أخبار - 2019.01.02

القروض الصّغرى: أكـثــر مـن 400 ألـف قــرض في مــوفّى جـوان 2018, حــلّ أم عـبء؟

القروض الصّغرى: أكـثــر مـن 400 ألـف قــرض في مــوفّى جـوان 2018, حــلّ أم عـبء؟

من بين التحديات  الهامة التي لا تزال تواجه المجتمع التونسي وتمثّل خطرا على التنمية هي الفقر وذلك عندما نعلم أنّ أكثر من 15 ٪ من الشعب التونسي يعانون الفقر والحاجة . ولمكافحة هذه الظّاهرة أحدثت عدة آليات اقتصادية ذات بعد اجتماعي مثل آلية التمويل الصغير للمشاريع قصد توفير مقوّمات عيش كريم للأفراد وللطبقات الفقيرة وإدماجهم في منظومة الإنتاج.  وسنتناول في هذا الملفّ هذه الآلية بالتحليل وخاصّة في بعديها الاقتصادي والاجتماعي ومدى تحقيقها للأهداف التي من أجلها بعثت.

التمويل الصغير أو متناهي الصغر كما يسمّى في بعض الدول هو نشاط حديث في تونس (أوّل قانون صدر سنة 1999) لكنّه آلية مطبّقة منذ فترة طويلة في العالم  وتوضع في خانة النماذج الاقتصادية الرائدة التي قدّمت نموذجا تنمويا مهمّا للدول الفقيرة. وبغاية مقاومة الفقر وتسهيل حياة الفقراء بتوفير التمويل الضروري لبعث مشاريعهم ، أحدثت بنوك متخصّصة في العالم سميت ببنوك الفقراء، أهمّها بنك «غرامين» في بنغلاداش  سنة 1983 وقد أحدثه صاحب فكرة التمويل الصغير محمد يونس منذ سنة 1976 وحصل بموجب هذا النموذج على عديد الجوائز العالمية  . ولعبت هذه الآلية دورا هامّا في تحسين وضع الفقراء المعيشي في الدول التي اعتمدتها وأصبحت لديهم مشاريع تدرّ عليهم دخلا يوفّر لهم كفاياتهم من العيش . ونظرا لأهمية هذا النموذج الاقتصادي عقدت له عدّة قمم نذكر منها  القمّة العالمية الاستثنائية بنيويورك سنة 2002 التي رفع فيها شعار « لا لمأساة الفقر في العالم ونعم للحياة الكريمة للفقراء»، وقمّة عمَان حول  الإقراض متناهي الصغر في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا سنة 2004 بمشاركة 75 دولة.

يعرّف المرسوم عدد 117 لسنة 2011 المنظّم لنشــــاط مؤسّسات التمويل الصغير، القرض الصغير بأنّه «كل قرض يهدف إلى المساعـــدة على الإدمــاج الاقتصادي والاجتماعي «يتمّ اسناده» لتمويل نشاط مدّر للدخل ومحدث لمواطن شغلو «لتمويل مستلزمات ظروف العيش» وينتفع بهذه القروض الأشخاص الطبيعيون الذين ينتمون إلى العائلات المعوزة والفئات الضعيفة ولهم القدرة على ممارسة نشاط اقتصادي أو الذين يتقنون مهنة أو حرفة أو نشاطا مدّرا للدخل» والذين لا يمارسون عملا مؤجّرا. فالتمويل الصغير عموما هو آلية لتوفير تمويل لفائدة الفئات الهشّة والفقيرة تساعدهم على تحسين ظروف حياتهم وتقلّص من التفاوت الاجتماعي لأنّ تلك الفئات لا تستطيع الحصول على تمويل لأنشطتها الاقتصادية من البنوك . كما تساهم الآلية في تمتّع أكبر عدد من التونسيين بالخدمات المالية التي تناسب حاجياتهم، إذ لا تتجاوز نسبة المتمتّعين بالخدمات المصرفية في تونس 36 ٪ من السكان البالغين (حسب دراسة للبنك الدولي سنة 2015) ويؤكّد ذلك تقرير للبنك المركزي التونسي حول الإدماج المالي لسنة 2017  يذكر أنّ ما بين 30 ٪ و 40 ٪ من السكّان البالغين (ما بين 2.5 و3,5 مليون فرد) لا يحصلون على الخدمات المصرفية التقليدية في حين أن التمتّع بالخدمات المالية يؤثّر إيجابا في تطور التشغيل والاستهلاك وهو دعم للنسيج الاقتصادي ومحرّك رئيسي للنموّ .

وقد أسسّ المرسوم 117 ما يسمّى بمؤسّسات التمويل الصغير المقسّمة إلى صنفين، صنف المؤسّسات في شكل جمعيات وصنف المؤسّسات في شكل شركات خفية الاسم. وتعمل في القطاع حاليا 6 شركات خفية الاسم مرخّص لها  في النشاط في مجال المشاريع الصغرى هي : «تيسير ميكروفيننس» في مارس 2014 ولها 5 فروع، و«ميكروكراد تونس» في أكتوبر سنة 2014 ولها 12 فرعا ، و«أدفانس تونس» في جانفي 2015 ولها 10 فروع، و«المركز المالي للباعثين (CFE) في أفريل 2015 وله 5 فروع،  و«الزيتونة تمكين» في شهر ماي من سنة 2016 ولها 10 فروع، و«إندا تمويل» في ديسمبر من سنة 2015 ولها 82 فرعا. وتنتشر تلك الشركات في كافة أنحاء التراب التونسي بفروعها الثابتة والمتنقّلة التي يبلغ مجموعها 140 فرعا . أمّا مؤسّسات التمويل الصغير في شكل جمعياتي فلا يزيد عددها على اثنتين هما جمعية دعم التنمية الذاتية «أسد» (رخّص لها سنة 2015) ولها 4 فروع  وجمعية القيروان للتنمية المندمجة AKDI ولها فرعان.

