كل حزب بما لديهم فرحون
الأحزاب آلية لممارسة السياسة ووسيلة لتجسيم الديمقراطية والتداول على السلطة باعتبارها وعاءا لرسم التوجهات والمناهج ذات الصلة بتطوير واقع الشعوب وتغييره نحو الأفضل. وعلى هذا المنوال تكيف الفعل السياسي الحديث في الغرب أولا ثم بدأ في الانتشار بعد استقرار الأمور غداة الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وأضحت الحياة السياسية المنتظمة عبر الأحزاب سمة الشعوب المتحضرة وعنوانا للديمقراطية التي تكرس جملة من المبادئ النبيلة مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير. وأنشئت في هذا السياق منظمات دولية وبرزت للوجود جمعيات مختصة للترويج لهذا المنوال السياسي وتشجيع الشعوب على تنظيم حياتها السياسية عبر أحزاب مجسمة لتيارات فكرية أو حركات تحريرية وغيرها.
ولم تشذ تونس عن هذه القاعدة بداية من أواخر القرن التاسع عشر وتكرست هذه الظاهرة إبان قيام الثورة حيث بلغ عدد الأحزاب أكثر من المائة وهي ظاهرة طبيعية نتيجة لطفرة حرية التعبير وانطلاق الألسن بعد عقود من التلجيم. ولئن كانت هذه الظاهرة علامة صحية تؤكد رغبة الانعتاق والانطلاق نحو الحرية إلا أنها أخفت في طياتها نزعة التكالب على الحكم واللهث وراء الكراسي للفوز بمغانم الثورة.
صحيح أنه لا ينبغي التعميم في هذه الحالة ولكن مجريات الأمور في هذه السنوات الخمس الأخيرة وما شهده المشهد السياسي الحزبي من اضطراب في الأقوال والأفعال تبين المسافة الطويلة الفاصلة بين النظري والتطبيقي ومدى اهتزاز العلاقة بين المواطن وهذه الأحزاب. وقد كشفت الانتخابات التشريعية الأولى والثانية زيف العمل السياسي لدى بعض هذه الأحزاب أو لدى بعض رموزها.
إن المتمعن في واقع المشهد الحزبي بتونس يلاحظ أن بعض الأحزاب لا وجود لها في الواقع إلا في منابر الحوار الإذاعية والتلفزية حتى أنه يخيل إلى المستمع والمشاهد أن بعض رموزها يرتقون إلى مرتبة الزعماء والحال أن هؤلاء المنتسبين إلى السياسة سرعان ما تهتز صورتهم بسبب عدم تطابق أقوالهم مع أفعالهم.
ونتيجة لذلك اهترأت صورة بعض الأحزاب سيما وقد كشف واقع الحال أن السجال الدائر الآن داخل هذه الأحزاب أو في ما بينها ابتعد بشكل جلي عن المبادئ السياسية المنشودة ويكاد ينحصر في تصفية حسابات شخصية بسبب احتدام المعركة من أجل الحصول على مغانم الثورة وفي مقدمتها مناصب الجاه وكراسي التمعش من خيرات البلاد.
قد لا يشاطر البعض هذا الاستنتاج ولكن هل هناك سبب آخر لانصراف بعض الأحزاب عن المسائل الحيوية التي تهم تحسين الواقع المعيش وانشغالها كليا بمسائل الزعامة والانفراد بالقرار. أليس في تداعيات هذا السلوك المشين خطر على البلاد واستهتار بالشأن العام وبمستقبل شباب هذه الأمة. أما آن لهؤلاء المنتسبين إلى السياسة أن يعودوا إلى الرشد وأن يعالجوا المسائل الحيوية التي تهم البلاد والعباد.
إن الناس في حاجة أكيدة إلى أقوال وأفعال تخفف من الضغط الذي يعانونه عندما يقصدون أماكن عملهم أو يذهبون إلى قضاء شؤونهم في الأسواق والإدارات وهم في حاجة أكيدة إلى تحسين ظروف حياتهم وإنشاء المرافق الحيوية لعيشهم في المدينة والريف على حد سواء بدل إلهائهم بسائل هامشية لا تهمهم من قريب أو بعيد بل لا تزيدهم إلا إحباطا وإلا تعميقا لحيرتهم وخوفهم على بلادهم و على مستقبل أبنائهم.
عادل شبشوب
- اكتب تعليق
- تعليق