جيل الإرهاب؟
لا يذهبنَ الظن بنا إلى أن مقاومة المجتمع التونسي (دولة وشعبا) للإرهاب هي قضية سنة أو سنتين. إنه صراع سيستغرق جيلا بأكمله وربما أكثر، خاصة بعد عولمة الإرهاب، الذي بات عابرا للدول والقارات. وبرغم أن التنظيمات الإرهابية وافدة علينا وليست وليدة البيئة التونسية، فقد استطاعت منذ أواسط العقد الماضي، زرع خلاياها في أماكن مختلفة من بلادنا، بل وأقامت معسكرا للتدريب سنة 2006 في جبل عين طبُرنق، أي على بُعد 30 كيلومترا فقط من العاصمة.
في المقابل استقطبت الجماعات المتشدّدة في الخارج، وخاصة «القاعدة» ومشتقاتها، أعدادا كبيرة يصعب إحصاؤها من أبناء هذا البلد، لاسيما إذا ما قارنا أعدادهم بالحجم الإجمالي للسكان. لقد كان جيل الستينات والسبعينات في تونس مفتونا بثقافة اليسار، وبخاصة أفكار حركة ماي 1968 في أوروبا، فيما كان جيل الثمانينات والتسعينات متأثرا بالفكر الإسلامي، لاسيما بعد انتصار الثورة الإيرانية. أما الجيل الذي أبصر النور في أواخر الألفية الماضية فخطف الفكرُ المتطرفُ عقله بوسائل شتى، أبرزُها شبكات التواصل الاجتماعي وخُطب الأئمة المتعصبين في بعض المساجد وبعض القنوات التليفزيونية.
لاشك أن من الحيف إطلاق أوصاف أو أحكام على جيل بأكمله، لكن في كل مرحلة تاريخية هناك صوت أعلى نبرة من الأصوات الأخرى، وهو الذي يطبع بميسمه فكر ذاك الجيل. والأكيد أيضا أن غالبية الجسم الشبابي في تونس مُعافى من لوثة الإرهاب. غير أن الفئة القليلة التي انساقت إلى التطرف المقرون بالعنف هي التي كرست الصورة الأكثر تداولا اليوم في الداخل والخارج عن شبابنا. تعالوا نفرز المتطرفين عن الأسوياء، فطبقا للإحصاءات المُتداولة يُشكل الشباب الذي لا يتجاوز سنه 35 سنة 70 في المائة من المجتمع، أي حوالي 7 ملايين، أما المنخرطون في الشبكات الإرهابية في الداخل والخارج فلا يتجاوز عددهم في الحد الأقصى 20 ألفا. وإذا ما أجملنا المعلومات التي كشفت عنها وزارة الداخلية في أوقات مختلفة سنجد الأرقام التالية:
- 1.800 مُعتقل للإشتباه في علاقتهم بالارهاب (2015)
- 3.000 ما زالوا يُقاتلون في الخارج
- 800 عادوا من سوريا
- 600 قُتلوا في سوريا والعراق
- 12.000 مُنعوا من السفر إلى بُؤر الحرب
والحصيلة هي أكثر من 18.000 شاب أصيبوا بلوثة الإرهاب.
لا بد هُنا من طرح السؤال: ما الذي يدفع ذاك الشاب العادي إلى تغيير نمط حياته والانقياد الكامل لأوامر تنظيم يأمره بالقتل أو بالانتحار؟ على سبيل المثال ما الذي جعل شابين تونسيين يُقدمان على اغتيال الجنرال أحمد شاه مسعود في عملية انتحارية في بانشير بأفغانستان يوم 9 سبتمبر 2001؟ وما الذي حمل شابا تونسيا آخر على تفجير مرقدي الإمامين الشيعيين علي الهادي وابنه الحسن العسكري في سامراء بالعراق، قبل أن يُنفذ فيه حكم الاعدام في نوفمبر 2011؟
الخطوة الأولى التي تلجأ إليها شبكات التطرف هي إحداث القطيعة بين الشاب والمجتمع، أي مع ثقافته وقيمه ومرجعياته، كي تضمن انهيار المناعة، ثم تغرسُ في عقله منظومة أخرى من القيم والمرجعيات والمصطلحات تدور حول الموت. كان هذا الاستقطاب يتم في سن المراهقة، أما بعد 2011 فصرنا نرى مُتلبسين باستهداف صغار السن في الروضات العشوائية التي تُديرها جمعيات مشبوهة. كما لعب «الأئمة» المتطرفون في المساجد الخارجة عن القانون على مدى أعوام، دورا أساسيا في «إنضاج الثمار» التي سرعان ما تقطفها عناصر الشبكات المُتشددة. وتُساعد على تيسير تلك العملية أوضاع التهميش التي يعيشها الشباب، إذ يحظى بالرعاية والإحاطة ويشعر للمرة الأولى في حياته بأنه مُهم، بل يحصل في كثير من الأحيان على دعم مادي هو في أمس الحاجة إليه. ويمكن تلخيص أسباب ذلك التهميش في عنصرين رئيسيين:
- أولهما أزمة النظام التعليمي العاجز عن تلبية حاجات سوق الشغل، والذي يُخرج مئات الآلاف من العاطلين بشهادات عُليا.
- وثانيهما التهميش الاجتماعي، إذ احتلت تونس طبقا لإحصاءات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية المرتبة 14 من حيث أعلى نسبة بطالة في صفوف الشباب في العالم (بنسبة 31,2 بالمائة). وألقى مكتب العمل الدولي ضوءا آخر على هذا الوضع عندما أظهر أن 75 في المائة من شباب تونس، الذين تُراوح سنهم بين 15 و29 سنة، يعملون في القطاع الموازي وعلى رأسه التهريب. وأصبحت بين التهريب وشبكات الإرهاب في أيامنا هذه علاقات حسب ونسب...
- اكتب تعليق
- تعليق