ألفة السلامي في ثورة جسد: قصة صراع ضد السرطان وأمل انتصار الثورات العربية
ماذا يحدث في النفس عندما تنفجر الثورات العربية تباعا فيما يهجم على الجسم داء السرطان، في آن واحد؟ تتلاحق المشاعر والأحاسيس وتتمازج الصور والأصوات، من شارع بورقيبة في تونس، الوطن الأم، وميدان التحرير في القاهرة، البلد الحاضن، ومن بنغازي وطرابلس، ويأتي رجع الصدى من أجنّة صفاقس، مسقط الرأس، ومن الأحبّة من كلّ أرجاء المعمورة. «ثورة جسد» كتاب ألفة السلامي، الإعلامية التونسية، المقيمة لأكثر من ربع قرن بمصر، يختزل معا صراع الجسم والروح ضد المرض وانتشاء الأمل بانبلاج فجر الحرية والديمقراطية في الوطن العربي. من تجربتها التلفزيونية تعلّمت ألفة أن تكتب بالصورة، فيأتي النص وكأنه سيناريو ترافقه الكاميرا لتركز على مشاهد معينة ومن زوايا غير معهودة، ترسل الخيال حتى يتصوّر الذهن ما لا تكتفي به العين، فهي تنتقي المفردات بدقة، وتجيد صياغتها بسلاسة وتجعل الجمل والتراكيب تنساب في وصلات تشدّك إليها بكل أحاسيسك.
جيل الطليعة
يدخل القارئ عالم ألفة السلامي وهي تكتشف إصابتها بالمرض الخبيث «اللي ما بيهزرش» كما يقول اخواننا المصريون، وتتأهب للجراحة ولجرعات العلاج الكيمياوي، وتصاحبها في خضم الأمواج البشرية المتلاحمة في ميدان الثورة، وينصهر كل ذلك في رصيد وقائع من قصة حياة، ترويها بعفوية خالصة لتصف بدقة ما تعانيه وما يختلج في نفسها من مشاعر. تعود بنا ألفة إلى سنوات شبابها الحركيّ مع اخوانها التقدميين في نادي السينما بصفاقس الذي أنجب جيلا طلائعيا برز من بينه النوري بوزيد ومحمد دمق والمنصف ذويب وغيرهم من الذين تصدروا الحركة الطلابية وقاسوا ويلات السجون والاضطهاد، وتلمّح إلى حماس رفقائها في دار المعلمين العليا بسوسة وتكشف عن قصة حبّها مع المحامي المصري التقدّمي الأستاذ طارق نجيدة الذي لم يكتف بسبي قلبها وإنما عرف أيضا كيف يستهويها لحب مصر.
دوما على خط النار
لمعت ألفة السلامي على شاشة التلفزيون في القنوات التلفزية المصرية ثم انطلقت مع شبكة APTN العالمية موفدة خاصة إلى كل بؤر التوتر في الوطن العربي وأدغال إفريقيا وجابت اليمن والخليج والجولان ودارفور، ولم تنعقد قمة عربية، ولم تندلع حرب دون أن تهرع إليها لتنقلها إلى ملايين المشاهدين، وقد أهّلتها جرأتها وخبرتها لتتصدّر المراتب الأولى وتصبح مديرة تحرير. تألقت بالخصوص في إسناد البرنامج التلفزيوني الشهير «تكلّم» الذي كانت تقدّمه لميس الحديدي على الفضائية المصرية، واستجابت ألفة السلامي لهواية الصحافة المكتوبة فكانت لها تجربة قيّمة في العديد من الصحف ومن بينها «الأهرام»، وهي اليوم مديرة التحرير العامة لصحيفة «العالم اليوم» المصرية ولا تهدأ لها حركة في مجال الإعلام.
وعلى الرغم من تعدد رحلاتها المكوكية إلى جبهات التوتر، فقد تمكنت ألفة السلامي من رعاية ابنيها سمر ومحمد، والسهر على تربيتهما وتألقهما الدراسي. سمر، تخرجت من الجامعة الامريكية بالقاهرة في مجال الاعلام قبل أن تواصل دراستها بالولايات المتحدة الأمـــريكية لتعـــود، إلى القاهــــرة، صحفيّة تلفزيونية هي اليوم في أوج تألقـــها على قنــاة التحرير، «TEN» وأستاذة اتصال بالجامعة الأمريكية، أما محمد فهو يتأهّب للدخــول إلى الجامعة فيما يواصل رفيق درب ألفــة الأستــاذ طارق المحامي نضالاته السياسيّة لإنجاح الثورة المصرية. بين الخاصّ والعام، بين حياتها الأسرية وعملها الصحفي وبين انتصارها للثورات العربية و مصارعتها للمرض يتشكّل كتاب «ثورة وجسد» رواية أدبية وسيرة ذاتية بنضج مشاعر وأحاسيس، تصوغها ألفة السلامي بكل فنّ وإبداع.
- اكتب تعليق
- تعليق