عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد

عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد

خمس سنوات كاملة مضت على ثورة الكرامة والحرية وعلى الاحتجاجات التي راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء الأبرياء، وسنة كاملة مضت على الفرحة العارمة والاحتفالات التي تلت الفوز الكبير للنداء في الانتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014.

كان أغلب التونسيين والتونسيات الذين صوتوا لفائدة هذا الحزب ولفائدة مؤسسه، وعددهم بمئات الآلاف، مقتنعين بهذا الاختيار، فضلا عن عدم وجود بديل مقنع يمكنهم من إلحاق هزيمة انتخابيّة بالتيار الإسلامي الذي يعتبره عدد كبير من التونسيين دخيلا على البلاد ويريد الرجوع بتونس الى القرون الوسطى، مادام  حزب النهضة لم يقم  الدليل على تحوله إلى حزب مدني ليس له أي ارتباط بالحركة الاخوانية.

أيّاما معدودات بعد هذا الفوز بدأ مناضلو الحزب وإنصاره يشعرون بالقلق وبالخيبة حيث ظهر لهم أنّ الحزب الذي ناضلوا من أجله بدأ يتنكر لوعوده بتحالفه مع التيّار السياسي الذي قاوموه مند تأسيس حزبهم.هل كان هذا التحالف نتيجة الانتخابات التشريعية التي لم تفرز فوزا عريضا لنداء تونس أم هي صفقة درست و طبخت منذ أشهر ،أم هي إملاءات خارجية تتعلق بأجندات دول أم هي حسابات واقعية تداخلت فيها كل هذه المعطيات؟
وفي كل هذه الحالات، يعتبر عدد كبير من أنصار النداء أنّ في الطريق التي سلكها الحزب تنكرا لنضالاتهم وللوعود الانتخابية التي كانت تطلق على مدى سنتين كاملتين..

لم يكن تعيين شخصية مستقلة ترضى عنها حركة النهضة سوى نتيجة منطقية لهذا التحالف، لكن خيبة الأمل الثانية أتت عند تشكيل الحكومة حيث لم يتحصل نداء تونس الفائز في الانتخابات سوى على عدد قليل من الحقائب.
فأين العدد الهائل من الكفاءات التي يمكنها أن تشكّل أربع حكومات أو أكثر، والحقيقة أنّ هذه الكفاءات لم تكن كافية حتى لتكوين ربع حكومة.

أيّاما قليلة بعد تكوين الحكومة وانتقال المقربين إلى قصر قرطاج أصبح الحزب في مهب الريح تتقاذفه الأمواج العاتية.. وأضحى المناضلون كاليتامى لا يلقون اهتماما من أحد بعد أن حقّق كلّ مبتغاه ثم سرعان ما ظهرت الخلافات والانشقاقات،  وجوهرها التحكم في بقايا الحزب.

و بعد أن ردّد رئيس الحزب الذى أصبح رئيس كلّ التونسيين " الوطن قبل الأحزاب و الحزب قبل الأشخاص" طفق القياديون يعملون بمقولة جديدة :" الأشخاص قبل الحزب والحزب  قبل الوطن"، وأمسى الحزب الذي  انتخب التونسيّون قائماته لحلّ مشاكلهم مشكلا في حدّ ذاته، تتداوله كل القنوات الإذاعيّة و التلفزيّة، بل تحوّل إلى معضلة تعيق حتى عمل الحكومة وسعيها إلى معالجة قضايا البلاد. وأصبح الحزب مهددا بالانقسام  ولاحت إمكانية تصدّر النهضة من جديد المشهد السياسي  الوطني.

و مما زاد الطين بلة إخفاق الحكومة في حل مشاكل الشعب، خصوصا منها المتعلقة بالتشغيل والتنمية والحدّ من الفقر المتفشي في كل المناطق،لاسيّما المحرومة منها .ولم تتمكن الأحزاب المكونة للإئتلاف الحكومي من الشروع في الإصلاحات التي وعدت بها الناخبين،  ولم يتمكن رئيس الجمهورية من حلّ لغز الاغتيالات السياسيّة، وقد التزم بفكّه للتونسيين الذين خرجوا بالملايين لتوديع شهدائهم .كيف يمكن له ذلك وقد قرر التحالف مع الذين كانوا يتسترون على الإرهابيين ومكنوهم من الهروب طمسا للحقيقة؟ 

