أخبار - 2018.09.27

السفير محمد إبراهيم الحصايري يشارك في مؤتمر "العلاقات بين المغرب والمشرق العربيَّيْن ماضيا وحاضرا ومستقبلا" بالإسكندرية

السفير محمد إبراهيم الحصايري يشارك في مؤتمر "العلاقات بين المغرب والمشرق العربيَّيْن ماضيا وحاضرا ومستقبلا" بالإسكندرية

بالتعاون بين مركز جامعة الدول العربية بتونس وبين مكتبة الإسكندرية، انعقد يومَيْ الاثنين والثلاثاء 24 و25 سبتمبر الجاري،في مركز المؤتمرات بالمكتبة،مؤتمر تحت عنوان "العلاقات بين المغرب والمشرق العربيَّيْن ماضيا وحاضرا ومستقبلا...رؤى في إعادة كتابة التاريخ".

وقد شارك السفير ومستشار هيئة تحرير مجلة "ليدرز العربية" محمد إبراهيم الحصايري، الى جانب ثلة من المفكرين والأكاديميين العرب، في أعمال هذا المؤتمر بورقة حملت عنوان "مكتب المغرب العربي في القاهرةرمزا للتضامن الكفاحي بين المغرب والمشرق العربيَّيْن".

وفي مستهل مداخلته، توجّه السفير محمد إبراهيم الحصايري بجزيل الشكر إلى مركز جامعة الدول العربية بتونس، ومكتبة الإسكندرية على تنظيم هذا المؤتمر الذي أكد "أننا أصبحنا أحوج ما نكون إليه في هذا الزمن العربي الصعب، علّنا نستلهم منها بعض ما يعيننا، ولو قليلا، على مواجهة حالة التنافر والتناحر التي باتت تهيمن على العلاقات بين بلداننا وبين شعوبنا التي كانت، قبل عقود قليلة ماضية، تتعاطف مع بعضها البعض، إن لم تكن تتداعى بالسهر والحمى إذا أصابت أحَدَهَا مصيبةٌ أو حلّ به كربٌ من الكروب"...

وقال إنه اختار الحديث عن مكتب المغرب العربي في القاهرة، لأنه، يمثل في رأيه، رمزا من رموز التضامن بين المغرب والمشرق العربيَّيْن، زَمَنَ كفاح الدول المغاربية من أجل التحرر من نير الاستعمار الفرنسي الذي أناخ عليها بكلكله على امتداد فترات متفاوتة الطول، كانت أطولها فترة استعمار الجزائر التي استمرت اثنتين وثلاثين ومائة سنة...

ولدى تطرّقه، في المحور الأول من مداخلته،إلى الظروف التي تأسس فيها مكتب المغرب العربي في القاهرة، لاحظ أن فترة الأربعينات من القرن العشرين، كانت فترة غنية بالأحداث الدولية والإقليمية المفصلية التي أضفت دينامية غير مسبوقة على حركة الشعوب المستعمَرَة من أجل التحرر والاستقلال، وقد عدّد أهم هذه الأحداث فيما يلي:

أولا/ الأطوار والتقلّبات التي مرّت بها الحرب العالمية الثانية، والتي أدّت إلى متغيرات عميقة في موازين القوى، ساعدت على بلورة وترسيخ القناعة، لدى شعوب المغرب العربيونُخَبِه السياسية، بضرورة المزج بين النضال السياسي والكفاح المسلح وبإمكانية الانتصار على المستعمر الفرنسي الذي ذاق طعم الهزيمة والاحتلال خلال الحرب، شريطة تكثيف الضغط عليه، وقد كان من متطلبات هذا التكثيف إحكام التنسيق على الصعيدين السياسي والميداني بين نضالات الحركات الوطنية في البلدان الثلاثة.

ثانيا/ تأسيس منظمة الأمم المتحدة، في 24 أكتوبر 1945 مباشرة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وقد أكدت المادة الأولى من ميثاقها في معرض الحديث عن مقاصد المنظمة على "إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها"... كما أكدت على "تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".

وقد ساعد ذلك على انتشار الأفكار التحرّرية، وتبلور الوعي السياسي التحرّري في سائر بلدان العالم عموما وفي بلدان المغرب العربي خصوصا.

