصية "الإسلامية التونسية"، وهي خصوصية استمدتها من طبيعة المجتمع، الذي نشأت وترعرعت فيه، بما يجعل فهمها يفترض أن يتم في إطار السياق الاجتماعي والسياسي التونسي. لكن، هذا لا يجب أن يغفل عن الدارس المشترك الذي تتقاسمه، خاصة مع حركة "الإخوان المسلمين" في مصر، التي تعتبر "الحركة الأم" (المركز)، والبقية تدور في فلكها الفكري والتنظيمي (الأطراف).
لقد قطعت الحركة الإسلامية في تونس –حركة النّهضة- خلال المرحلة التاريخية الماضية خطوات هامة وحققت بالفعل تطورا ملحوظا لكنّ هذا التطور لم يحسم بالكامل مع النواة الصلبة الفكرية للإخوان. فمن ناحية تخلّت الحركة شيئا فشيئا عمّا سماه راشد الغنوشي نفسه بالتّراث "الفكري الإنحطاطي"، في التعاطي مثلا مع قضية المرأة وقبلت الحركة بالواقع التونسي، بما في ذلك حرية الاختلاط بين الجنسين، ولكن في إطار الأخلاق السياسية.
- اكتب تعليق
- تعليق