إنّ بروز خلافات في الحزب الفائز في الانتخابات بين شقين أدّت إلى قطيعة نهائية بينهما إثر مؤتمر سوسة وانقسام الحزب إلى حزبين سيغيران المشهد السياسي التونسي رأسا على عقب.وحتى الشق الذي نجح في افتكاك الحزب في مؤتمره الصوري، سيكون خاسرا حيث عليه أن يتحمل مسؤوليّة كل الأخطاء التي ارتكبت  وكل المغالطات التي وقعت باسم نداء تونس. و لم يأل التوافق المرجو إلى إيقاف نزيف الاستقالات من الحزب ومن الكتلة النيابية وفقد الحزب موقعه كأول حزب في البلاد و خسر عددا هائلا من المناضلين ومن القياديين الذين لا يزالون متمسكين بالمنهج البورقيبي للحزب،خاصّة أنّ عددا من قيادات ما أصبح يسمى بشق سوسة أو شق حافظ تنكروا حتى لبورقيبة وأصبحوا يبحثون عن بديل يمكنهم من التقرب للإسلاميين فوجدوا في ضالتهم الشيخ عبدالعزيز الثعالبي ولم يبقى يربط المنخرطين في ما تبقى من الحزب سوى الارتباط بالسلطة و محاولة نيل الامتيازات المرجوة.
إنّ الأخطار المحدقة ببلادنا جدّ جسيمة ، فـ"داعش" على الأبواب والإرهاب ينمو بسرعة ولا يترك الفرصة تمر ليوجّه الضربة تلو الأخرى. وغنيّ عن البيان أنّ الإرهاب يتغذّى من الفقر والتهميش والبطالة، وهي ظواهر تمكّنه من التغلغل في مجتمعنا. وكلّ تأخير في حلّ مشاكل البلاد من شأنه أن ينمّي التطرف والإرهاب. ومن البديهي القول إنّ حلّ هذه المشاكل أمر لا يخلو من صعوبة في ظلّ تفاقم المشاكل السياسية .
إنّ الشعب التونسي فقد الأمل في نخبه السياسية و بدأ يفقد حتى الأمل في نفسه وفي قدرة المجتمع المدني على التحرك مثل ما وقع من قبل، خاصة وأنّ تحالف الحزبين الكبيرين في البلاد أفقد كل إمكانيات التغيير عبر الانتقال السلمي للسلطة.

لذلك يبدو أنّ الحل يكمن في الضغط على المؤسسات المنتخبة من طرف قوى سياسية برلمانية أو غير برلمانية يكون لها تصوّر جديد للخروج بالبلاد من الأزمة الخانقة التي تعيشها. فلقد أصبح جليا أن الرباعي المكون للحكومة لا يملك هذا التصور وليس له القدرة على التغيير حيث أنّ الحلول لا بد أن تكون حلولا ثورية في ظّل تصور جديد وبرنامج شامل ورؤية جديدة.

إنّ المسؤولية الكبرى تقع اليوم على عاتق النخب السياسية وكل الأحزاب الممثلة والغير ممثلة في البرلمان والشخصيات السياسية الوطنية المتشبّعة بالقيم الديموقراطية والمؤمنة بالإمكانيات العريضة المتاحة للبلاد حتى تشيع لدى الشباب والمهمشين أملا يثنيهم عن الانسياق وراء التطرف، والمدركة أيضا لإمكانيّة إيجاد حلول وطنية للمشاكل التي لم تتمكن الحكومة  الحاليّة من حلّها. فهل تتمكن هذه النخب من ترك القضايا الهامشية جانبا وتقلع عن التفكير في الانتخابات المقبلة التي لن يتسنّى تنظيمها إذا ما بقيت الحالة على ما هي عليه الأن؟

إنّ الوضع اليوم يهدد بالانفجار من جديد والبلاد لا تحتمل ذلك ، فعلى هذه النخب أن تتحد من أجل برنامج واضح يأخذ في الاعتبار مطالب الثورة ويكون منطلقا جديدا لضغط سلمي و بناء على الحكومة حتى تغير من سياستها الخاطئة و غير المجدية.

بعد مرور خمس سنوت على اندلاع الثورة وسنة على تنظيم الانتخابات وما تضمنته حملتها من وعود زائفة،  لم يكسب الشعب التونسي وخصوصا الطبقات الوسطى والطبقات الفقيرة سوى قدر من حرية التعبير وسئم مشاهد العراك السياسي والنقاش الذي لا يجدي نفعا. كما أنّه لم يلمس أي حلّ أو حتى بداية حلّ للمشاكل التي يعاني منها يوميّا..وحتى الفساد الذي نخر قوى الدولة و كان سببا من أسباب الثورة ترعرع واستشرى وأصبح للمهربين صولات وجولات  إذ استطاعوا النفاذ الى دوائرالحكم أكثر مما فعلوه أيام حكم بن علي وأصهاره.

على كل الوطنيين الأحرار التحرك الآن في نطاق المؤسسات الدستورية والمجتمع المدني قبل فوات الأوان.أخشى أن ينفذ صبر الشعب الذي خرج مند خمس سنوات إن لم نتمكن من إعطائه أملا جديدا وحلولا عاجلة.
لقد برهن التحوير الوزاري الأخير أنّ الرؤية لم تتغير وأنّ التعيين لن يكون إلّا حسب الولاءات،فعن أيّ حكومة حرب نتحدّث؟  لم نفهم حتى اليوم ما هو الفرق بين حكومة الأمس وحكومة اليوم التي ستخوض هذه الحرب ولم نتمكن من معرفة البرنامج الذي  ستعتمده لكسبها. ضد من ستكون هذه الحرب؟ وعلى حساب من؟ ولصالح من؟

رغم كل ذلك، فإنّ كل تونسي غيور على وطنه ومكتسباته لا يسعه إلاّ أن يتمنى التوفيق للحكومة حتى تتخطى كل الصعوبات القادمة وتتمكن من حلّ كل المشاكل القائمة والمنتظرة لكي تصل السفينة الى بر الأمان، ففشل الحكومة هو فشل الثورة وفشل كل التونسيين.

نحتفل هذه السنة بالعيد الرابع لتنحية الدكتاتور ولكن دون أن نحتفل بإنجازات تذكر وتعطي الأمل للشباب المهمّش. 

صلاح الدين السلامي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.