ثالثا/ تأسيس جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945، وقد كان لهذا التأسيس تأثير كبير في دفع المناضلين المغاربِيِّين نحو إيجاد صيغة مشتركة لتوحيد مسارات نضالهم السياسي مستلهمين في ذلك التوجهات الوحدوية التي نادى به الفكر القومي العربي.

وقد أضفى احتضان مصر لمقر الجامعة على عاصمتها القاهرة أهمية كبرى إذ أنها كما يقول الرشيد ادريس في كتابه "ذكريات عن مكتب المغرب العربي في القاهرة"  كانت تعيش "فترة من أخصب فتراتها التاريخية حيوية ونشاطا... فبينما كان جنود الاحتلال الإنجليز وضباطهم يغادرون ثكناتها ومنازلها كانت الوفود العربية تتوافد عليها للمشاركة في أعمال الجامعة والتشاور في الشؤون العربية، كما هرع إليها مناضلون من مختلف البلدان الإسلامية والعربية طلبا للتأييد في كفاحهم من اجل الحرية والاستقلال وكان منهم من قدم من إندونيسيا ومن فلسطين ومن السودان ومن ليبيا ومن تونس والجزائر ومراكش"..

رابعا/ تدرّج الحركات الوطنية المغاربية، على غرار غيرها من حركات التحرر في العديد من مناطق العالم، نحو مزيد من النضج والتجذّر، لا سيما من حيث التطلعات التي تطمح إلى تحقيقها، حيث بات مطلبها الأساسي هو الاستقلال، وليس بعض الإصلاحات، كما كانت تنادي بذلك في الفترات السابقة.

خامسا/ تزايد قناعة الحركات الوطنية المغاربية، بضرورة تنسيق عملها الوطني من أجل تحقيق استقلال البلدان المغاربية الموحَّد في كنف التضامن فيما بينها، وقد كان وجود مناضلين من البلدان المغاربية الثلاثة (تونس والجزائر والمغرب الأقصى) في القاهرة، عاملا مساعدا وحافزا على السعي إلى تنسيق جهودهم وتحركاتهم في مواجهة الاستعمار الفرنسي.

سادسا/ الدروس المستخلصة من التجارب التنسيقية السابقة في مجال العمل النضالي المغاربي المشترك، حيث كان الشيخ محمد الخضر حسين،مثلا، أنشأ "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية" في 18 فيفري 1944 بالقاهرة، وكان الهدف منها "السعي بالطرق المشروعة للحصول على حرية واستقلال شعوب شمال إفريقيا".

وهكذا وفي هذه الأجواء الدولية والإقليمية الملائمة، انعقد فيما بين 15 و22 فيفري 1947 مؤتمر المغرب العربي الذي قرر في خاتمة أعماله توحيد مجهودات الوطنيين التونسيين والجزائريين والمغاربة في مواجهة الاستعمار، وذلك من خلال توحيد مكاتبهم في القاهرة في مكتب واحد أطلقوا عليها اسم "مكتب المغرب العربي".

وقد عُدَّتأسيس هذا المكتب، ثم العمل الذي قام به خلال السنوات الموالية، مظهرا من مظاهر التضامن المغاربي أولا، وتجلّيا من تجلّيات الدعم المشرقي عامة والمصري خاصة لبلدان المغرب العربي.

وقد استعرض السفير محمد إبراهيم الحصايريفي مداخلته أبرز الأعمال التي قام بها المكتب، بالرغم من الصعوبات التي صادفها في ممارسة مهامه، فذكر منها مايلي:

