أخبار - 2018.11.09

غسّان سلامة : ليبيا عالقة في دوامة عميقة ومدمّرة تذكيها المطامح الشخصية والثورة المسروقة في البلاد

غسّان سلامة : ليبيا عالقة في دوامة عميقة ومدمّٰرة تذكيها المطامح الشخصية والثورة المسروقة في البلاد

قال د. غسّان سلامة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في كلمة توجّه بها يوم الجمعة 8 نوفمبر 2018 إلى مجلس الأمن حول تطوّرات الأوضاع في  ليبيا أنّ  عددا لا يحصى من الليبيين ضاقوا ذرعاً بالمغامرات العسكرية والمناورات السياسية التافهة، معتبرا أنّه حان الوقت لإتاحة الفرصة أمام مجموعة أوسع وأكثر تمثيلاً من الليبيين للقاء على الأرض الليبية دون أي تدخل خارجي، من أجل رسم مسارٍ سليم للخروج من المأزق الحالي، معزَّز بجدول زمني واضح، قائلا إنّ الليبيين يرغبون في المضي قدماً بالمؤتمر الوطني وهو السبيل لإحراز التقدم.

وأضاف : "لقد أَجبرَنا صيفٌ طبعته أحداث مأساوية مع الاعتداءات الإرهابية وأزمة الهلال النفطي ومعارك درنة ومؤخراً الاشتباكات في طرابلس على تأجيل هذا الحدث الهام بل والتاريخي، الذي من الواضح يتعذر تنظيمه في وقت يستحكم فيه الاستقطاب الحاد أو الاشتباكات المسلحة. الآن، أضحت الظروف أكثر مواتاةً.حيث من المعتزم أن يلتئم المؤتمر الوطني في الأسابيع الأولى من عام 2019، ومن المفترض أن تعقبه العملية الانتخابية لتبدأ في ربيع العام ذاته.وسيكون مؤتمراً يقوده الليبيون ويتولَّون زمامه . وسيعمل هذا المؤتمر على الاستفادة من وتطوير مساهمات الآلاف من الليبيين الذين شاركوا في اللقاءات التحضيرية السبعة والسبعين التي عُقدت في جميع أنحاء البلاد وخارجها خلال ربيع هذا العام.

وسيوفر المؤتمر منبراً للشعب الليبي للتعبير عن رأيه وإسماع صوته. فمن خلاله، يمكن الدفع بالمؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي وهي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوفاق الوطني نحو اتخاذ الخطوات الضرورية التي طال أمد انتظارها من أجل المضي قدماً في العملية السياسية. وليس القصد من هذا المؤتمر أن يكون مؤسسة جديدة ولا هو محاولة لان يحل محل الهيئات التشريعية القائمة. بل على العكس من ذلك، سيعمل المؤتمر، بناءً على نص الاتفاق السياسي الليبي ذاته، على إيجاد مجال لليبيين لبلورة رؤيتهم للمرحلة الانتقالية ولن يكون بوسع سياسييهم تجاهلهم بعد الآن. لذا فإن الدعم الدولي لتوصيات المؤتمر الوطني أمر حاسم لنجاحه".

وفي حديثه عن الأوضاع الإنسانية في ليبيا لاحظ غسّان سلامة أنّ  من بين العوامل المحركة للنزاع الظروف المزرية في السجون. إذ يقبع في الاحتجاز مئات الليبيين والأجانب بصورة غير قانونية وغير إنسانية ويتم استغلالهم لانتزاع الفدية.  وقد تحولت بعض السجون إلى حاضنات للفكر المتطرف والجماعات الإرهابية. ففي حين أنّ هذه الأزمة قد دفعت إلى إصدار قرار يأمر السلطة القضائية بمراجعة ملفات آلاف السجناء القابعين في السجون، لم يتم الافراج سوى عن 255 شخصاً.

ودعا المبعوث الأممي إلى الإسراع بهذه العملية فيما يتوجب على المجموعات المسلحة إعادة السيطرة على مراكز الاحتجاز إلى السلطات المختصة. ويتعين أيضاً وعلى الفور إغلاق السجون التي أضحت مؤسسات خاصة ربحية تديرها مجموعات مسلحة تحت غطاء الدولة. وقد أنشأت البعثة فريقاً خاصاً يُعنى بإصلاح السجون.

وأضاف  أنّ تلويح  مجلس الأمن بفرض العقوبات وتطبيقها على المتورطين في أعمال العنف أو الجرائم كان له أثر ملموس في تغيير سلوك العديد من الأطراف المسلحة الفاعلة ، مؤكّدا وجوب وضع حد لحالة الإفلات من العقاب.  حيث أنّ ظاهرة اعتداء المسلحين على المرافق الطبية وكوادرها وابتزاز الأموال من المؤسسات المالية ومن النساء اللواتي ينتظرن دورهن في الحصول على الخدمات المصرفية هي ظاهرة غير أخلاقية وغير قانونية وإجرامية، ويجب أن تتوقف على الفور.

