قراءة في الجانب العسكري من مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ

قراءة في الجانب العسكري من مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ

ينظر مجلس نوّاب الشعب، هذه الأيّام، في مشروع القانون الأساسي المتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ الذي يرمي أساسا لتلافي نقائص الأمر عدد 50 لسنة 1978 وخاصّة عدم تناسب ما جاء فيه مع دستور 27 جانفي 2014 وذلك لتحقيق متطلّبات حفظ النظام والأمن العام بالبلاد دون المساس بالحقوق والحرّيات الفرديّة والجماعيّة.

وتطرّق القسم الثاني من مشروع القانون هذا، إلى تدخّل قوّات الجيش الوطني في إطار حالات الطوارئ المعلنة أي في مهام حفظ النظام أو إعادة استتباب الأمن العام. ونظرا لحساسيّة الموضوع وأهمّية تداعيّاته على الوحدات العسكريّة المدعوّة لتلك المهامّ، تأكّد واجب الاسهام في توضيح بعض الجوانب الهامّة من هذا القانون واقتراح ما يساعد على تحقيق المعادلة الصعبة، تمكين قوّات الأمن الدّاخلي مدعومة بوحدات الجيش الوطني، من التدخّل بنجاعة لحفظ النظام العام وحماية الممتلكات الخاصّة والعامّة وذلك في إطار القانون ودون المساس بالحقوق والحرّيات الفرديّة والعامّة.

حول الفصل 13

يحدّد هذا الفصل، الهدف من تدخّل قوّات الجيش في حالات الطوارئ" دعم قوات الأمن الدّاخلي في حماية النظام العام أو إعادة استتباب الأمن" ثمّ يبيّن طريقة تحقيق ذلك "من خلال تأمين المقرّات السياديّة والمنشآت الحسّاسة والدوريّات المشتركة على كامل التراب الوطني بالتنسيق مع قوات الأمن الدّاخلي".

بالفعل، تتمثّل مساهمة الجيش الوطني في مهام حفظ النظام فيتأمين نقاط حسّاسة، يتمّ الاتّفاق حولها مسبّقا بين قيادات كلّ من الجيش الوطني وقوات الأمن الداخلي.وذلك ما جرى به العمل منذ سنوات عديدة وكذلك خلال أحداث الثورة 2010-2011. فخلافا لما يعتقد العديد، خاصّة في صفوف النخبة وأصحاب القرار، لا يمكن تكليف وحدات الجيش الوطني بمهامّ حفظ النظام كما تتولاّها قوات الأمن الدّاخلي أو عوضها، ويعود ذلك للأسباب الموضوعيّة التاليّة:

