أخبار - 2018.11.17

أزمـة الخــلاف بين الرئاســتـيـن: الفصـل الأخيـــر؟

أزمـة الخــلاف بين الرئاســتـيـن: الفصـل الأخيـــر؟

على عكس التحوير الذي أدخل على الحكومة الحالية في سبتمبر 2017، أتى التحوير الثالث في حكومة يوسف الشاهد في مناخ محتقن نتيجة الصراع غير المسبوق بين رأسي السلطة التنفيذية. ويجوز القول إنّ هذا الصّراع قد حُسم في مجلس نوّاب الشعب الذي منح الثقة للحكومة المُعدَّلة، بشكل أغلق (مؤقّتا؟) قوس أزمة سياسية خطرة وغير معهودة منذ الاستقلال. وبالرّغم من أنّ خبراء في القانون الدستوري يؤكّدون أنّ طلب الحصول على الثقة من البرلمان غير مًدرج في الدستور، فإنّ الأمر اكتسى في جوهره بعدا سياسيا ورمزيا بإصرار الحكومة على المرور من بوّابة الاقتراع، وخروجها قويّة من ذلك الاختبار.

خمسة مكوّنات

كيف خرجت قويّة؟ وبماذا؟ من الواضح أنّ التصويت أظهر أنّ الحكومة تتمتّع بقاعدة موسّعة فهي تضمّ خمسة مكوّنات هي: حزب النداء (تسعُ وزارات وكتابتا دولة) وحزب النهضة (أربعة وزراء وأربعة كتّاب دولة) وحزب المشروع (وزارتان) وحزب المبادرة (وزارتان)، بالإضــــافة إلى الائتلاف البرلماني المؤيّد لرئيس الحكومة. ونُلاحظ هنا تغيُّرا في الأغلبية المساندة للحكومة بين التشكيلـــة الأولى لحكـــومة الشــــاهد في 27 أوت 2016 والتشكـــيلة الحـــالية (الثالثة) من حيث وزن الحزب القائد. فـ«النّداء» الذي دعــم رئيس الحــكومــــة داخـــل البرلمـــان ليــس النّداء الـــذي اندمـــج مـــع الاتحـــاد الوطني الحـــرّ خـــارجه، على أرضـــية مُعلنة هـــي الإطاحة بالحكومة... التي يترأّسها أحد أبناء النّداء.

يأتي هذا التجاذب في سياق أزمة داخلية حادّة قصمت ظهر النّداء وألقت بظلال كثيفة على سير دواليب الدولة، فشُلَّ العمل في كثير من الوزارات ومؤسّسات الدولة طيلة أشهر، في انتظار ما سيُسفر عنه صراع الديكة. وغير خاف أنّ خلفية ذاك الصراع مرتبطة بالاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية لانتخابات 2019، التي لم تعد مُستترة. لكن الشقّ المناهض لرئيس الحكومة خسر الكثير من أوراقه في معركتين حاسمتين أولاهما إخفاقه في إقناع رئيس الجمهورية بتعطيل سعي الحكومة للحصول على الثقة من مجلس نواب الشعب، وثانيهما فشله في تطويق تمرُّد تنسيقيات الحزب على قيادته الحالية. وبحسب تصريح أحد المسؤولين في «النّداء» حاولت قيادة الحزب طيلة ثمان وأربعين ساعة (قبل الندوة الصحفية) «إقناع رئيس الجمهورية بتعطيل مؤسّسات الدولة للحيلولة دون تصويت مجلس نوّاب الشعب على منح الثقة للحكومة». وما شجّعهم على هذه المحاولة هو عدم رضاء رئيس الجمهورية على التحوير، وهو ما قاله علنا في ندوته الصحفية.

وحدة اندماجية...

