روسيا تحتفل بالذكرى السبعين لنشوء صناعتها النووية
مع تزايد الطلب على الطاقة عالميا بصورة غير مسبوقة، تتزايد الحاجة الى مصادر الطاقة المستدامة بصورة أكبر من أي وقت مضى، وبما أن العديد من الأسواق الناشئة، بما فيها الأسواق سريعة النمو في الشرق الأوسط تلجأ الى الطاقة النووية لتلبية احتياجاتها للطاقة، فانه أصبح بامكانها الإفادة من التجربة الروسية للدول التي طورت برامجها النووية بصورة راسخة على غرار تجربة روسيا، التي تحتقل بذكرى مرور 70 عاما على نشوء صناعتها النووية.
وقد اعتبرت لحظة نشوء الصناعة النووية الروسية في 20 اوت سنة 1945، عندما تم تأسيس كيان حكومي خاص مسؤول عن الصناعة النووية الوليدة آنذاك. بدأت مشاريع الاتحاد السوفياتي النووية الأولى في مختبر صغير، في أكاديمية العلوم (يسمى الآن مركز أبحاث كورشاتوف الوطني). وكانت الظروف الأولية لهذه التجارب المبكرة ليست أفضل ما يكون: كان رواد الصناعة النووية في الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية يعملون في مرافق بالكاد كافية، ولا تفتقر إلى المعدات التقنية المتطورة فحسب، بل أيضا لأبسط الأدوات .
قام رواد الاتحاد السوفياتي ببذل جهد كبير من أجل ضمان تطوير البرنامج النووي للدولة. ففي عام 1946، قام فريق من العلماء بقيادة ايجور كورشاتوف، عالم نووي سوفييتي، غالباً ما يشار اليه بأب الصناعة النووية الروسية، بانتاج أول تفاعل نووي تسلسلي ذاتي في القارة الأوروبية الآسيوية باستخدام أول مفاعل أبحاث أوراسي ف-1.
وفي سنة 1949، قام الاتحاد السوفياتي بإطلاق أول مفاعل ماء ثقيل مضغوط، وهو الذي سهّل عددا من الاكتشافات العلمية الهامة، وكان له دور أساسي في إطلاق أول محطة كهرباء نووية متصلة إلى شبكة الكهرباء في مدينة أوبنيسك، التي تبعد 100 كم جنوب غرب موسكو في عام 1954. وهكذا، أصبحت روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقاً) أول دولة في العالم تسخّر الطاقة النووية للأغراض السلمية بنجاح.
وسرعان ما تبع ذلك، الابتكارات النووية الرائدة الأخرى. ففي أعوام 1955-1956، أطلق الاتحاد السوفياتي أول مفاعل للطاقة الصفرية- النيوترونات السريعة- في العالم، وبعد ذلك أطلق مفاعل النيوترونات السريعة بقوة. وفي عام 1959، تم إطلاق أول كاسحة جليد في العالم تعمل بالطاقة النووية "لينين"، التي قام على هندستها وانشائها أكثر من 500 شركة سوفياتية متخصصة.
وبحلول منتصف الستينيات، كان الاتحاد السوفييتي ينشط بتطبيق الاستخدام المدني للبرنامج النووي مع بعض المشاريع الأكثر طموحاً في العالم حتى الآن. وفي عام 1964، تم اطلاق مفاعل القدرة المائي-المائي الأول، والذي أثبت أنه من أنجح مشاريع الصناعة النووية الروسية وأكثرها أمناً وحداثة، وذلك بالتزامه بجميع معايير الجودة والسلامة الدولية. وتم منح محطتي الطاقة النووية في بوشهر وكودانكولام جوائز مرموقة باعتبارهما أفضل المشاريع الهندسية لعام 2014. وتستخدم روسيا أحدث جيل من مفاعل القدرة المائي-المائي في بناء جميع محطاتها النووية في الخارج، بحيث يوجد في العالم 57 مفاعل مائي-مائي. ومن المتوقع أن يكون هناك واحدة من كل خمس وحدات للطاقة النووية في العالم مجهزة بمفاعل روسي مع حلول العام 2030.
وفي عام 1973، أطلق الاتحاد السوفياتي مفاعل النيوترونات السريعة الأول في العالم BN-350 المصمم لتحسين استهلاك الوقود النووي، وبالتالي تقليل كمية النفايات من خلال ادخالها في دورة مغلقة من الوقود النووي، بحيث يتم اعادة استهلاكها مراراً وتكراراً. وفي الوقت الحالي، فان المفاعل الوحيد في العالم الذي يعمل بالنيوترونات السريعة هو مفاعل BN-600 الموجود في محطة الطاقة النووية بيلويارسك.