  • يتطلّب حفظ النظام، في غالب الأحيان، من القائمين به التعامل مع الجمهور، من تثبّت في الهويّات وتفتيش للأفراد والسيّارات والمحلاّت وغيرها. ويتطلّب ذلك من الناحية القانونيّة أن يتمتّع العون بصفة الضابطة العدليّة وهو ما لا يتوفّر في العسكريين، وبذلك لا يمكن قانونا تكليف هؤلاء بمهامّ تتطلّب منهم التعامل مع الجمهور.
  • في التعامل مع الجمهور، المطلوب من الأعوان التّدرّج في اللجوء إلى وسائل القوّة المجهّزين بها، لفرض احترام القانون وعند الاقتضاء، تفريق الجمهور ومنعهمن الاستيلاء على المكاسب الخاصّة والعامّة أو الإضرار بها. ولذلك تجهّز قوات الأمن الداخلي بأكثر من وسيلة تدخّل، من العصا إلى الحواجز إلى مدافع الماء البارد ثمّ الساخن، إلى القنابل المسيلة للدّموع، إلى المدافع الصوتيّة إلى الأسلحة الناريّة بالذخيرة الخلّب وغيرها، وذلك قبل الوصول، في حالات قصوى ونادرة جدّا، إلى استخدام الأسلحة الناريّة والذخيرة الحيّة ممّا يؤدّي أحيانا لإلحاق أضرار بدنيّة للمتظاهرين وحتّى لإزهاق أرواح بعضهم. ويبقى أعوان قوّات الأمن الدّاخلي، وفي كلّ الحالات، مطالبون بتوخّي مبدأي التدرّج والتناسب في اللجوء للقوّة إذ أنّ مهامّهم تهدف لحفظ النّظام والأمن العام مع حماية المواطنين الذين مهما صدر عنهم من عنف وتجاوزات للقانون، لا شيء يبرّر التعامل معهم كعدوّ واجب القضاء عليه في أقرب وقت وبأيّة وسيلة توفّرت كما هو الحال بالنسبة لقوّات الجيش الوطني وهي تنفّذ عمليّات عسكريّة. وبطبيعة الحال تتلقّى قوّات الأمن الدّاخلي التدريب الضروري على ذلك ممّا يخلق لديهم عقليّة معيّنة تتميّز بسعيهم لأداء مهام حفظ النظام مع الحرص الشديد على حماية المدنييّن وتجنّب الإضرار بهم وذلك باستعمال القدر الأدنى الضروري والمتناسب مع التهديد من القوّة يمكّنهم من تحقيق تلك الأهداف لا أكثر. في المقابل، يختلف الأمر تماما بالنسبة للعسكرييّن، فبالإضافة لعدم تمتّعهم بالصّفة القانونيّة "الضابطة العدليّة" التي تسمح لهم التعامل بالنّجاعة المطلوبة مع الجمهور، فهم غير مجهّزين إلاّ بسلاح ناري وذخيرة حيّة، درّبوا على استعماله بكلّ دقّة وقوّة للقضاء على الطّرف المقابل "العدوّ" في أقصر الآجال ولا مجال لهم لاتّباع مبدأي لا التّدرّج ولا التّناسب مع التهديدات، بل العكس. ففي حين يدرّب ويجهّز عون الأمن ليحافظ على حياة الطرف المقابل، في هذه الحالة المواطن، يدرّب العسكري على القضاء على الطرف المقابل، العدوّ، بكلّ الوسائل وفي أقرب وقت، في كلّ الحالات قبل أن يقضى عليه.

ولتلك الأسباب يبقى العسكريّ، قانونا وتجهيزا وتدريبا ومن حيث عقليّة القتال، غير مؤهّل لمهامّ حفظ النظام ويكون من الخطإ الجسيم توظيفه مكان عون الأمن، وبطبيعة الحال العكس بالعكس إذ لكلّ من العسكري وعون الأمن خصوصيّاته ومهامّه وتجهيزاته وعقليّته المتباينة جدّا، تجعل كلّا منهما غير قابل للتبادل وتعويض الواحد منهما للآخر في أداء مهامه الخصوصيّة.

(Les forcesmilitaires et celles de sécurité intérieurene sonten aucun cas interchangeables).

فلتلك الاعتبارات الموضوعيّة، تعيّن حصر تدخّل وحدات الجيش الوطني، في إطار حفظ النّظام، فيدعم قوّات الأمن الدّاخلي دون ذلك، من خلال تولّيها كما سبق بيانه، حماية النقاط الحسّاسة التي يتمّ الاتّفاق عليها بين القيادات. ولابدّ للمشرّع من أخذ هذه المعطيات في الاعتبار في صياغة مشروع القانون الحالي. ذلك فيما يتعلّق بالمضمون.

أمّا فيما يتعلّق بصياغة نصّ المشروع الحالي، وبخصوص مهام الجيش الوطني المبيّنة في هذا الفصل 13، فكان يمكن اعتبارها عموما مطابقة للمفاهيم المبيّنة أعلاه لو لم يتضمّن النصّ "والدوريّات المشتركة على كامل التراب الوطني". هذا الجزء من الفقرة أدخل الكثير من الغموض على المضمون، حيث من غير المفهوم كيف يمكن لوحدات الجيش الوطني دعم "الدوريّات المشتركة"، في حين أنّها، الوحدات العسكريّة، تشارك في ذات الدّوريّات في آن الوقت، بما أنّها مشتركة. أمّا وإن كان المقصود هو "مشاركة وحدات الجيش الوطني في دوريّات مع قوّات الأمن الدّاخلي" واعتبار ذلك دعما لذات القوّات،ورفعا للالتباس، يتوجّب في تلك الحالة، إعادة صياغة الفقرة لتصبح كالتالي:"دعم قوات الأمن الدّاخلي في حماية النظام العام أو إعادة استتباب الأمن من خلال تأمين المقرّات السياديّة والمنشآت الحسّاسة وكذلك القيام، في المناطق المشمولة بإعلان حالة الطوارئ، بدوريّات مشتركة مع قوات الأمن الدّاخلي". 

