"وقف العمليّات القتالية" في سوريا: إيــذان بإخماد نيران الحرب أم بإلهابها؟
في الثّامن عشر من شهر مارس الجاري تدخل «الثورة» السّورية التي انقلبت، أو في الحقيقة قُلِبَتْ بفعل بعض «الفَعَلَة» إلى حرب طاحنة مدمّرة، سَنَتَهَا السّادسة، على وقع «وقف للأعمال القتــالية» كـــان «عرّاباه» كل مــن موسكو وواشنطن على حدّ سواء، وقد أقرّه مجلس الأمن الدولي بالإجماع بموجب قراره رقم 2268.
وهذا القرار، للتّذكير، ينصّ على النقاط الخمس الأساسية التالية:
1) التزامُ الأطرافِ المشاركةِ في «وقف العمليات القتالية» الكاملُ بالقرار الذي أصدره مجلس الأمن في 18 ديسمبر 2015، تحت رقم 2254، والذي دعا فيه إلى وقف إطلاق النار، والبدء، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، في مسار سياسي يقوم على تشكيل هيئة حكم ذات مصداقيــــة، تشمل جميع الأطراف الســورية وغيـــر طائفية، وعلى اعتمـــاد تمشٍّ لصيــاغة دستــور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر، ثـــم إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون ثمانية عشر شهرا...
2) وقــــف إطلاق النار مـــن أيّ مصـــدر نــــاريّ كـــان بما في ذلك الصواريخ، وقــذائــف الهـــاون، والصواريخ المضادة للدبابات على القوات المسلحة السورية وعلى كل الأطراف التي تعمل مع الجيش السوري.
3) التوقّف عن الاستيلاء أو التخطيط للاستيلاء على أيّ مناطق أخرى تقع تحت سيطرة أطراف مشاركة في «وقف العمليات القتالية».
4) السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة بشكل آمن.
5) استخدام القوة المتكافئة للرد في حال التعرض للاعتداء.
ووفــقا لـمــا أعلنتــه موسكو فإن شروط الانضمـام الى «وقف العمليات القتالية» هي التالية:
1) اعلان الاستعداد للانضمام إلى تسوية الصراع المسلّح في سوريا تسوية سلمية.
2) الالتزام بوقف إطلاق النار اعتباراً من منتصف ليل الجمعة 27 فيفري 2016 والتوقف عن مقاتلة الجيش السوري.
3) التعهد بتأمين الدخول الآمن للمجموعة التي تراقب وقف إطلاق النار إلى المناطق التي تسيطر عليها المجموعة المسلحة.
4) عدم عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية.
وفي المقابل، فإنّ الجيش السوري يلتزم بالتوقّـــف عــن استهداف المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلّحة التي أعلنت انضمامها الى قــرار وقف إطلاق النار ويسمح بمشاركة ممثلين عن هذه المجموعات في فرق المراقبة.
ولقد تعهّد الرئيس السوري بشار الأسد بالعمــــل على إنجاح «وقف العمليات القتالية»، وأكّـــد أن الحكومة السورية ستضطلع بدورها في دعمه، غير أنه، من منطلق إدراكه للصعوبات والعراقيل التي ستعترض تطبيقه والتي قد تؤدي إلى فشله، وصفه بأنه ليس أكثر من «بصيص أمل»...
فهل سيكون بإمكان «بصيص الأمل» هذا أن يتحول إلى شمس مشرقة في سماء سوريا الشقيقة؟
إننا نأمل ذلك من أعمق أعماقنا، غير أن قراءة موضوعية للظروف التي اكتنفت التوصل إلى قرار «وقف العمليات القتالية» تحفزنا على الاقتصاد في الآمال التي يمكن أن نعلقها عليه...
فلقد جاء هذا القرار بعد مخّاض في غاية العسـر، وكانت شروطه محل مفاوضات شاقّة بين موسكو التي غيّرت بتدخّلها العسكري في سوريـــا المشهــد الميداني، وبين واشنطن التي لا تريد أن تقف غريمتها القديمة الجديدة حجر عثرة في وجه استراتيجيتــــها في منطقة الشرق الأوسط، وقــد كان تهديدها، في مــرحلة مــا، باللجــــوء إلى الخـــطــــة «ب»، دون الكشف عن مضمون هذه الخطة، وكذلك تلويح المملكة العربية السعودية وتركيا بالتدخل البري في سوريا، بعضا من الوســائــل التي استخدمها التحالف الستيني للضغط على الطــــرف الروســي ومن خـــلاله على الطــــرف السوري للقبول بوقــف إطلاق النار.
