ثقافة - 2018.11.26

المعـرض الوطني للكتاب التّـونسي: الكتاب التّونسي بين العرض الفكري والعـرض الــتّجـاري

المعـرض الوطني للكتاب التّـونسي: الكتاب التّونسي بين العرض الفكري والعـرض الــتّجـاري

أعلن المعرض الوطني للكتاب التّونسي عن تصدّره عمق المسألة الفكريّة لوضع الكتاب التّونسي. إلاّ أنّه في دورته الأولى طرح إشكالا ملفتا على مستوى مبرّراته وصياغته لوضع الكتاب في تونس، من زاوية القطاع نفسه ولكن أيضا مقارنة بتعامل السّياسي مقارنة بينه وبين القطاعات الأخرى.

فإذا تمعّنّا في وضع الكتاب التّونسي، نلاحظ أنّه لا يشكو من ضعف قلّة الإقبال عليه ولكنّ صعوباته تتّسم بما يواجهه من تحديات طارئة: الطّفرة المعلوماتيّة وتعدّد الوسائط والإلكترونيّات بشكل عامّ.

كما أنّه يلاقي صعوبات على مستوى النّشر وحقوق التّأليف ووضع الكاتب والباحث في بلاد لا تزال مهنة الكتابة فيها تمارس بعنوان الهواية والنّشاط الثّانوي في أوقات الفراغ.

ما الذي دعا وزارة الشّؤون الثّقافيّة إلى إحداث تظاهرة مثل المعرض الوطني للكتاب، في فترة انتكاس اقتصادي وفي غياب ثقافة القراءة والمطالعة لدى التّونسيّين(معدّل القراءة لا يتعدّى ثلاث دقائق في السّنة)؟

نقرأ في ورقة تقديم المعرض ما يلي: «شهدت السّياسة الثّقافيّة مع حكــومة الوحـــدة الوطنـــيّة انتعـــاشة متميّـــزة للـــوعي بقيمـــة الرّهـــان الثّقـــافي في كافّة مجالاته، ومن بينها قطاع الكتـــاب في مختلف مراحله: إبـــداعا ونشـــرا وقــــراءة».

من المنطقي أن تفكّر السّلطة السّياسيّة، في أعلى مستوى، في رعاية الكتاب ونشره وعرضه للعموم لئلاّ يبقى في رفوف المكتبات ومخازن النّاشرين. كأن يكون ذلك تيقّظا للتّحدّيات التي يواجهها الكتاب الوطني والقادمة بصفة خاصّة من عوالم الفضاء الافتراضي التي يغري العموم بالمنشورات بجميع أشكالها وتيسّرها عن طريق التّحميل المجاني. هذا فيما يخصّ الجانب التّجاري لاقتناء الكتاب. أمّا من النّاحية الفكريّة، فإنّ القارئ التّونسي ليس متحصّنا بما يكفي لمقاومة الإغراءات الإيديولوجيّة التي تستهــدف الفئات العمريّة الهشّة أي الشّباب المراهق، عبر الفضـاء الافتـــراضي.

من هـــذه الزاوية يتّضـــح أنّ تنظـــيم معرض وطني للكتاب التّونسي يتّســـم بأهمّيّة بالغــة باعتباره يطمح إلى وضع الكتاب في الواجهــة اليـوميّة وفي فضـاء اعتباريّ هــو مدينة الثّقـافة التي استقطبت الكثير من الــرّوّاد في مرحـلة قيـــاسيّة أي بعد أقلّ مــن سنة على تـدشينها.

على أنّ هذه المبرّرات - على منطقيّتها - تقود حتما إلى تساؤلات حول الأسباب الحقيقيّة والخلفيّة الداعية إلى تأسيس المعرض الوطني للكتاب التوّنسي. لماذا هذا المعرض الآن وهل من دوافع موضوعيّة لبعثه، تجاوزا للإشكالات التي تشدّد على الإرادة السّياسيّة الدّاعمة؟

من المفترض أنّ تظاهرة ثقافيّة أيّا كانت تعبيرتها، أدبيّة أو مسرحيّة أو سينمائيّة أو موسيقيّة، تقتضي إعدادا جيّدا وخطّة تمليها إشكاليّات وصعوبات وربّما تحدّيات أيضا، تخصّها  وتستوجب، أن تكون التّظاهرة باعتبـارها خيارا حــلاّ لتجاوز تلك الإشكالات.