قانونان ينظّمان القروض الصغرى

توفّر الجمعيات التنموية المتدخلة في إسناد القروض الصغرى موارد رزق للفئات الهشّة.وقد بدأت في استعمال آلية القروض الصغرى في مشاريعها التنموية منذ 1997 إلّا أنّ أولّ قانون منظّم لهذا النشاط لم يصدر إلّا سنة 1999 (القانون 67 - 99 )  وهو يتعلّق بالقروض الصغرى التي تسندها الجمعيات «لتمويل اقتناء معدّات صغيرة ومدخلات ضرورية للإنتاج أو في شكل مال متداول...ولتمويل مستلزمات تحسين ظروف العيش». ووفق قانون 1999 أنشئت جمعيات التمويل الصغير وكان عددها 6 في البداية وأصبحت 250 سنة 2010 لكنّها حسب السيد رضا السكرافي الباحث في القانون الخاص والمختصّ في قانون الجمعيات «لم تنجح ولم يكن لها وقع ولا ثقل اجتماعي وما طرحته من مشاريع لم يكن مهما».  وجاء المرسوم 117 لسنة 2011 ليعيد تنظيم ممارسة الجمعيات لنشاط الإقراض وأوكل القانون تمويل الجمعيات إلى بنك التضامن وأوكلت عملية الضمان للصندوق الوطني للضمان. وهي تخضع في نفس الوقت لقانون الجمعيات عدد 88 لسنة 2011.وقد عرفت عدّة جمعيات وضعية مالية صعبة عندما أوقف بنك التضامن تمويلها بداية من 2013 تطبيقا للمرسوم 117 وبسبب عدم مواكبتها للتشريع الجديد رغم تمديد الآجال. ولم يستأنف التمويل إلّا في آخر سنة 2014 .

وتبعا لما جاء في المرسوم 117 والنصوص التطبيقية التي تلته وآخرها قرار وزير المالية المؤرّخ في 13 أفريل 2018 تضاعف المبلغ الأقصى للقرض بالنسبة إلى الجمعيات مع المحافظة على نسبة الفائدة المحددة بـ 5 ٪ يضــاف إليــهــا نسبة 2.5 ٪ مصاريف دراسة الملف. وإضافة إلى قروض تحسين ظروف العيش فقد استفادت من القروض عدّة قطاعات أهمّها الفلاحة والمهن الصغرى والخدمات والصناعات التقليدية والتجارة. وتوّزعت تلك القروض على كل الجهات وخاصّة الشمال والوسط وبلغت حصّة المرأة منها  52,2 ٪ . وبلغت نسبة الاستخلاص حوالي 80 ٪  في حدود سنة  2016. وحسب محرار سلطة الرقابة لشهر سبتمبر 2018 تعمل في المجال اليوم  195 جمعية تنموية منها 130 أسندت قروضا صغرى في السداسي الأول لسنة 2018 .وقد ساهمت تلك المؤسّسات الجمعياتية في النشاط التمويلي بشكل مهمّ ويؤكّد رئيس جمعية التنمية الذاتية «أسد» السيد نوري دربال أنّ جمعيته أسندت ما يزيد عن 15 ألف قرض صغير وحقّقت المشاريع التي أقرضتها نجاحا تامّا. وقيّم هذا الإقبال بقوله: «كلّما أقرضنا تلك الفئة الهشّة بأسعار مناسبة يزيد إقبالها على المشاريع وتكون فيها مردودية اقتصادية».

الشركات تتوسّع في سوق الإقراض

خوّل المرسوم 117 ولأوّل مرّة لمؤسّسات القرض الصغير أن تعمل في شكل شركات خفية الاسم.وبذلك أصبحت تلك المؤسّسات فاعلة في ميدان الإقراض إلى جانب الجمعيات. وتعمل تلك الشركات تحت رقابة هيأة للرقابة أحدثها المرسوم ومهمّتها الأساسية رقابة نشاط مؤسّسات القرض الصغير هي «سلطة رقابة التمويل الصغير».
وجاء قرار وزير المالية في أفريل 2018  ليضاعف حجم القروض الصغرى التي تسندها الشركات والتي حدّدت سابقا. لكن النصوص القانونية لم تحدّد سقفا لنسبة الفائدة السنوية الموظّفة على القروض الصغرى التي تسديها الشركات مثلما حدّدت نسبة الفائدة بالنسبة إلى القروض التي تسندها الجمعيات. وبدأت تلك الشركات تتوسّع شيئا فشيئا في سوق الإقراض الصغير باعتبار أنّ المنافسة مع الجمعيات غير متوازنة نظرا لقدراتها المالية الهامّة (أسندت الشركات 160 ألف قرض صغير سنة 2017 بينما لم تسند الجمعيات سوى 48 ألف سنة 2016 مثلا ) فهي ممّولة من قبل عدّة جهات كالبنوك والمؤسّسات الصناعية وشركات تأمين وشركات إيجار مالي ومن شركاء أجانب مثل البنك الإسلامي للتنمية والبنك الأوروبي للاستثمار والوكالة الفرنسية للتنمية وصناديق استثمار وجمعيات أجنبية.

خالد الشّابي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.