  • أنه أصبح الهيئة الرسمية للحركات التحررية الثلاث الموحدة ولسان حالها، وقد وسّع نطاق الدعاية لقضايا المغرب العربي بكل الوسائل الممكنة، وخاصة من خلال نشاطه الإعلامي الحثيث، فقد تولّى بداية من 17 افريل 1947 إصدار نشرة أخبار يومية تتناول الأحداث التي تدور رحاها في الأقطار المغاربية،وتزوّد الصحف ووكالات الأنباء بالمعلومات الصحيحة عن الظروف العامة في المغرب العربي، وقد ملأت هذه النشرة بعض الفراغ الناجم عن تفرّد المصادر الأجنبية بنشر الأخبار المتعلقة بما كان يجري فيه.
    وقد ركز أعضاء "مكتب المغرب العربي" على الاعلام لإدراكهم لأهميته في التعبير عن مواقفهم وتبليغ خطاباتهم للسياسيين العرب والأجانب خاصة وأن القاهرة كانت، يومئذ، مركز نشاط سياسي وعلمي وأدبي في غاية الثراء. 
    وكان من بين مظاهر النشاط الإعلاميعقد الندوات الصحفية للتعريف بقضايا المغرب العربي، وفضح السياسة الاستعمارية الفرنسية والإسبانية، ومحاولة كسر التعتيم الإعلامي الذي تضربه باريس ومدريد على أخبار بلدان المغرب العربي.
  • أنه أصدر بانتظام سلسلة رسائل عرض فيها قضايا الأقطار المغاربية وأحوالها وأهدافها الوطنية وحركات المقاومة فيها، وأعد تقارير قدمها في مناسبات عديدة للحكومات العربية وغيرها.
  • أنه أصدر أيضا عدة مؤلفات منها كتاب "هذه تونس" للحبيب ثامر، وكتاب "تونس الثائرة" لـعلي البلهوان، وكتاب "هذه مراكش" لعبد المجيد بن جلّون وكتاب "مركز الأجانب في مراكش" لأمحمد بن عبود، وكتاب "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي" لعلال الفاسي ومنشورات عديدة أخرى منها كراريس بالفرنسية وبالإنجليزية عن قضية الجزائر والقضايا المغربية الأخرى.
  • أنه قام بنشاط دبلوماسي مكثف ومنسَّق تنسيقا محكما سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ، وكان هذا النشاط موجَّها بالدرجة الأولى إلى البعثات الدبلوماسية العربية القائمة عبر الجامعة العربية بواسطة عضويه "أمحمد بن عبود" و"محمد الفاسي" اللذين كانا، سنة 1946، أول وفد مغربي ومغاربي يلتحق بالجامعة منذ تأسيسها.
  • أنه، إلى جانب ذلك، كان يعتني أيضا بشؤون الطلبة والمتطوّعين المغاربيين في فلسطين.
  • أن نشاطه لم ينحصر في القاهرة بل تجاوز حدودها إلى مختلف العواصم العربية والإسلامية من جهة، وإلى نيويورك بصفتها مقر منظمة الأمم المتحدة من جهة أخرى. وبالفعل فقد كانت مصر كما يقول الرشيد ادريس "المنطلق الذي خرجت منه وفود الزعماء المغاربة الى الأقطار العربية والإسلامية والشرقية والى أمريكا للاتصال والدعوة لمساندة القضية".
    وتجدر الإشارة، في هذا الإطار، إلى أن الزعيم الحبيب بورقيبة الذي وصل الى مصر في 26 افريل 1945 بعد ان غامر بالهجرة اليها عبر الصحراء الليبية، قام بالانطلاق من القاهرة بجولات عديدة في الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية.
  • أنه أرسل وفودا إلى عدد من المؤتمرات الهامة على غرار المؤتمر الثقافي العربي الأول الذي انعقد في بيروت في سبتمبر 1947، ومؤتمر اليونسكو حول التعليم والثقافة في البلاد العربية الذي انعقد بنفس العاصمة في شهر أكتوبر 1948.

وفي هذا السياق ذكّر السفير محمد إبراهيم الحصايري بأن المكتب شارك في أعمال المؤتمر الاسلامي الاقتصادي الأول الذي انعقد في ديسمبر 1949 في الباكستان، بوفد تألف من الدكتور الحبيب ثامر من تونس، وعلي الحمامي من الجزائر وأمحمد بن أحمد عبود من المغرب، وقد قضى ثلاثتهم نحبهم بعد مشاركتهم في المؤتمر، إثر اصطدام الطائرة التي كانت تقلهم من لاهور الى كراتشي بقمة جبل، يوم 12 ديسمبر 1949.

ومعلوم أن وسائل الإعلام التونسية والجزائرية والمغربية والمصرية والعربية وظفت استشهادهم في التشهير بالاستعمار وفي التأكيد على ضرورة استقلال بلدان المغرب العربي.
على أن أحد أهم الأعمال التي قام بها المكتب كان مساهمته فيعملية تحرير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي كانت الحكومة الفرنسية وافقت على إنهاء فترة إقامته الإجبارية التي تواصلت 21 سنة في جزيرة "لا رينيون" ونقله إلى فرنسا في فيفري 1947.