من الغريب أن تصل المناكفة إلى حـــدّ السعـــي جهارا إلى تعطيل  مؤسّسات الدولة بسبب رفض البعض للتحوير، وهو رفض تُحرّكه الرغبة الجامحة في اختيار الوزراء من البطانة وليس من محضنة الكفاءة. ويرجع اللجوء إلى هذا الصنيع إلى أنّ قيادة «النّداء» استنفدت وسائل الصراع السياسي، خصوصا بعدما وافق المُستوزرون من أعضاء الحزب على الانضمام إلى الحكومة، غير عابئين بتحذيرات إدارة الحزب وتهديداته. وما زاد من عزلة القيادة الحزبية إقدامها بشكل مفاجئ على الوحدة الاندماجية مع الاتّحاد الوطني الحر، ممّا أثار في وجهها عاصفة من الانتقادات والاستقالات والاحتجاجات الميدانية من قبل تنسيقيات الحزب، التي اجتاح بعضُها مقرّه المركزي في العاصمة للمطالبة باستقالة القيادة.

مع ذلك مازال «النّداء» يسيطر على بضعة عشرات مـــن النواب في البرلمان، وهو حجم لا يُمكّنه من التعطيل والإربـــاك، لكنّ بقاءه في الصورة يُزعج الحكومة. والأرجح أنّ رئيس الحكومة يراهن على عامل الزمن الذي سيؤدّي عاجلا أو آجلا إلى تفكيك جبهة غرمائه في «النّداء». غير أنّ التجربة أثبتت أنّ المُضيَّ في الحملة على الفساد هو أمضى سلاح يُزعزع مواقع الطرف المقابل. وفي جميع الحالات فإنّ إدارة «النّداء» فقـــدت السيطرة على المقـــود، وهي تتصـــرّف بنـــاء على ردّ الفعـــل والإيذاء وليس أكثر مـــن ذلك.

... ومشهد مُتغيّر

على هذا الأساس يبدو المشهـــد السياسي في تغيُّر مستمرّ، وآخر صورة استقرّ عليها هي استمرار «النهضة» في تصدُّر المشهد بـ68 نائبا في البرلمان، ثمّ «نداء» الرياحي بـ51 نائبا وكتلة الإئتلاف الوطني بـ40 نائبا (مُرشحون للزيادة)، تليها كتلة الجبهة الشعبية بـ15 نائبا، ثمّ كتلة الحرّة لـ«حركة مشروع تونس» بـ14 نائبا، فالكتلة الديمقراطية بـ12 نائبا، وأخيرا كتلة الولاء للوطن بـ11 نائبا، زيـــادة على ستّة نوّاب غير منتمين إلى أيّة كتلـــة من الكتـــل النيابية.

وإذا ما اعتمدنا مؤشّرات الانتخابات البلدية الأخيرة، ومع إدراك الفوارق بين طبيعة الانتخابات المحليّة من جهة والانتخابات التشريعية والرئاسية من جهة ثانية، فإنّ المُرجّح أن تحافظ «النهضة» على كتلتها الانتخابية، بالرغم من تراجعها الواضح المسجّل في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، فيما سيضمحلّ «النداء» التقليدي لصالح نداء متجدّد حول مشروع رئيس الحكومة، وسط غياب حزب وسطي كبير يملأ الموقع الشاغر حاليا في الخريطة السياسية.

على أنّ قدرة حكومة الشاهد 3 على كسب الرّهانات السياسية سيتوقّف على مدى صواب ونجاعة الإجراءات التي ستتخذها لتطبيق ما جاء في بيان رئيسها في خطاب منح الثقة، من إصلاحات اقتصادية واجتماعية يعتبرها المواطن محكّا لمصداقية الفريق الحكومي. ومن تلك الإصلاحات ذات الأولوية التّخفيض من عجز الميزانية من 4.9 بالمئة في السنة الجارية إلى 3.9 بالمئة في العام المقبل، وتوسيع قاعدة المداخيل الجبائية والحدّ من انزلاق الدينار وتحسين القدرة التشغيلية للاقتصاد، من أجل الحدّ من تفاقم البطالة، خصوصا في صفوف الخريجين. ولن يتأتى ذلك إلا بتحسين مناخ الاعمال بما يُحقّق استقطاب الاستثمارات الخارجية وتسريع عجلة النموّ.

فاروق النجّار

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.