المعلـوم أنّ وضـــع الكتاب في تـونس موسـوم بالتّقـاطع بينه وبيـــن القـــارئ. أن يختصّ بمعرض وطنيّ، فإنّ ذلك يضــع إشكاليّاته في مـوقـع التّظاهر والاستعراض والعرض بنيّة التّسويق، كحـلّ لها. والحال أنّ تلك الإشكالات تتعـدّى الاقتناء إلى مشـاكل القراءة. أفلم يكـن أحرى أن تستكشف الإرادة السّيـــاسيّة التي بـادرت بهذا المعرض ووضعته تحت إشـــراف وزارة الشؤون الثقافية، مسالك أخـرى تدعمـــها للتّفكير حول وضع الكتاب، انسجـاما مــع «الانتعـاشــة الثّقــافيّة» المعلنـة في تقديم مبرّرات التّظاهرة؟

يصعب التّسليم بأنّ مصالحة القارئ التّونسي مع الكتاب الوطني إنجاز يمكن أن يتوصّل إليه بالضّرورة معرض وطنيّ قطاعيّ. وإلاّ نكون خلقنا فجوات في باقي القطاعات الثّقافيّة مثل المسرح والسّينما والموسيقى التي تلاقي بدورها إشكالات في الارتياد وفي تحسيس المتفرّج التّونسي. وهي قطاعات يقتصر لقـــاؤها مـــع الجمهـــور العـــريض على تظاهرات دوليّة على غــرار أيّام  قرطـــاج المراوحة بين كلّ الفنون بما فيها فنون المهجر التي خصّت بتظاهرة عقدت دورتها الأولى في غضون شهر أكتوبر المنقضي. والكتاب في تونس يتمتّع أيضا بتظاهرة دوليّة هي معرض تونس الدّولي للكتاب.

وإذا كان من الضّروري إبراز الاهتمام السّياسي بالكتاب فإنّ وضعه يقتضي مساهمة متعدّدة الاختصاصات في التّفكير حــول المســـالك الممكنة للخروج به من غياب رجع الصّدى في صلب المجتمع بكلّ أصنافه ونخبه وعامّته.

إقبال متواضع سجّله المعرض، بالرّغم من حسن تنظيمه وتعدّد فعاليّاته التي عانى كثير من المرتادين من تلاحقها في فترة زمنيّة مضغوطة، خاصّة وأنّها لم تصادف عطلة دراسيّة. إلاّ أنّ السّبب الأهمّ بالنّسبة إلى المهتمّين بالكتاب هو تدهور المقدرة الشّرائيّة التي يشكو منها كلّ من يواظب على اقتناء الكتاب. وبالرّغم أيضا من إغراءات التّخفيضات التي لم تقاوم ارتفاع سعر الكتاب بالنّسبة إلى أغلب التّونسيّين. وقد بدا لنا أنّ المعـــرض كـــان واجبا سيـــاســـيّا أو لفتة اعتباريّة لفكر ما أو لشخصيّــة ما أو...لحظة ثار فيها غبار كثيف وصيغت فيها شعارات لم تنتج معنى يعبّر عن مبرّر للمعرض.

فكـــأنّه كــــان لحظة سياسيّة عابرة، لفتة اعتباريّة، استجابة لطارئ وطنيّ، لهاجس تجاريّ ولرغبة في التّخلّص من منشورات كادت تبوركما لو كانت ملابس تجاوزت تقليعتها الموضة ؟ فهـــل كان مـــن المنـــاسب أن يحمّل فضاء مدينة الثّقافة منطق سوق عشـــوائيّة وهـــو فضــاء الحراك الفكري والعرض الحيّ لفنــون الفرجة؟

أمّــا الكتـــاب فمـــا يـــزال يــــرنو إلى معرضه الدّولي يترقّب ندواته وطـــروحاته والتألّق الذي يحقّقه في كلّ دوراته وينتظـــر أيضا لقاء الرّوّاد الأوفياء.أفلم يكن أجـــدى دعم المعرض الدّولي للكتاب وتركيـــز التّفكيـــر حول قضايا القطاع في صلبه، علما وأنّ هذه القضايا تنسحـــب على عـــديد البلدان التي عـــادة ما تحضــر المعرض؟.

فوزية بلحاج المزّي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.