ثم إن ما تضمّنه القـــرار مــن استثناءات ليس من شأنه أن يضمن تنفيذ مقتضياته بنسبة مائة في المائة، فهو لا يشمل «الدولة الاسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» و«المجموعات الأخرى» التي لم توافق عليه.
ولأن «المجموعات الأخــرى» كانت وما تزال محل خلاف بين موسكو وبين واشنطن فإن ذلك يفتح الباب للتأويلات ولتكييف الخروقات التي قد تحدث تكييفا مُغْرِضًا، خاصة وأن بعض المجموعات التي يعتبرها الروس تنظيمات إرهابيــة هي في نظر الأمريكيين تنظيمات معتدلة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ قرار «وقف الأعمال القتاليّة» لم يحدد آليّات مُراقبة تنفيذه، وسبل التّحقّق من الأطراف التي قد تقوم بخرقِه، وإذا علمنا أن خريطة توزّع المجموعات المسلحة التي يناهز تعدادها المائة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السّوريّة ليست معروفة ولا محدّدة فإن ذلك يترك الباب مفتوحاً أمامَ حــدوث خروق أو مزاعمَ بحدوثها.
وعلى صعيـــد آخـــر ينبغي التنبّه والتنبيه إلى أن «وقف العمليات القتالية» يمكن أن يدفع «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» تحـــت وطأة الإحساس بالخـــوف مـــن أنهمـــا ستلاقيان نفس المصير إلى التقارب وربما إلى التحالف من أجل العمل على إجهاضه.
ولعله مما يزيد المشكل تعقيدا أنّ بعــض الأطراف الإقليميّة الدّاعمة للمعارضة السورية قبلوا بـ«وقف العمليات القتالية» «مُكرهين لا أبطالا» وهم لذلك سيتحينون الفرص لعرقلة تنفيذه وإفشاله، وقد تجلّى ذلك بكل وضوح في تمسّك الرياض وأنقرة على وجه الخصوص بموقفهما المتصلّب من ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد كشرط لا مهرب منه لحل الأزمة السورية.
غير أن الأخطر من ذلك كله، في نظري، هو أن الطابع الانساني الذي حرص مجلس الأمن على إضفائه على قراره قد لا يكون، في الواقع، إلا غلافا خارجيا لغايات أخرى غير معلنة...
ولربّما كــان صحيحا أن «وقف الأعمال القتـــالية» سيسمــح بإيصال المساعدات إلى السوريين المحاصرين وبالتخفيف من ظروف عيشهم المأساوية، غير أن الغالب على الظن أن للولايات المتحدة وحلفائها غايات أهم وأبعد من ذلك لعل أهمها الثلاث التالية:
- إنقاذ ما يسمّى بـ«المعارضة السورية المعتدلة» ووضـــع حــدّ للضربات التي تستهدفها والتـي كانت ستمكّــن النظام السوري وحلفاءه من الانتصار عليها، لو تواصلت.
وعلى هذا الأساس فإنّه من المحتمل أن تسمــح «الهدنــة» للمعــارضة باسترجاع أنفاسها واستعادة قواها المعنوية والمادية... وإذا تأكدت الأنباء التي راجت خلال الأيام الأخيرة عن عمليات تســـريب أسلحة إليها فإن ذلك من شأنه أن يؤكد هذا الاحتمال...
- إيقاف موجات نزوح السوريين وهجرتهم إلى البلدان المجاورة ومنها إلى أوروبا التي بات ساستها يخبطون خبط عشواء في التعاطي مع أرتال المهاجرين السوريين لا سيما وأنها قد تحمل إليهم، في ثناياها، بعض «المقاتلين العائدين» أو الإرهابيين الذين قد يكرّرون ما حدث في باريس في جانفي ثم في نوفمبر 2015...
- التفرّغ ــ وهذا الأمر يهم بلادنا ومنطقتنا بصورة مباشرة وبشكل جوهري ــ لمحاربة «الدولة الاسلامية» في ليبيا، إذ يبدو أن التحالف الستيني لا يريد وربما لا يستطيع أن يخوض حربين على جبهتين اثنتين في وقت واحد...
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق