أخبار - 2016.02.16

إشكالية التخلص من تبعية البترول والغاز، أو المعادلة الصعبة

إشكالية التخلص من تبعية البترول والغاز، أو المعادلة الصعبة

تشهدالبورصات العالمية في الآونة الأخيرة حالة من الاهتزاز والاضطراب، متأثرة إلى حد كبير بالتغيرات المفاجئة وغير المتوقعة لأسعار النفط. وتنتاب الاسواق نزعة من الخشية والحيرة إزاء انخفاض أسعار الذهب الأسود إلى ثلاثين دولارا للبرميل وحتى إلى ما دون ذلك، وهو ما يلقي بظلاله بقوة على البلدان المنتجة؛ لكنه ينزل بردا وسلاما على الدول المستوردة لهذ المادة على غرار تونس. وطبيعي أن يحدث تراجع أسعار النفط بنِسَب مرتفعة اختلالا في توازن المعاملات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة ويخشى أن يثير انخفاض الأسعار على هذا النحو مشاكل خطيرة في البلدان المنتجة. فإلى أي حد ستتطور الأمور في قادم الأشهر؟ إلى أي حد سيتواصل انخفاض الأسعار؟

لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث على الأمد القريب والمتوسط على هذا المستوى. فالولايات المتحدة الأمريكية ماضية على ما يبدو في إنتاج غاز الشيست بكميات ذات بال، والعربية السعودية ماضية في الدفع بكميات هامة من إنتاجها النفطي إلى شتى الاسواق، ومنظمة "أوبك" ماضية في إصرارها على عدم الاضطلاع بالدور الموكول إليها والمتمثل في التدخل لتعديل إنتاج النفط في العالم تأمينا للتوازن بين العرض والطلب بما يضمن استقرار الأسعار إلى حد. فالمتغيرات عصية عن أن يحسب لها حساب أو أن تدخل تحت حصر. ويقول الخبراء والمتعاملون إنّ سعر ثلاثين دولارا للبرميل لا يحقق المقدار الأدنى من الجدوى بالنسبة الى الدول المنتجة وإنه سيتعذر تماما الاستمرار في ضخ البترول اذا ما نزلت الأسعار تحت هذا الحد. لكنهم يؤكدون في نفس الوقت أنّ أسعار النفط سوف لن تبقى في مستواها الحالي وأنّ ارتفاعها محتوم ومتوقع، دون أن يعرف أحد على وجه التحديد والدقة متى وكيف. يضيف العارفون بالشان البترولي أنّ لا سبيل إلى تأمين التوازن المطلوب بين العرض والطلب إلا في حدود 80 دولارا للبرميل وهو الحد الأدنى الذي يمكن أن يتيح للبلدان المستوردة للنفط الحصول على احتياجاتها بيسر، وأن يوفر للبلدان المنتجة إمكانية تمويل ميزانياتها بدون كبير عناء. ترى، لماذا تدنت أسعار النفط في الاسواق إلى ما دون 30 دولار للبرميل؟

لا شك أنّ تزايد انتاج الولايات المتحدة من نفط الشيست الذي يقدر حاليا بـ5 ملايين برميل يعتبر أحد الأسباب المهمة في تراجع الأسعار. يضاف إلى ذلك عامل مهم آخر يتمثل في عدول منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك عن لعب دورها الأصلي المتمثل في التدخل بالنجاعة اللازمة والسرعة المطلوبة للحيلولة دون انخرام التوازن بين العرض والطلب على مستوى السوق. وهنالك عامل مهم آخر يتمثل في دخول ايران على الخط بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها في صلة بمسالة امتلاك الطاقة النووية وقرار طهران بالزيادة في صادراتها من النفط بكميات مهمة، بالنظر خاصة إلى وفرة ما راكمته من مخزونات طيلة السنوات التي استغرقها تطبيق العقوبات، وهو ما قد يتسبب في مزيد تدني أسعار النفط في الاسواق العالمية، ولدواعي مقترنة باعتبارات جيوسياسية لا مجال لتناولها بالتفصيل في هذا المقال. وتقول بعض الجهات المسؤولة في طهران إنّ النية متجهة إلى تصدير كميات قد تتجاوز مليوني برميل في اليوم وهو ما يستبعده جل الخبراء بالنظر إلى أنّ انتاج هذا البلد لا يتعدى 400 الف برميل في اليوم حاليا. لكن ايران تمتلك نسبة 10 ٪‏ من احتياطات النفط المؤكدة في العالم.. وللتقليل من الخسائر التي يتسبب فيها انخفاض الطاقة النفطية، بدأت بعض الدول المنتجة كروسيا وقطر تدفع إلى ممارسة مزيد من الضغوط على ايران لإثنائها عن تنفيذ خطتها الرامية الى الدفع بكميات هائلة إضافية من البترول في الاسواق.
أمّا إذا بقي مستوى أسعار النفط على مستواه الحالي لفترة طويلة، فإنّ ذلك سوف يعرض دولا كثيرة في شتى القارات (فنزويلا، نيجيريا، أنغولا، ليبيا، الجزائر الخ.) إلى مخاطر كبرى من قبيل العجز التام عن تسيير الدولة وحتى عن التحكم في ميزان المدفوعات (balance de payements)  واستحالة الوفاء ببعض الالتزامات الدولية المهمة. وقد يعرِّض ذلك كثيرا من شركات البحث والتنقيب عن النفط هنا وهناك إلى صعوبات جمة، وقد يضطر بعضها إلى وقف نشاطها تماما.
ومهما يكن من أمر، فإنّ حاجة الشعوب إلى الطاقة النفطية ستبقى جزءا مهما في إشكالية الطاقة، كما سيبقى البترول لعشرات السنين الطاقة الأساسية التي لا غنى عنها إطلاقا. وستظل تبعية الشعوب والدول للنفط أمرا قائما بقوة لفترة طويلة من الزمن خاصة في الدول الصناعية وفي مجالات حيوية كالنقل بكل أصنافه (نقل الأشخاص والبضائع برا وبحرا وجوًا)  وتشغيل الاَلات التي تستخدم في العديد من الميادين الحيوية كالعمران وتهيئة المدن والزراعة الخ.

يوسف قدية

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.