وأشار د. غسّان سلامة أنّ المؤتمر الذي سيعقد قريباً حول ليبيا بضيافة الحكومة الإيطالية في مدينة باليرمو يشكّل فرصة للدول الأعضاء في مجلس الأمن لتقديم الدعم الملموس المتجسد في تدريب القوات الأمنية تدريباً مهنيا، مبرزا على المدى المتوسط ضرورة الإسهام في توحيد الجيش وإعادة هيكلته ليكون جيشاً مهنياً وطنياً وعلينا أيضاً المساهمة في المبادرة المصرية.

وقال إنَّما أعمال العنف التي اندلعت في شهر أيلول/سبتمبر إلا انعكاس لهشاشة الوضع في البلاد. فالنزاع في ليبيا في معظمه نزاع على الموارد، وحتى يتم حل هذه المسألة، يبقى استقرار البلاد أمراً صعب المنال. فليبيا دولة غنية، إذ يصل إنتاجها النفطي إلى 1.3 مليون برميل في اليوم الواحد وبلغت عوائد هذا البلد الذي يضم 6.5 مليون نسمة أكثر من ثلاثة عشر مليار دولار أمريكي فقط في النصف الأول من العام الحالي. غير أنٰ هذه الأرقام تعتم على الحقيقة؛ إذ تتزايد معاناة الليبيين من الفقر في الوقت الذي يلجأ فيه المجرمون إلى العنف وتقوم شبكات رعاية المصالح بسرقة المليارات من الخزينة الوطنية.

وتعرّض المبعوث الأممي إلى الوضع في جنوب ليبيا فأشار إلى أنّه أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى : انهيار تام للخدمات المقدمة للسكان، وارتفاع في مستويات الإرهاب والجريمة، واستشراء للفوضى وتهديد لحقول النفط ومرافق المياه الأساسية التي تعتمد عليها البلاد، بالإضافة إلى أنّ الجماعات المسلحة الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية. هناك نقص في كل شيء، من الوقود إلى النقد، ومن الأدوية إلى الغذاء. المشاكل لا حصر لها ولا توجد مؤسسات حكومية للتصدي لها إنّ الاستياء يزداد عمقا في الجنوب الذي طالما تم تجاهله وتهميشه، ويستخدم الآن كمسرح للغرباء.

وحثّ الدول الأعضاء في مجلس الأمن على دعم السلطات الليبية للتصدي للتواجد الأجنبي. فقد مكَّن التهديد الذي تشكّله الحدود المفتوحة من فرض تواجد تنظيم داعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات الإرهابية في شتى أرجاء الجنوب الليبي. هذا التهديد الذي طفا إلى السطح مجدداً من خلال الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش في 29 تشرين الأول/أكتوبر على بلدة الفقهاء.

وقال د. غسّان سلامة في ختام كلمته : " إنّ ليبيا عالقة في دوامة عقيمة ومدمرة، تذكيها المطامح الشخصية والثروة المسروقة في البلاد. ففي الوقت الذي حُبِيَت فيه البلاد بثروة هائلة من الناحية البشرية والمادية، إلا أنه سرعان ما أصبح مثالاً لمأساة الفرص الضائعة. إن المخاطر لأكبر من أن نسمح لهذا الوضع بالاستمرار. فالمدنيون يُقتلون في قتال عشوائي، والإرهابيون يرون في البلد ملاذاً يلتجؤون إليه بعد الهزائم التي لحقت بهم في أماكن أخرى، وحقوق الإنسان تُنتهك بشكل يومي، والأجيال القادمة من الليبيين تُمنع من تحقيق قدراتها. وعلى الرغم من الطابع المعقد للأزمة، فإن الحل واضح. إن السبيل إلى الاستقرار يقتضي أن تكون مطالب واحتياجات المواطنين الليبيين هي ما يحدد وجهة الطريق الذي ينبغي السير فيه، وعلى السياسيين أن يتبعوه. معاً، علينا أن ندعم المواطنين للتحدث إلى مؤسساتهم، وأن نضغط على المؤسسات لتصغي، وأن نلزمها بتحقيق ما هو مطلوب منها.

لقد قضيت فترة لا بأس بها من عمري أدرّس العلاقات الدولية، وأقرّ بأن التنافس والتسابق بين القوى أمر طبيعي ومشروع إلى حد ما. إلاَّ أنّ انعكاسه على ليبيا قد أضرّ بها بحق. فالكثير يتذرع به للإبقاء على الوضع الراهن المجحف والمتقلب الذي يستنزف الليبيين ويؤدي بهم إلى الفقر ويحول البلاد إلى مصدر قلق لبيئتها الإقليمية.لذا فإن وحدة المجتمع الدولي حاسمة إذا أردنا إحراز تقدم في تحقيق الاستقرار في ليبيا، فالتحدي الحقيقي هو في إعادة بناء دولة موحدة وشرعية قابلة للاستدامة.  لا أقل من ذلك".

تحميل كلمة د. غسّان سلامة

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.