يوميات مواطن عيّاش ...مـا يســالــش
كنت في مكتبـــي أرتب بعض الأدباش، عندما هاتفني صديقي العياش. ودون أن يترك لي وقتا للسلام، هجم عليّ بسيل من الكلام، فهمت منه أنه شديد الغضب، لكنني- لفرط نرفزته- لم أدرك السبب، فأخذت أهدئ من ثورته حتى نال مني التعب. ولما عاد للعياش رشده، واستوى أخيرا عقله، قص عليّ الحكاية، من البداية إلى النهاية: «أقمت مؤخرا في البيت مرمة (1)، فاجتمعت عليّ لمة: جماعة من الصنايعية احتلوا المكان، من البناي إلى النجار إلى اللحام إلى الكهربائي الى الدهان. وقبل الشروع في العمل طالبوا بالسلعة وتسبقة على الحساب، مذكرين بأن فطور الصباح والغداء على الملاك، فلا تنسوا يا ذوي الألباب. فلم يكن بوسعي إلا الموافقة على كل الشروط والطلبات، وكأنني «بو العروس» وهو يخطب لابنه أجمل البنات.
ومع بداية «الشانطي» وتقدم الأعمال، ظهرت من الجماعة بوادر «التبلفيط» والتقاعس والإهمال، وأنا بين بناي يقول «الليقة تجيب»، ونجار مواعيده مثل مواعيد الحبيب، ودهان «يخلط ويميّل في راسو، يحسايب نفسو بيكاسو»، وفي آخر الأمر «تطلع الخلطة قرعة»، فيحاول إقناعي بأنهــا في عالم الدهن آخر صرعة.
أما الكهربائي فهو مثل هلال العيد، يغيب زمنا ثم يطل ليقول: هل من مزيد؟ وهو يعتقد أني جمعية خيرية، يعود إليها كلما اختلت عنده الميزانية. وأما اللحام فصاحب عركات، «ما يحملش كلمتين اخوات»، وله مع بقية الصنايعية ملاسنات و«ملاكشات»، جعلتني مثل المنظمة الأممية، أتدخل بين الحين والحين لفض النزاعات بالطرق السلمية. ومع اختلافهم في الخنار، فقد اشترك البناي والكهربائي والدهان واللحام والنجار، في أمر فيه الفكر يحار، وهو اتفاقهم دون سابق إضمار، على كلمة سحرية، للتغطية على أخطائهم المهنية، أو لتبسيط ما يعتبرونه تفاصيل ليست ذات أهمية، عندما أقدم لهم على عملهم ملاحظات، أو أطلب منهم إجراء بعض التصويبات.
هذه الكلمة التي كنت أستمع اليها صبحا وعشية، حتى غدت عندي مثل أغنية، هي كلمة «ما يسالش» اللعينة، ولا تعجب إن قلت لك إنها سبب «الغبينة»، وهي «إلّي ركبتلي العصب»، وأثارت ما صدر عني من غضب، فهل فهمت الآن ما السبب؟».
وعندما انتهى العياش من شكواه، وقد قطعها بألف آه وآه، قلت له: «لماذا يا صديقي كل هذا الغضب؟ ألست من أبناء هذا الشعب؟ ألم تكن تعلم قبل «شانطيك المحنون»، أن الكثير منّا بكلمة «ما يسالش» مفتون؟ وقد عانيت مثلك من هذه العبارة «المرزية»، حتى أني قلت فيها قصيدة شعرية، نظمتها على منوال علي الدوعاجي، لأعبر عما في داخل «الجواجي».
قال العياش:«قصيدة شعرية؟ ما علمت أن لك هذه العبقرية»، فقلت: «ألا تعرف أن «الدمّار»، يخلق الشعراء ويولّد أفضل الأشعار، ومن الكبت يأتي «الانفجار؟»، ثم طفقت أنشد:
كلمـــة في بــلادي تنــرفيني نسمعهـــا صبح مــع عشية
مــــولاها عامـل موش هوني يتهــــرب م المســــؤوليـــة
ويقلك: برة مايسالـــش
***
إيــــذا مرة شـريت صــباط وضحك لك مــن أول لبسـه
لا يفيــدك حس ولا عيــــاط لا يفيـــدك قــرنان العبسـة
على خــــاطر هـــاك الزلاط لي قـــدو وماعملــّو كبســة
باش يقلك: برة ما يسالـــش
***
تمشــي تـــركب بوجيــــات عنـــد حبيــب ولد الحـومة
ما تقــــدمشي ميــتـــروات تلقــى السيــارة معــدومـة
وكيـــف تــرجعلـو بالآهات يقلــــك الكلمــــة المشومة
توه نقدوها... ما يسالـــش
***
ومــرة تجيــب دهان لدارك في بالـــك زعمـــة تبرقشــها
لكن سيـــدي يبلبـــــزهالك وحيوطــك جملة يفرعسـها
وكيــف تجي ع الحق تعارك يقلك: عـــلاش تكبـــرهـــــا
بره يا راجل... ما يسالـــش
***
هـاذي كســـوة ناقصة فلس وهـــاذي عطفة موش بريمة
السيــــد حطـــــوه يعـــس ع السلعــة باش تبدا سليمة
لكـــن ما عنــدوشـي حــس مــــا في فمــو كـان كليمـــة
تي بره مشي ما يسالـــش
***
كلمـــة مايســـالش هلكتـنا ضــرت بالسلعــة التـونسية
مـــده عليــها الكل سكتـنــا لكـن تـــوه الوقـــت تهـــيّا
ماعـــادش نقبل «مايسالش» ماعادش نقبل «مايسالش»
(1) المرمة، لمن لا يعلم، كلمة عربية فصيحة
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق