هيئة وطنية للوقاية من التعذيب: ما هو دورها في الحضور المستقبلي للهيئة الدستورية لحقوق الإنسان؟
إذا كان الدستور قد نص في بابه السادس وفصله الـ 128 على إنشاء هيئة دستورية لحقوق الإنسان من بين مهامها "التحقيق في حالات انتهاك حقوق الإنسان "، فإنّ المجلس التأسيسي قد قام بسن قانون أساسي لإنشاء هيئة وطنية للوقاية من التعذيب .
ويحق التساؤل عن الفائدة من إنشاء مؤسستين، واحدة نص عليها الدستور ، والثانية قانونية بموجب قانون أساسي ، ستتوليان نفس المسؤوليات والمهام ، ومن المؤكد أنّ الأمم المتحدة كانت وما زالت تطالب بإنشاء هيئة للوقاية من التعذيب ، فلا شك أن مثل تلك الهيئة توجد غالبا حيث لا توجد هيئة دستورية لحقوق الإنسان ، مما يعني أننا في مواجهة هيئتين اثنتين تتنازعان أو ستتنازعان نفس الاختصاصات ، وأن إحداهما ستظللها قوة الأخرى ، علما وأن الهيئة الدستورية التي يتوقع إنشاؤها، ستتألف غالبا قبل آخر العام ، بعد الانتهاء من صياغة القانون الذي ينظمها ويضبط صلاحيتها ، وسبل اختيار أعضائها بمقتضى قانون أساسي، كما هو شأن بقية الهيئات الدستورية ثم يجري ذلك الاختيار.
استبعاد راضية النصراوي في انتخابات الهيئة الجديدة يدل على محدودية طريقة تعيين أعضاء الهيئات الدستورية وغير الدستورية في ظل المحاصصات الحزبية في البرلمان
والخشية كل الخشية من تضخّم عدد المؤسسات التي تنشط في نفس الميادين، هذا من الناحية المبدئية ، وهو أمر واقع اليوم قد يتحول إلى منافسات، ربما نرى لها نتائج تصل حد التقاضي ، بين مؤسستين تابعتين للدولة تنشطان في نفس المجال ، وسنرى نتائجه في تنازع اختصاصات ربما يؤدّي لاحقا في أفضل الأحوال ، إلى شد وجذب ليس في فائدة أجهزة الدولة، ولا القضية المطروحة.
ولكن ومن الجانب العملي فإن انتخاب الهيئة الجديدة منذ أيام في مجلس النواب قد ترك ندوبا وقروحا ، وأبرز مرة أخرى أنّ المحاصصة الحزبية هي المؤثرة ، في مجال ليس مؤكدا أنّ تلك المحاصصة تخدم القضايا التي من المفروض أن تخدمها.
فقد أدى اتفاق بين نداء تونس بشقوقه المختلفة ، والنهضة إلى هيئة للوقاية من التعذيب لانتخاب قائمة وإن كان ليس للمرء أن يشكك لا في كفاءتها ولا في نزاهتها، فإن للمرء أن يستغرب أن يترك المجلس على حافة الطريق من تخصصوا ومنذ سنوات وحتى في فترة سنوات الجمر ، على جانب الطريق رغم كفاءتهم ونزاهتهم ونضالهم ، لا لسبب سوى أنهم ينتمون ـ رغم حياديتهم في مجال الوقاية من التعذيب ـ إلى طرف آخر سياسي قد لا يروق للماسكين بالحكم من أطرافه ، حيث لا همّ فيه للنجاعة والجدوى بقدر هموم الانتصار لجهة الانتساب ، وإنه لمن الغريب ، والمؤسف وحتى المؤلم ، أن لا تنتخب سيدة حقوقية مناضلة مثل راضية النصراوي في هذه الهيئة على الرغم من نضالها في المجال خاصة ، وفي مجال حقوق الإنسان عامة وفي فترات صعبة .
وإذ أحرص على القول ، بأني شخصيا لست منخرطا في التوجه الفكري ولا السياسي للسيدة النصراوي ، فإني أراها ليس فقط عضو بالهيئة الجديدة بل رئيستها، لما سبق لها من نضال مشهود اعترفت لها به حتى منظمة الأمم المتحدة والجمعية المناهضة للتعذيب التي ترأسها بكل جدارة وكفاءة وجدوى.
ولعل هذا يقود إلى الحديث عن كيفية اختيار أعضاء الهيئات الدستورية وحتى غيرها وهل أنّ تكليف المجلس النيابي ومحاصصاته الحزبية هو الحل الأمثل ، إن الرأي عندنا هو أن يتم الاختيار على مستويات أربعة مع مراعاة التوازنات:
أولها : الربع من اختيار رئيس الجمهورية مع مراعاة التوازنات السياسية فضلا عن الكفاءة والتمثيلية القطاعية
ثانيها : الربع من اختيار مكتب مجلس النواب مع مراعاة نفس التوازنات
ثالثها : الربع الثالث من اختيار رئيس الحكومة مع مراعاة نفس التوازنات
رابعها : من اختيار الخمس جمعيات العاملة في القطاع الأكثر نشاطا في المجال، والأكثر تمثيلية باتفاق بين الأطراف الثلاثة الأولى.
ولعل تجربة الطريقة المتبعة حتى الآن عبر مجلس النواب قد أبرزت محدوديتها وضعف أسلوبها ،ما يجعل الضرورة قائمة بالنسبة إلى الهيئات خاصة الدستورية المتبقية في طريقة التعيين.
عبداللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق