الاقتصاد التونسي بين المطرقة والسندان

الاقتصاد التونسي بين المطرقة والسندان

يعيش الاقتصاد التونسي تحديات كبيرة منذ انهيار النظام السابق، وهذه التحديات ناتجة بالأساس عن تزايد حجم التجارة الموازية الذي مسّ كل القطاعات ليصل إلى ما يقارب 40 بالمائة من حجم المبادلات التجارية.

ساهم هذا الاقتصاد الموازي، لا محالة،  في خلق مواطن شغل عديدة ، كما ساعد على انخفاض ملحوظ في مستوى الأسعار، لكنه ساهم، من جهة أخرى، في تدني المداخيل الجبائية، وتدني حجم العملة المتأتية من تحويلات التونسيين بالخارج، حيث بلغ النقص في حجم التحويلات ما يقارب 500 مليون دينار سنويا ، باعتبار أن هذا النقص يُفسر بأسباب متعددة منها استعمال جزء من هذا النقص في تمويل التجارة الموازية.

أضعفت التجارة الموازية  والأوضاع الأمنية الصعبة والتأخير في إقرار المصالحة نسق الاستثمار الداخلي، وبالتالي تدنت المداخيل الجبائية، وأصبحت الدولة في حاجة ماسة إلى الحصول على قروض مالية تذهب في كثير من الحالات لمجابهة الأمور الحياتية، وليس للاستثمار، كما كان الشأن قبل سقوط النظام السابق. 
لكن يتطلب الحصول على القروض الضرورية اللجوء إلى الأسواق العالمية، وبالخصوص صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. 
وتسند هذه المؤسسات المالية التي تتبع الأمم المتحدة قروضا مالية بفوائض متفاوتة حسب تصنيف كل بلد، ولكنها تفرض شروطا على الدول المقترضة.

 كيف يتسنّى إعداد هذه الشروط؟ 

هنالك خبراء دوليون يتبعون هذه المؤسسات ويدرسون الوضعية الاقتصادية لكل بلد، ويقترحون إصلاحات هيكلية، وعندما يتقدم بلد معيّن للحصول على قرض، يقع انتقاء بعض الشروط من لائحة الإصلاحات الهيكلية لتضمينها بعقود القرض ، ويتعين على الدولة المقترضة أن تذعن لتلك الشروط، فيقع تحرير أقساط القرض بالتزامن مع تقدم هذه الإصلاحات.
لقد لجأت تونس إلى صندوق النقد الدولي بعد قيام الثورة للاقتراض منه لأنّ نسبة الفائدة هي أقل من البنك الدولي، فحصلت على قرض أوّل قيمته 1,75 مليار دولار بسعر فائدة قدره 1,1 بالمائة سنويا وتم تضمين جملة من الشروط صلب عقد القرض الذي يجري تحريره على أقساط بين سنة 2013 وسنة 2015، ثم تحصلت على قرض ثان قيمته 2,8 مليون دولار بسعر فائدة قدره 3,5 سيدفع خلال أربع  سنوات وذلك بشروط أخرى تستمد من لائحة الإصلاحات التي وضعها خبراء صندوق النقد الدولي.
إلى جانب هذين القرضين الهامين، فقد وعد البنك الدولي تونس بإسنادها قرض قيمته 5 مليار دولار على خمس سنوات بفائض يتراوح بين 5 بالمائة و6 بالمائة في السنة، ويستعمل جزء من هذا القرض لتسديد أقساط القروض التي حل أجل خلاصها ( 3 مليون دولار من جملة 5 مليون دولار).
ويحتاج مناقشة موضوع هذه القروض ومدى صحة السياسة المالية التي تتبعها تونس إلى التعمق في وجهة الأموال التي ستتحصل عليها، فإذا كانت لدفع الاستثمار وخلق مواطن الشغل، فإن موضوع الاقتراض سينظر له من زاوية إيجابية، وإذا كان الاقتراض سيخصص للزيادة في الأجور وتسديد نفقات تصرف الدولة ، فإن الأمر يكون كارثيا بكل ما في العبارة من معان.

لكن ما هي الإصلاحات الهيكلية التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية؟  وماهي الشروط التي وقع تضمينها بعقود القرض ؟ وماذا وقع تنفيذه من هذه الشروط ، وهل هنالك شروط وقع الالتزام  بها وتبين أنها صعبة التحقيق؟

لوعدنا لاستعراض الإصلاحات الهيكلية التي تتمسك بها المؤسسات المالية الدولية لوجدنا أنها تتلخص في النقاط التالية : 

أولا: 

فتح قطاع الخدمات أمام المنافسة الاقتصادية حتى يتسنى للمستثمرين الخواص، سواء كانوا تونسيين أو أجانب، ممارسة التجارة من دون ترخيص للأجانب، فيلغي حينئذ قانون 1961، كفتح مجال الاستثمار في القطاع الفلاحي للجميع حتى يتمكن الأجانب من تملك الأراضي الفلاحية وذلك بإلغاء قانون 1964، كفتح قطاع النقل العمومي للأجانب، وفتح قطاع التعليم والتربية حتى يتسنى للأجنبي بعث مدارس خاصة وجامعات ومؤسسات تكوين مهني، وهو ما يفرض مراجعة جذرية لمجلة الاستثمار.

ثانيا: 

فتح السوق التونسية لعقود الإنعام FRANCHISE وذلك في قطاعات النسيج والأغذية، حتى يتسنى فتح محلات لبيع الأكلات الجاهزة، وبيع الملابس بمختلف علاماتها ذات الشهرة العالمية.

ثالثا: 

إدخال تغيير على قانون المنافسة والأسعار ليشمل كل القطاعات مع الترفيع في الخطايا المعتمدة عند مخالفة قوانين المنافسة، وقد تم تعديل هذا القانون ومازالت الأوامر التطبيقية لم تصدر بعد.

رابعا: 

مراجعة قانون الصفقات العمومية، حتى لا يقع الاقتصار على اعتماد العرض الأدنى، بل يقع اعتماد عناصر أخرى كالخبرة وامتلاك التقنيات الحديثة، مع التخفيف في الإجراءات المتبعة عند إسناد الصفقات العمومية، وقد تولت الدولة إجراء التنقيحات اللازمة في هذا الشأن.

خامسا: 

تنقيح جذري لمجلة الاستثمار ذلك أنّ هذه المجلة أعفت المؤسسات المصدرة من الأداء، في حين أنّ المؤسسات غير المصدرة تخضع لجباية قدرها 25 بالمائة من الأرباح.
انطلق العمل بهذا النظام منذ سنة 1972 ليشمل المؤسسات الأجنبية العاملة بتونس التي بلغ عددها 160 مؤسسة، ولكن ألحقت بهذه القائمة المؤسسات التونسية المصدرة والتي ناهز عددها اليوم  200 مؤسسة، فأصبحت كل هذه المؤسسات تستفيد من البنية التحتية وتنتفع بسائر المرافق بإعفاء كلي من الضرائب وبالتالي لا تساهم مطلقا في ميزانية الدولة.
 
إذا كان الأمر يبدو له أسباب بالنسبة للأجنبي لأنه نظريا ملزم بدفع الأداء عن الأرباح ببلاده، لكن هذا الإعفاء الكلي غير مقبول بالنسبة للتونسيين المصدرين، فقد أعفاهم المشرع من مسك أية محاسبية وبالتالي اغتنم أصحاب هذه المؤسسات الفرصة للتلاعب بالتصاريح بالأجور لدى صندوق الضمان الاجتماعي وليس هنالك وسيلة لمراقبة تصاريحهم، فكان الضرر على مستوى الجباية وعلى مستوى جرايات العاملين بهذه المؤسسات، طالما أنّ التصاريح المقدمة لصندوق الضمان الاجتماعي تكون في كثير من الأحيان أقل من الأجور الحقيقية.
 
تصر إذن المؤسسات المالية الدولية على مراجعة هذا الإعفاء، حتى يقع إخضاع المؤسسات المصدرة سواء كانت على ملك تونسيين أو أجانب إلى أداء مقبول، على أن يقع تخفيف الأداء على المؤسسات المقيمة تدريجيا حتى تصبح بعد سنوات خاضعة لنفس الأداء مع المؤسسات المصدرة في حدود 15 بالمائة لتطبق هذه النسبة على كل المؤسسات المقيمة وغير المقيمة.
 
إن هذه المراجعة تبدو في نظر خبراء المؤسسات المالية الدولية ضرورية وتجعل البلاد قادرة على استقطاب الاستثمار الأجنبي، باعتبار أنّ الأداء على الأرباح في ايرلندا هو حاليا في حدود 12 بالمائة ويصل إلى 15 بالمائة في مالطا والكسمبورق، في حين أنه يصل إلى 30 بالمائة بفرنسا، فضبطه في حدود 15 بالمائة بتونس سيجعل منها قبلة للاستثمار الأجنبي لقربها من الأسواق الأوروبية وهي ليست في حاجة إلى إقرار إعفاء كلي.

سادسا: 

إصلاح المنظومة الجبائية بأكملها، وذلك بالتقليص من الأداء المباشر، وتعميمه على سائر القطاعات استنادا إلى النظام الحقيقي حتى يقع التخلص من النظام التقديري شيئا فشيئا.

سابعا: 

مراجعة قانون إنقاذ المؤسسات التي تخل بالتزاماتها إزاء المتعاملين معها مع تبسيط إجراءات التفليس، وتوخي وسائل أكثر فاعلية لمراقبة المؤسسة الاقتصادية، فالشركات في تونس يقع تكوينها ولكن قلما يقع حلها، فالمؤسسة هي كالشخص الطبيعي لها حياة معينة، ولكن توقفها دون حلّها يجعلها كالشخص الذي يموت ولا يدفن.

ثامنا: 

تقليص الدعم الذي يعطى لصندوق التعويض التابع لوزارة التجارة والذي يخصص بالأساس لدعم الحبوب والزيت، والذي بلغ سنة 2016 واحد ونصف مليار دينار، كتقليص الدعم المتعلق بالمحروقات وقدره نصف مليار دينار، والدعم المتعلق بالنقل والذي بلغ حاليا 300 مليون دينار، وبدا لخبراء المؤسسات المالية الدولية أنه حان الوقت لاستبدال صندوق التعويض بمنحة خاصة تعطى للفقراء مع اعتماد بيانات صحيحة بحيث تكون هذه المنحة في حدود 120 دينار سنويا للفرد.
 
لقد كانت المخصصات المتعلقة بصندوق لدعم المحروقات سنة 2013 في حدود 3,5 مليار دينار وانخفضت بشكل كبير هذه السنة إلى 1,5 مليار دينار نتيجة لانخفاض سعر المحروقات، ولولا هذا الانخفاض الكبير الذي وفّر للدولة 3 مليار دينار، ولولا عائدات تصدير الزيت الاستثنائية في السنة الماضية والتي ناهزت 2 مليار دينار لكان الوضع كارثيا على الاقتصاد الوطني.
 
إن الاعتمادات التي خصصت هذه السنة لدعم المحروقات وقدرها 0,5 مليون دينار تذهب بالأساس إلى الشركة الوطنية للكهرباء والغاز وإلى قارورات الغاز المنزلي، وقد استمر عجز شركة الكهرباء والغاز رغم انخفاض أسعار المحروقات لضخامة الاستثمارات التي تقوم بها شركة الكهرباء ولارتفاع عدد العاملين بها، حيث يناهز عددهم 20 ألف عامل، لكن الوضع سيزداد صعوبة انطلاقا من النصف الثاني من سنة 2017 عندما سيعود النفط والغاز لنسقهما التصاعدي، وهو ما سيفرض رهانات جديدة تجعل الدولة أمام خيارات صعبة.

تاسعا: 

إلى جانب التنقيص في مصاريف الدعم، فإن طلبات المؤسسات المالية تتوجه إلى إعادة النظر في منظومة الضمان الاجتماعي، حتى لا تؤثر سلبا في توازنات الدولة كإصلاح المنظومة البنكية، إذ أنّ البنك المركزي يتدخل حسب رأي خبراء صندوق النقد الدولي بشكل كبير في تسيير المؤسسات البنكية، علاوة على أنّ المؤسسات البنكية العمومية تستأثر حاليا بنصف المعاملات البنكية، وأنّ هنالك حوالي 20 مؤسسة بنكية تعمل بتونس وهو رقم مرتفع وأكبر من حاجيات السوق التونسية مما يفرض إدماج بعض هذه البنوك مع بعضها لتكوين بنوك أكثر قوة وإعادة رسملة البنوك العمومية التي خسرت جزءا كبيرا من رأس مالها، وقد حصلت هذه الرسملة للشركة التونسية للبنك ولبنك الإسكان وطلب من البنك الوطني الفلاحي بيع الحصص التي يملكها لشركة التبريد وصنع الجعة، وتخصيص عائدات البيع للترفيع في رأس مالها.
 
كما لوحظ أن البنوك لا تمارس سياسة منافسة في ما بينها نتيجة للتدخل المفرط للبنك المركزي، فأغلب البنوك تقبل إيداعات المدخرين مقابل فائض قدره 3 بالمائة وتسند قروضا بنسبة 8,5 بالمائة مما يمكنها من ربح قدره 5,5 بالمائة وهي نسبة مرتفعة، وإن كانت توفر للبنوك أرباحا هامة فإنها تضر بالمؤسسات الاقتصادية وبعامة المواطنين، فيتعين إرساء منافسة بين البنوك حتى يكون سعر الفائدة تنافسيا واعتماد قواعد حوكمة جديدة داخل هذه المؤسسات وذلك بالفصل بين هياكل التسيير وهياكل المراقبة وهو ما بدأ يحصل بالمؤسسات المصرفية.
 
لقد تعودنا في تونس على السماح للبنوك بالحصول على ربحية مرتفعة وذلك لأن هنالك عددا كبيرا من المقترضين لا يسددون القروض التي يتحصلون عليها، ومقابل ذلك فإنه يقع معاقبة المقترض الوفي الذي يقبل عن طواعية خلاص قروضه فيدفع نصيبه ونصيب المقترض غير الوفي.

عاشرا: 

إذا كانت الشروط المذكورة ممكنة التطبيق فإن هنالك شروطا أخرى تبدو صعبة للغاية، ومن بينها خلق مرونة في سوق الشغل، وهو ما يسهل عملية إعفاء العمال بالمؤسسة دون تبعات مالية، فسوف لن يكون هنالك فارق إذا ما اعتمدت هذه المقاربة بين العامل المرسم والعامل الوقتي، ومقابل ذلك يقترح خبراء المؤسسات النقدية المالية بعث شركات تأمين على مواطن الشغل حتى يتسنى لها دفع أجور للعمال المفصولين عن العمل في انتظار عثورهم على عقود شغل جديدة، مع تحسين أنظمة التكوين المهني والرسكلة حتى يقع إدماج العمال المفصولين عن العمل بسرعة في مؤسسات أخرى لا تمارس وجوبا نفس النشاط.

إحدى عشر: 

بالإضافة لذلك، فإن توصيات المؤسسات المالية تتوجه نحو إلغاء منح الاستثمار ومزيد الاهتمام بالبنية التحية، وإلغاء الإعانات المادية التي تذهب للفلاحين والمتمثلة في البذور والأدوية واستبدالها بمزيد من الاستثمار في السدود والبحيرات الجبلية والمسالك الفلاحية، وإلغاء الدواوين الفلاحية كديوان الزيت وديوان القمح لأن هذه المنح والدواوين كثيرا ما يقع الإساءة في التصرف فيها، ومقابل ذلك ينادي خبراء المؤسسات المالية الدولية باستغلال الطاقات البشرية المتوفرة في قطاع الخدمات وهو ما سيؤدي إلى فتح مكاتب للمحاماة الأجنبية ومكاتب للخبراء المحاسبين والمهندسين المعماريين الأجانب بتونس.
 
إنهم يطالبون بذلك مع اقتناعهم بأن المعاملة بالمثل سوف تكون مستحيلة في الوقت الحالي لأن التونسي لا يمكنه التنقل للبلدان الغربية إلا بالتأشيرة، فما بالك بالعمل بها ومع ذلك فإن هؤلاء الخبراء يصرون على فتح السوق التونسية في مجال الخدمات في انتظار أن تضطر الدول الغربية لاحقا إلى إقرار المعاملة بالمثل التي قد تأتي وقد لا تأتي.
 
هذه أهم التوصيات التي تقدم بها خبراء المؤسسات النقدية الدولية للإصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي، وقد تولوا إقحام العديد منها بمناسبة عقود القرض التي أسندها صندوق النقد الدولي لتونس، فأنجزت الدولة البعض منها وقبلت إعادة رسلمة البنوك العمومية وتولت تحسين قواعد الحوكمة بالبنوك وذلك بالفصل بين خطة المدير العام للبنك ورئيس مجلس الإدارة وقبلت الزيادة في أجور المديرين العامين للبنوك الوطنية للمحافظة على الكفاءات البنكية بالبنوك العمومية.
 