وقد جاءت الموافقة الفرنسية على إثر جهود بذلها ممثلو الحركة الاستقلالية المغربية بمصر لدى جامعة الدول العربية التي وجه أمينها العام رسالة الى وزارة الخارجية الفرنسية يطلب فيها من الحكومة الفرنسية تسريح الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وفي 27 ماي 1947 وصلت إلى مكتب المغرب العربي في القاهرة أخبار مفادها أن السفينة التي كانت تنقل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى جنوب فرنسا، مرت بعدن، وأنها ستمر بعد يومين بقناة السويس فقام أمحمد بن عبود على رأس وفد من مكتب المغرب العربي بالتحول إلى السويس حيث استقبل الأمير، رفقة محافظ المدينة ووحيد الدين الدالي ممثل جامعة الدول العربية، والشيخ محمد الخضر حسين، رئيس جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية.

ويروي الرشيد ادريس تفاصيل هذه الواقعة في مقال كان نشره في جريدة "الزهرة" التونسية في مطلع شهر جوان 1948 تحت عنوان "خلاص الأمير عبد الكريممن الأسر"، ومما جاء فيه خاصة: "ووصلت الباخرة الى بورت سعيد وكان الزعيم الكبير الحبيب بورقيبة والزعيمان علال الفاسي وعبد الخالق الطرّيس قد وصلوا الى الميناء للقيام بالمساعي الأخيرة... ونظر الأمير الى أرض مصر... ونظر إلى زعماء المغرب وقدر مسؤوليته في مصير المغرب العربي. فذكر اسم الله وأصدر امره بإنزال افراد عائلته إلى الأرض واتجه إلى محافظ الميناء ملتجئا إلى ساحة الفاروق الكبير وتفضل صاحب الجلالة فأذن له بدخول مصر العظيمة الماجدة".

وقد أضفت عملية تحرير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي على مكتب المغرب العربي في القاهرة مصداقية وحوَّلته إلى مركز نشاط كبير، وقبلة للوافدين من أبناء المغرب العربي على مصر والمشرق العربي، خاصة وأن التحاق الأمير به، عزز دوره وأعطاه نفسا جديدا ودفعا وطنيا قويا.

وانطلاقا من إيمانه بفكرة وحدة المغرب العربي، وبفكرة التحرير التام، عن طريق الكفاح المسلح الشامل الموحد المستمر لكامل أقطاره بلا تجزئة ولا مراحل، فقد عمل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي على توحيد الحركات الوطنية المغاربية من خلال تأسيس ما سمي بـ"لجنة تحرير المغرب العربي"، التي أعلنرسميا عن ميلادها في 05 جانفي 1948.

وهكذا أضفت عقيدة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي على عمل مكتب المغرب العربي  طابعا أكثر "ثورية"، وهو ما يعكسه تصريح أدلى به لمراسل جريدة "كونكورد الفرنسية" حيث قال: "يجب إنجاز استقلال المغرب العربي في سنة واحدة، وإن امتنعت فرنسا فإننا سنلجأ الى الأمم المتحدة، وإذا لم ينصف الشعب المغاربي فسوف نحتكم الى القوة" أي الى الكفاح المسلح.

وبالفعل فإن اللجنة عملت على الاستفادة من مختلف الهيئات والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الشعوب المستعْمَرَة، وقد تجلّى ذلك عند انعقاد الدورة الثالثة للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة حيث قامت اللجنة، في إطار التعريف بالقضية المغاربية وتوضيح خطورة الأوضاع والممارسات الاستعمارية في المغرب العربي، بإرسال وفد للمشاركة في أعمالها،وقد تكون الوفد من جلولي فارس، وأحمد مزغنة والمهدي بن بركة.