وبذلك يصبح الفصل 13 كما يلي: "عند الضرورة، يأذن رئيس الجمهوريّة بعد مداولة مجلس الأمن القومي بتدخّل قوّات الجيش بهدفدعم قوات الأمن الدّاخلي في حفظ النظام العام أو إعادة استتباب الأمن وذلك من خلال تأمين المقرّات السياديّة والمنشآت الحسّاسة المتّفق عليها وكذلك القيام، في المناطق المشمولة بإعلان حالة الطوارئ، بدوريّات مشتركة مع قوات الأمن الدّاخلي".

حول الفصل 15

طبقا لهذا الفصل، " تلزمالقوّات المرخّص لها في حمل السلاح واستعمال القوّة بتنفيذ الأحكام الواردة بهذا القانون وفق المبادئ الأساسيّة لاستعمال القوّة وضوابط استعمال الأسلحة الناريّة المقرّرة قانونيّا ".

ويثير هذا الفصل الملاحظات التاليّة:

  • لا يوجدفي القانون، إلى حدّ علمي، ما يمكن تسميته "بالمبادئ الأساسيّة لاستعمال القوّة" ولا ما يعتبر "ضوابط استعمال الأسلحة الناريّة" في مثل هذه الحالات، وبذلك لا تستقيم الاشارة إلى تلك المبادئ والضوابط باعتبارها "مقرّرة قانونيّا" وهو لم يحصل، وإن حصل تقنينه لماذا لا ينصّص عليه بالتحديد. ونظرا للحاجة لتعديل تلك المبادئ وخاصة "ضوابط استعمال الأسلحة الناريّة" أي ما يعرف "بقواعد الاشتباك" حسب تطوّر الأوضاع، من المقترح التنصيص عليها باعتبارها صادرة عن القيادات المركزيّة، أي وزيري الدفاع والداخليّة وهو ما يضفي عليها الصبغة "القانونيّة" أو التنصيص عليها صراحة في هذا القانون ذاته.
  • من ناحية أخرى، قد يتطلّب الوضع من وحدات الجيش الوطني تنفيذ عمليّات عسكريّة، زمن الإعلان عن حالة الطوارئ، لكن خارج إطار حفظ النظام والأمن العام، في الحرب على الإرهاب مثلا وفي مناطق غير معنيّة بإعلان حالة الطوارئ. وبطبيعة الحال لا يمكن لها، في تلك الحالة، أصلا التقيّد بنفس "مبادئ استعمال القوّة وضوابط استعمال الأسلحة الناريّة" المعتمدة في إطار حالة الطوارئ.

ولتفادي كلّ لبس في تفسير وتطبيق هذا الفصل من مشروع القانون المعني، من المقترح إعادة صياغة هذا الفصل 15 حتّى يكون على النحو التالي:

"تتقيّد القوّات المرخّص لها في حمل السلاح واستعمال القوّة في تنفيذ الأحكام الواردة بهذا القانون، بالمبادئ الأساسيّة لاستعمال القوّة وقواعد الاشتباك الصادرة عن قياداتها المركزيّة".

ذلك مع اعتبار "المبادئ الأساسيّة لاستعمال القوّة وقواعد الإشتباك" قانونيّة طال ما كانت صادرة عن قياداتها المركزيّة أي الوزراء التابعة لها تلك القوّات.

