المختار اللواتي: ارحلوا.. المواطنون قادمون

المختار اللواتي: ارحلوا.. المواطنون قادمون

فصْلُ الخطابْ، أنْ لا قضاءَ على الإرهاب ولا نجاح للمسار الديمقراطي مادامت آلاف الجمعيات تسرح وتمرح في البلد، وفي الأحياء والشوارع الخلفية لمدنه وقراه بتعلّة تقديم العون للمساكين المحتاجين، في غفلةٍ من مؤسساتِ الدولة، أو بتواطؤ من أطرافٍ فيها!

إن تخَلُّفَ الدولة عن الاضطلاع  بدورها في تحقيق التنمية الشاملة وإقامة العدل بين مواطناتها ومواطنيها وإعلاءِ القانون فوق الجميع، هو المشجع الأساسي لحركات الإسلام السياسي لاستغلال ذلك الفراغ بنشر جمعياتها المسماة باطلا "خيرية" لاختراق النسيج الإجتماعي والتمكن من أفئدة ثم من عقول عائلاتٍ بأكملها، من أجل توظيفها، بل تجنيدها لخدمة أهدافها عند الحاجة. والحاجةُ عند تلك الحركات متعددةٌ متنوعة، لعل الإرهاب صورتها الأبشع، فكريا كان أو ماديا!

للمرة الألف نقول، لا نجاح لمسارٍ ديمقراطي سليم، ولا أمل في إرساء نظام ديمقراطي مواطني غيرِمشوَّه، في ظلِ تساهلِ الدولة وغضِ طرفِها عن تلك الجمعيات المشبوهة.

إن جمعيات "الخير" ذات العدد المفزع بالآلاف والتي مافتئت تجوب البلاد طولا وعرضا، في مختلف المناسبات، وخاصة عند التحضير للانتخابات، وما أدراك ما الأنتخابات، هي معاول هدم للدولة الوطنية. وهي أدوات إذلال وسلب لكرامة المواطنات والمواطنين بشكلٍ مباشر. وهي في النهاية آلياتٌ جهنمية لغسل الأدمغة وانتزاع روح المواطنة، ولزرع وإنماء نزعة التعصب والانغلاق والتفرقة. وهي المداخل المفرِّخة والمشرعِنة للإرهاب.

كثيرا ماترددت عبارة تجفيف منابع الإرهاب، إنطلاقا من تصاريح مسؤولين حكوميين ومن قرارات بعض الدول الكبرى. وقد كان القصد الظاهر منها في الغالب، تجميد الأرصدة المالية للمشتبه في ضلوعهم في الإرهاب، بأي شكل كان. ولايخلو الحال من بعض الإجراءات الأخرى. غير أنّ الإرهاب يظل مع ذلك يتمتع بالتمويل وبالدعم، والأخطر باستمرار الاشتغال على تفريخ إرهابيين جدد أو مشاريع إرهابيين.

إنّ أرحام هذا التفريخ متعددة. ولكن أخطرها هي تلك الجمعيات التي تناسلت بالآلاف في بحر السنوات الثماني الماضية تحت غطاء فعل الخير ونشر مباديء التراحم والتآزر في المجتمع، وهي منها على طرفي نقيض. إنها لاتفعل سوى تسريب السم في العسل لأولئك البسطاء الفقراء المهمَّشين، في أحيائهم وفي مناطقهم المنسية من أنظمة الحكم المتعاقبة. وقس على ذلك الكثيرَ من المساجد التي اقتحمها الإسلام السياسي حتى أصبحت في بعض الأوقات بمثابة قاعات عمليات تخطط وتدير مااصطُلح على تسميته بالغزوات. ومازالت منابر الكثير منها أصواتا لتعداد فضائل الإرهاب تحت مسمى الجهاد، فيما تواصل وزارة الشؤون الدينية تكرار أنّ كل المساجد تحت السيطرة، دون أن تحدد تحت سيطرة من!

هل يمكن أن نتحدث عن كرامةٍ لمواطنات ومواطنين يعيشون على لقمةٍ تأتيهم من جمعيات تبتزهم في حريتهم للاستحواذ على أصواتهم ساعة الانتخاب، فيُمضُون بذلك وثيقةَ إدامةِ فقرِهم وخصاصتِهم، وبالتالي عبوديتهم لمصاصي دمائهم ومفَرِّقي شملهم وزارعي البغضاء بينهم ؟..

لاشيء أكثر تهديداً للتماسك الاجتماعي لأي شعب، من تخلِّي الدولة عن واجبها في صون كرامة مواطناتها ومواطنيها وفي توفير الحماية لهم من كل ابتزاز ومن كل تعدٍّ على حرياتهم وسلبٍ لإراداتهم!

إذا كانت نوايا تلكم الجمعيات "الخيرية" صادقة ونزيهة، فلتوجه مساهماتها، كما مساهمات الميسورين الوطنيين الخيِّرين، إلى هيئةٍ أو مؤسسةٍ تابعةٍ للدولة، وهي تتولى تنظيم المساعدات طبقا للاحتياجات، سواء تمثلت في صيانة وتأثيث مدارس أو وحدات صحية أساسية، أو وسائل نقل للتلاميذ، من وإلى مدارسهم، أو بعث مصانع صغيرة وغيرها. على شرط أن تكون تلك الأموال وطنية المصدر حفظا لكرامة الشعب بأسره من كل إذلال من أي جهة خارجية!