وبعد النمو السريع في مجال الصناعة النووية للاتحاد السوفياتي خلال ثلاثة عقود، انهارت المحطة بعد حادث حصل في شيرنوبل عام 1986. عقب الحادث، تعلمت روسيا درساً، فقامت بادخال تقنيات محسنة وإجراءات تشغيلية ومعايير سلامة أكثر صرامة من أي مكان في العالم، ومن أي وقت مضى. وتحتوي محطات الطاقة النووية الروسية الحديثة على مزيج فريد من أنظمة السلامة النشطة التي يضمن أمانها في كل الظروف الطبيعية والطارئة، وتوفر الحماية من الزلازل والأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية والكوارث المفتعلة من قبل الإنسان، الى جانب تقنية حماية روسية جديدة تدعى "كور كاتشر"، والتي صممت على احتواء اللب المنصهر في حال حدوث انصهار نووي.
وفي مطلع الألفية الجديدة، أكملت روسيا مسيرتها في التطور النووي باطلاق أول محطة طاقة نووية في روستوف عام 2001، وقد أصبح مفاعل القدرة المائي-المائي مرجعا لتصميم جميع محطات الطاقة في روسيا. وبينما كانت أول محطة طاقة نووية في أوبنسك تنتج طاقة بمقدار 5 ميغا واط، فانه وبعد عقود قليلة، أصبحت أي محطة روسية تنتج طاقة تتجاوز 1000 ميغا واط. هذا وتملك روسيا الآن 10 محطات طاقة نووية عاملة، بمجموع 34 وحدة طاقة بقوة 25.2 جيجا واط، تولد حوالي 18٪ من اجمالي انتاج الطاقة فيها، وتشكل الطاقة النووية 33٪ من مجموع توليد الطاقة الكهربائية في الجزء الأوروبي من روسيا.
على مدى العقود، قادت الصناعة النووية التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في روسيا، وساهمت في تعافيها من الأضرار التي لحقت بها في الحرب العالمية الثانية. وبذلك، لا تزال الصناعة النووية أولوية استراتيجية كبرى بالنسبة لروسيا، وتلعب دوراً حيوياً في اقتصاد البلاد.
وبتوحيدها 360 شركة، وإنجاز مشاريع في أكثر من 40 دولة في جميع القارات وتوظيف أكثر من 255,000 شخصاً في جميع أنحاء العالم، تكون "روس آتوم" هي الشركة الوحيدة في العالم التي تمتلك دائرة نووية كاملة، وتعد حالياً الأولى في العالم من حيث عدد المفاعلات النووية قيد الإنشاء في وقت واحد في مختلف أنحاء العالم، والثانية عالمياً من حيث توليد الطاقة النووية، والثانية والثالثة على التوالي في احتياطيات اليورانيوم واستخراجه، ولديها عقود تصدير تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار دولار خلال 10 سنوات.
وساهمت الكفاءات والابتكارات النووية الأخرى التي امتلكتها "روس آتوم" على مر العقود، في تراكم خبرة واسعة تشمل جيلا جديدا من مفاعلات النيوترونات السريعة، الطب النووي، وتقنيات الإشعاع، وحلول تحلية المياه للمناطق التي تعاني من الجفاف، حيث تمتلك روسيا أكثر من 40 عاماً من الخبرة العملية، وكذلك الأسطول الوحيد في العالم لكسر الجليد النووي، ومحطات الطاقة النووية العائمة الأولى في العالم.
ويضع عرض "روس آتوم" المتكامل الشركة في مكانة فريدة من نوعها لتكون قادرة على تحمل المسؤولية من جميع الجوانب للمشاريع النووية، من تطوير البنية التحتية لبناء محطات الطاقة النووية وصيانتها، وتدريب الموظفين وتمويل المشاريع، وفي النهاية تفكيك محطات الطاقة النووية. هذا الحل النووي المتكامل يجعل "روس آتوم" شريكاً مطلوبًا بشكل خاص للبلدان التي تدخل عالم الصناعة النووية، بما في ذلك دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل الأردن، وتركيا، حيث تنفذ "روس آتوم" الآن مشاريع لبناء محطات نووية، كما أن لديها عقد لتوريد اليورانيوم المخصب لمحطة الطاقة النووية في منطقة "براكة" في دولة الامارات العربية المتحدة.
ومع عقود من الابتكارات النووية الروسية الرائدة والخبرات العالمية الفريدة للشركة، فان روسيا و"روس آتوم" تلعبان دوراً هاماً في مساعدة العالم على مواجهة بعض التحديات الكبيرة في مجال الطاقة مع تقنيات وحلول اجتازت اختبار الزمن. وهكذا، وبعيداً عن الخوض في أمجادها الماضية، فان مسيرة السبعين عاماً النووية الروسية تدخل مراحلها الأكثر أهمية.
- اكتب تعليق
- تعليق