كلّ الدّعم لحماية الحرّيات، لكن ماذا عن حماية العسكريين أثناء أداء مهامهم تلك؟

من بين أهمّ أهداف مشروع القانون هذا، حماية الحقوق والحرّيات الخاصّة في حالة إعلان حالة الطّوارئ، وهو أمر إيجابي جدّا وجدير بكلّ التنويه والدعم. إلاّ أنّ هذا المشروع تغافل عن حماية العسكريين المشاركين في مهامّ حفظ النظام. للتذكير تجدر الإشارة إلى أنّه بعد أكثر من 8 سنوات، لازال إلى هذا اليوم عدد من العسكريين من مختلف الأصناف، ضبّاط، ضبّاط صفّ وجنود، وبعد العديد من الجلسات والأحكام، في كلّ درجات التقاضي من ابتدائي واستئناف وتعقيب، لازال أولائك العسكريّون يواجهون القضاء بمفردهم بسبب تهم تتراوح بين القتل العمد والعنف الناتج عنه الموت وغيرها، تهم وجّهت لهم إثر حصول أضرار بدنيّة لمواطنين بمناسبة تدخّلهم في إطار أداء مهامّ كلّفوا بها طبقا لأوامر صدرت إليهم من قيادتهم ذات ليلة 15/16 جانفي 2011. ورغم الفصل 42 من المجلّة الجزائيّة الذي ينصّ على أنّه " لا عقاب على من ارتكب فعلا بمقتضى نصّ قانوني أو إذن من السلطة التي لها النظر"، في حاكم أولائك العسكريّون على معنى الفصلين 217 و218 من المجلّة الجنائيّة حالهم حال مجرمي حقّ عام تصرّفوا لحسابهم الخاصّ، بينما يتعلّق الأمر بجنود ينفّذون أوامر قيادتهم في إطار إعادة استتباب الأمن العام وحماية المواطنين ومكاسبهم، نعم جنود تصرّفوا طبقا لقواعد الانضباط المنصوص عليه بالدستور في تعريف الجيش الوطني في فصله 18 الذي نصّ على أنّ " الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوّة عسكريّة مسلّحة قائمة على الانضباط، ..." ، الانضباط باعتباره قوّة الجيوش والذي شدّدت عليه كلّ النصوص القانونيّة العسكريّة في كلّ الدّنيا. طبعا على العسكريين تحمّل نتائج أعمالهم، لكنّ مبادئ العدل والمنطق تقول بتحمّل المرء مسؤوليّة نتائج أعماله الصادرة عن إرادته، لمّا يكون هو نفسه صاحب القرار الذي أدّى لتلك النتائج ولا مجرّد منفّذ لأوامر رؤسائه. كيف يحمّل العسكري نتائج تنفيذ الأوامر التي في نفس الوقت يسأل عن مجرّد التردّد أو التقاعس في تنفيذها؟ أمّا عن احتمال حصول سوء تقدير للموقف عند الحادثة وردّة الفعل ممّا أدّى لتلك الأضرار فذلك وارد أيضا، من قال أنّ العمليّات العسكريّة الميدانيّة علما صحيحا، إنّها اجتهاد وردّة فعل في لحظة وجيزة لموقف غالبا ما يتميّز بالغموض الشّديد كما كان الشأن تلك الليلة. أمّا جبر الأضرار فيبقى ضروريّا وعلى الدّولة تحمّله بالكامل ولا يعقل إلقاء المسؤوليّة على أضعف حلقة من السّلسلة كما هو في قضيّة الحال. طبعا إن ثبت تعمّد العون مخالفة التعليمات ممّا أدّى لإلحاق ضرر ما بطرف آخر، فلا مناص في تلك الحالة من تحميل العون المسؤوليّة كاملة، مسؤوليّة مخالفة التراتيب أو التعليمات العسكريّة ممّا نتج عنه كذا من أضرار.

والمقصود من وراء التّعرّض لهذا المثال، هو لفت انتباه المشرّع إلى النقص الفادح في الترسانة التشريعيّة الخاصّة بالمسؤوليّة الجزائيّة الشخصيّة للعسكرييّن حيث لابدّ من سنّ تشريع واضح يحميهم من تبعات تدخّلاتهم مادامت تنفيذا لأوامر القيادة وطبقا للقوانين والتراتيب المعمول بها في الجيش. ومن البديهي أنّ القيادة العسكريّة هي المؤهّلة للبحث والتحرّي وإقرار مدى احترام العسكري للقوانين والتراتيب العسكريّة المعمول بها في المؤسّسة العسكريّة.

وبناء على ما سبق، تبرز الحاجّة الملحّة للتّنصيص، في هذا القانون أو قانون آخر، بوضوح على عدم مسؤوليّة العسكري، لا مدنيّا ولاجزائيّا، عمّا ينتج من أضرار جرّاء تطبيقه لأوامر القيادة، ما دام تصرّفهم طابقا للنّصوص والتراتيب المعمول بها في المؤسّسة العسكريّة. بهذه الطريقة فقط ترفع هذه المظلمة، ينشر العدل، وتعزّز ثقة العسكريّين وكذلك المواطنين، في مؤسّستهم وفي وطنهم ويحفّزون على مزيد البذل والتضحيّة من أجله.

-حفظ الله تونس –

محمد المؤدب

أمير لواء (م)

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.