وفي إطار الإصلاحات الهيكلية والشروط التي وقع تضمينها بعقود القرض بدأت الدولة تفكر اليوم في بعث شركة تتولى شراء النزل التي عجز أصحابها عن تسديد القروض التي تحصلوا عليها، ولو أنّ هذا الأجراء يتقدم بشكل بطيء للضغط الذي يمارسه أصحاب هؤلاء النزل داخل مجلس نواب الشعب.
لكن هنالك شروطا يصعب تطبيقها حاليا والمتعلقة بإلغاء صندوق التعويض أو صندوق دعم المحروقات والنقل كما أن رفع مستوى الاستثمار العمومي يبدو صعب المنال في الوقت الحالي، فقد أبرزت ميزانية سنة 2016 أنّ الاستثمار العمومي سيكون في حدود 5 مليار دينار من جملة 29 مليار دينار وهو مبلغ لا يفي بالحاجة، لأنّ تونس عرفت في الستينات وبداية السبعينات نسبا تساوي ثلث ميزانية الدولة في الاستثمار العمومي ويلحّ خبراء المؤسسات المالية الدولية على تحقيق استثمار عمومي لا يقل عن ربع الميزانية.
 
بالإضافة إلى ما استجابت إليه الدولة من توصيات المؤسسات المالية والدولية، لاحظنا أنه وقع سن قانون يتعلق بالتصرف المشترك بين القطاع الخاص والقطاع العمومي غير أنّ هذا التشريع الجديد جعل التصرف منحصرا بين يدي القطاع العمومي، ما عدا ما يتعلق بالخدمات الثانوية كبعث الجامعات أو المعاهد في حين أنّ الاستثمارات الكبرى، كما هو الشأن لبعث مصانع مشتركة، أو ميناء المياه العميقة فإن التصرف بقي بيدي القطاع العام، ممّا جعل التشريع الحالي أقرب للإيجار المالي منه إلى الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، مع الإشارة إلى أنّ الأوامر التطبيقية لهذا القانون الجديد لم توضع بعد.
 نلاحظ إذن أنّ الاقتصاد التونسي يعيش ضغوطات كبيرة، فمن جهة هنالك الوضع الداخلي وما يفرضه من مطالب ومن جهة أخرى هنالك الوضع الدولي المالي وما يفرضه من توصيات وشروط ضرورية للحصول على قروض مالية، لذلك جاز القول إنّ الاقتصاد التونسي يعيش فترة صعبة إذ هو واقع بين المطرقة والسندان.
 
ونود أن نلاحظ في الختام أنّ المؤسسات المالية الدولية عادت من جديد لتطالب بالرفع من مستوى الاستثمار العمومي بالنسبة لبلدان كأمريكا وأنقلترا وذلك كما كان عليه الأمر بتونس خلال الستينات والسبعينات وربما يكون ذلك لأنّ خبراء صندوق النقد الدولي أحسوا بخطورة الوضع الاجتماعي في بلدان متعددة، فأصبحوا ينادون بتنشيط الاستثمار العمومي، ومزيد العناية بالقطاع الاجتماعي، فهنالك اليوم تخوفات كبيرة من رجوع للأزمة الاقتصادية التي يكاد العالم يخرج منها وذلك نتيجة لتراجع شراءات الصين من جهة ونتيجة للـسياسات المالية الجديدة بالولايات المتحدة التي بدأت تسجل تراجعا في طريقة إسناد القروض، من جهة أخرى.
 
تعيش بلادنا اليوم تحديات كبرى فهي مطالبة اليوم بمكافحة الإرهاب، وتمرير قانون المصالحة، والتصدي للتجارة الموازية، ولا يكون ذلك ممكنا إلا بنظام سياسي متماسك، وفي انتظار ذلك ستواصل الاقتراض ثم الاقتراض، وبالتالي الانصياع إلى متطلبات المؤسسات النقدية الدولية التي باتت تتدخل بشكل كبير في سياساتنا الاقتصادية، وما تصريحات ممثل صندوق النقد الدولي بتونس مؤخرا إلا تعبير واضح عن هذا التدخل الذي لم يعد محتشما بل أصبح بشكل مفضوح للغاية.
ولإنقاذ بلادنا علينا تجاوز خلافاتنا والقيام بمصالحة شاملة بين أبنائنا والإقدام على تنشيط الاستثمار الداخلي والمصالحة مع العمل كقيمة حضارية وبناء اقتصاد متماسك يؤمننا من التبعية حتى نكسب الرهان.
 
إنها قضية ملحّة وذات أولوية
عادل كعنيش
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.