حكومة الوفاق الليبية أمام الاختبار الصعب
تُواجه حكومة الوفاق الوطني الليبية الامتحان الأصعب بعدما حصلت على الاعتراف الدولي والاقليمي بوصفها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا. فخارج الفريقين السياسيين الكبيرين اللذين صنعا التوافق، توجد عشرات الميليشيات والقوات القبلية التي لا مصلحة لها في بروز سلطة مركزية تُسيطر على الأوضاع في البلد، ولو على مراحل. والأرجح أن تلك الكيانات التي انتشرت في جميع المدن في ظل غياب الدولة، ستُسبب متاعب كبيرة لحكومة فايز السراج، وخاصة في طرابلس، جرّاء حرمانها من المناخ الأمني الضروري للقيام بالمهمة الشاقة التي أوكلت إليها. وكانت الحكومات السابقة اضطُرت إلى إسكات تلك الميليشيات المُتنطعة بواسطة المال. لكن هذه الممارسة لا يمكن أن تستمر إذا كانت حكومة الوفاق حريصة على إعادة هيبة الدولة وممارسة صلاحياتها الدستورية بالكامل.
إعادة بناء الجيش والأمن
لاشك أن التلويح بفرض عقوبات دولية على أمراء الحرب المُتمردين سيُخفف من الضغوط على الحكومة، إلا أن مفتاح الحل يكمن في إعادة تشكيل الجيش النظامي وبناء المؤسسة الأمنية، بالتعاون مع الأطراف الدولية والعربية الداعمة للحل السياسي. وربما سيتعين على القوات الشرعية، مع تكثيف الضربات على « داعش» في سوريا، أن تُواجه احتمال تدفق المُقاتلين الليبيين العائدين من هناك، إذ يُشير بعض المحللين الغربيين، ومنهم غابي مورونجيلو GABBY MORRONGIELLO في موقع « ذي هافينغتون بوست»، إلى أن العناصر الليبية تشكل المجموعة الأكبر بين المُحاربين الأجانب الذين يُقاتلون مع « داعش» في سوريا والعراق (وليس التونسيين مثلما يُشاع). ويُغري تنظيم "داعش" الشباب المُنضوين تحت لواء الميليشيات المُنافسة له في ليبيا بالانضمام إلى صفوفه مقابل مُرتبات أعلى.
من هنا فإن حكومة الوفاق الوطني ستجد نفسها في قلب المعركة الكبرى مع « داعش»، والتي حددت القوى العظمى ملامحها في اجتماع روما، بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا واسبانيا وألمانيا وتركيا، بالاضافة لدول الجوار، والتي قررت إطلاق حملة عسكرية شاملة على« داعش» في ليبيا. ويبدو أن الأمريكيين على عجلة من أمرهم، فلم ينتظروا أن تتشكل حكومة الوفاق وتُوجه لهم طلبا للتدخل ضد « داعش» فأرسلوا قوات من النخبة إلى مطار الوطية في غرب ليبيا، أتت من قاعدة « بانتليريا» بين تونس وصقلية، غير أن الميليشيات المحلية طلبت منها المغادرة فورا. وسيتعين على حكومة الوفاق الوطني، إلى جانب تأمين التغطية « الشرعية» للغارات الجوية الغربية على مواقع «داعش»، أن تُجند الفصائل الليبية على الأرض لقطع الطريق أمام تمدد التنظيم إلى مناطق جديدة سواء في الغرب (صبراتة) أو في الجنوب، حيث حقول النفط والغاز. وقد تضررت الحقول وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير، بحسب خبراء نفطيين، جراء الصراع الدائر في البلاد منذ قرابة خمس سنوات.
دور المجتمع المدني
ومن الأولويات التي سيتعين على الحكومة التركيز عليها الإعتماد على المجالس البلدية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني لإعادة بناء النسيج الاجتماعي، بعدما هاجر أو نزح حوالي مليوني ليبي من مواطنهم الأصلية في السنوات الأخيرة، وخصوصا منذ اندلاع حرب أهلية بين قوات « فجر ليبيا» وقوات «الكرامة» في جويلية 2014. كما سيتعين عليها إيجاد حلول سريعة لأزمة القطاع الصحي بترميم المستشفيات واستيراد الأدوية والمواد الاستهلاكية وتأمين الرعاية الصحية للجرحى من الثوار السابقين. ولكن دون ذلك صعوبات من نوع آخر، فقد عانت الحكومتان السابقتان من انخفاض الإنفاق بسبب تضاؤل العائدات وتراجع الصادرات النفطية إلى نحو ربع الانتاج المسجل في 2010، فضلا عن هبوط أسعار النفط العالمية. وكثيرا ما يتسبب التأخير في دفع رواتب الموظفين في نشر الفوضى، وخاصة إذا تأخر دفع مُخصصات أعضاء الميليشيات.
النفط قوام إعادة البناء
بهذا المعنى تُعتبر العناية بالاقتصاد عموما والنفط بشكل خاص، من أوكد المهام في المرحلة المقبلة بالنظر للإمكانات العريضة التي تملكها ليبيا والمهدورة حاليا جراء الاحتراب الأهلي. فليبيا التي تتربع على أكبر احتياط نفطي وخامس احتياط من الغاز الطبيعي في إفريقيا، تُواجه خطر الانهيار الاقتصادي بحسب تقرير أعدته أخيرا المنظمة غير الحكومية «أنترناشيونال بزنس غروب». وتسبب الاستقطاب السابق بين حكومتين مُتنابذتين وبرلمانين متنافسين في الاقتراب من انشطار «المؤسسة الوطنية للنفط»، وكذلك «مصرف ليبيا المركزي» إلى كيانين مُنفصلين، وهما العمودان اللذان ينهض عليهما اقتصاد البلاد. وبلغ العجز في الميزانية العامة خلال العام الماضي إلى 25 مليار دينار ليبي أي 18,2 مليار دولار. ومن ضمن تلك التحديات الاقتصادية أيضا ستجد حكومة الوفاق نفسها في مواجهة استشراء الفساد بأحجام غير مسبوقة، وانتشار التهريب المُرتبط ارتباطا وثيقا بزعماء الميليشيات، مما تسبب في هبوط قيمة الدينار وتراجع الاحتياطات النقدية، في مرحلة ستحتاج خلالها الحكومة إلى اعتمادات كبيرة لإطلاق خطة لإعادة الإعمار والبناء وإصلاح حقول النفط وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير.
إجمالا سيتعين على الحكومة الليبية أن تُحارب على واجهات عدة في وقت واحد، من الضغوط الدولية عليها لضرب الجماعات الإرهابية إلى إعادة بناء الجيش والشرطة من أجل ضمان سيطرتها على كامل البلاد، إلى إصلاح قطاع النفط وتحسين الاحتياطات النقدية لتأمين دفع الرواتب في الآجال، إلى تسريع الاستفتاء على مشروع الدستور وصولا إلى تنظيم انتخابات عامة في غضون سنتين. وعلى رغم ضخامة هذه الأعباء يمكن القول إن الحالة الليبية التي طغت عليها الصراعات الدموية طيلة السنوات الأخيرة، اختلفت عن الحالتين السورية واليمنية لأنها استطاعت تفادي حرب أهلية مدمرة، وها هي قد بدأت تتجهُ، على ما يبدو، نحو التعافي.
- من أولويات حكومة الوفاق إرجاع حوالي مليوني ليبي نازح أو مهاجر إلى مواطنهم
- ليبيا تتربع على أكبر احتياط نفطي في إفريقيا لكنها عاجزة عن دفع الرواتب
رشيد خشانة
- اكتب تعليق
- تعليق