إنّ علقم الحسرة والألم الذي سَدَّ حلوقَنا وقبض على صدورنا، ذات أيام من أواخر شهر ديسمبر الماضي، لم يبارح أعماقنا إلى الآن. إن مأتاه كان من تلك الصورة القادمة من عمق خليجنا العربي. تلك الصورة الخنجر التي انغرست فينا لدى طوافها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي! إنها صورة تلك المرأة، بثيابها الرثة وسط عاصفة ثلجية بخلفية داكنة مخيفة، مكتوب عليها مامعناه، ساعدوا تونس! لقد قيل إن جمعية "خيرية"، مرة أخرى، هي أم الجمعيات، في بلد شقيق هو قطر، هي من علقت تلك الدعوة لطلب الإحسان لتونس في شوارع الدوحة، في غفلة من سلطاتها!!

صحيح أنّ وزارة الخارجية التونسية استاءت للأمر ولفتت نظر السلطات القطرية التي أمرت برفع المُعلّقة، ولكن وقعها الدامي مازال غائرا في أعماقنا! لأنه، لولا أن مدت جمعيات "الخير" تلك، التي تحدثنا عنها، لأكُفِّها تسولا وخنوعا واشتراكا في مخطط تدميري يستهدف الدولة الوطنية وسيادتَها من ناحية، ووحدةَ صفِ شعبِنا وإلحاقَ الذل والهوان بكرامته، من ناحية أخرى، لما تجرأت تلك الجمعية "الخيرية"، أم الجمعيات، على فعل مافعلته، وهي المقربة من نظام الحكم هناك!

ويبقى السؤال حارقا في الآخر، كما في الأول، هل تقدر وهل تنوي دولتنا بمنظومة الحكم القائمة عليها والماسكة بمؤسساتها، كما المنظومات السابقة، أن تنقِّي المجتمع من معاول تخريب نسيجه وهدم ما بقي من الدولة المدنية، وأن تنفذ القانون على الجميع من دون استثناء ؟..

الجواب، الآن كما كان سابقا، هو لن الزمخشرية، كما يقول النحاة، مادام الحال باقيا على حاله!!

إذن، لنمض إلى سؤال آخر فنقول، ما الحل؟ هل هذا هو قدرنا ؟ هل هانت علينا إلى هذا الحد كرامتُنا، وقد كانت أحدَ شعارات الجماهير التي غصت بها الشوارع والساحات في مختلف مدننا وقرانا، في مثل هذه الأيام من شتاء عام 2011 ؟..

الجواب كذلك، الآن كما كان سابقا، هو لا! ليس ما حلّ بنا واستوطن فينا وفي ديارنا، هو قدرنا!

الخلاصة..

مادامت منظومات الحكم المتعاقبة بأحزابها، وتكتلاتها وإئتلافاتها وتحالفاتها، قد  فشلت في تحقيق ولو اليسير من مطالب واحتياجات مواطنيها، فلن يبقى أمام أولئك المواطنين والمواطنات ونخبهم الوطنية النزيهة نظيفة الأيدي، إلا أن يأخذوا على عاتقهم مهمة تقويم المسار وإصلاح الأخطاء بمشروع سياسي صريح دقيق، ينقذ الدولة من الانهيار ويرسي المقومات الصلبة لدولة مدنية مواطنية مصانة السيادة تقوم على العدل والمساواة وتخلق وتنمِّي الثروة وتحقق كرامة الشعب بكل مواطناته ومواطنيه!

ويبقى السؤال الأخير باحثا عن جواب، ماهو السبيل لتحقيق تلك الغاية النبيلة؟

قناعتنا، أنّ لابديل عن صندوق الإقتراع وعن الخيار الديمقراطي سبيلا لتقويم المسار ورفع المظالم!

أكيد أنّ الشعب، وبالذات فئاته الفقيرة المهمشة، عانى وعانت الأمرَّيْن، غير إنه لم تبق إلا أمتار قليلة نقطعها لبلوغ ساعة الحسم. فلنشد الأحزمة للأشهر القليلة المتبقية، ولنكن صوتا واحدا يُرفع أمام تلك الجمعيات وهي تتأهب لحملاتها "الخيرية" الشيطانية من أجل كسب الأصوات لمواصلة امتصاص دماء أصحابها:

"لقد جرَّبناكم وخبِرنا أكاذيبَكم المرة تلو المرة. فلن تنطلي علينا هذه المرة..

خُذوا قففكم وأموالكم وارحلوا.. فلقد عزمنا أن نأخذ حقوقنا بأيدينا، بالتصويت لأناس منا وإلينا، عرفنا صدقهم ونقاوة مسيرتهم..

لن نموت جوعا إن صبرنا المزيد هذه الأشهر"!!

لاخيار للبلد إلا مواطنوه الوطنيون النزهاء، في صف واحد، لإنقاذه !

المواطنون قادمون!

المختار اللواتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.