وقد تضمنت العريضة التي قدمت بالمناسبة المطلبين التاليين:

1/ إلغاء الأنظمة الاستعمارية الكائنة بشمال إفريقيا والاعتراف باستقلال المغرب الأقصى، وتونس، والجزائر.
2/ انتخاب مجلس تأسيسية في البلدان الثلاثة، ووضع دستور ديمقراطي بها، وتحديد المصالح المشروعة للأجانب المقيمين بشمال إفريقيا ضمن السيادة الوطنية.
وتطرق السفير محمد إبراهيم الحصايري بعد ذلك إلى دور جامعة الدول العربية في دعم الكفاح المغاربي، فأشار في البداية إلى أن الجامعة نشأت في غياب بلدان المغرب العربي، أي أن البلدان المغاربية لم تشارك في إنشائها ولا في صياغة ميثاقها أو في تصوّر آليات عملها وتحديد مقاصدها، غير أن الحركات الوطنية المغاربية سارعت الى التواصل معها، لأنها تفاءلت بقيامها، وأمّلت أن تجد لديها ما تحتاجه من سند في سعيها إلى تحرير بلدانها...
وذكّر في هذا الصدد بأن المؤتمر التأسيسي لمكتب المغرب العربي وجه إلى جامعة الدول العربية، المطالب الخمسة التالية: 

1/ إعلان بطلان معاهدتي الحماية المفروضتين على تونس والمغرب، والإعلان عن عدم شرعية احتلال الجزائر، وتقرير استقلال هذه الاقطار مع تعيين ممثلين لها في مجلس الجامعة.
2/ عرض القضية المغاربية على الهيئات الدولية واستعمال كل ما لدى الجامعة من وسائل لمساعدة الأقطار المغاربية على تحقيق استقلالها الكامل.
3/ إرسال لجان تحقيق إلى أقطار المغرب العربي.
4/ تعيين ممثلين في أقطار المغرب العربي للدول المشتركة في الجامعة.
5/ عرض الحالة الثقافية بالمغرب العربي على الجامعة العربية ومطالبتها بالعمل على نشر الثقافة في كامل بلاد المغرب وحل مشكلة الطلاب المغاربة الذين يلجؤون إلى المشرق بقصد إتمام دراستهم في المعاهد العربية وتذليل العقبات التي يلاقونها.
ولاحظ السفير محمد إبراهيم الحصايري أنه يوجد لدى البعض، لا سيما في تونس، انطباع بأن السند الذي حصلت عليه الحركات الوطنية المغاربية من الجامعة، لم يَرْقَإلى مستوى ما كانت تتطلع عليه، وقد فسر ذلك بأن اهتمام الجامعة الأكبر كان في تلك الفترة منصبّا على تطور الأحداث في فلسطين، حتى أن أمينها العام قال ذات مرة للزعيم الحبيب بورقيبة "إن المشغول لا يشغل".

وفي هذا الإطار يقول السفير صلاح الدين عبد الله في محاضرة ألقاها يوم السبت 24 سبتمبر 2016 بمركز الأرشيف الوطني في إطار الاحتفال بستينية وزارة الشؤون الخارجية: "صحيح أن الرئيس الحبيب بورقيبة عرف الجامعة عن كثب خلال فترة لجوئه إلى مصر وخبر أساليب عملها وتحسّس نقاط ضعفها وخرج من ذلك بانطباع سيء وكثيرا ما كان يردّد قولة عبد الرحمان عزام عندما كان يدعوه للاهتمام بالقضية التونسية: "سنفعل ذلك عندما ننتهي من حل القضية الفلسطينية"...

ولعله مما يؤكد هذا الانطباع ما جاء في الكلمة التي ألقاها "عبد الرحمن عزام باشا" الأمين العام لجامعة الدول العربية لدى رئاسته للجلسة الافتتاحية لأشغال مؤتمر المغرب العربي حيث بدأ هذه الكلمة مدافعا عن نفسه فقال: "دعاني إخواني ممثلو الحركات الوطنية المغاربية في المشرق العربي لأترأس مؤتمرهم الأول، فلبيت دعوتهم ولا أعرف في حياتي أنني رفضت دعوة المغاربة"... غير أنه أضاف موضّحا: "وليس معنى دعوتهم مشاركتهم في كل شيء وانما معناه قبول دعوتهم والموافقة على الأهداف العامة للمؤتمر وفي مقدمتها المطالبة بالاستقلال والحرية".

ويرى السفير محمد إبراهيم الحصايريأن القراءة الموضوعية لظروف المرحلة، ولإمكانات الجامعة لدى انطلاقها، تقتضي الإقرار بأن جامعة الدول العربية، وإن لم تٌلَبِّ جميع مطالب الحركات الوطنية المغاربية، فإنها اجتهدت في تلبية بعضها وإن جزئيا، ولعبت دورا مُقَدَّرًا في دعم كفاحها وهو ما يمكن أن نلمسه فيما يلي:

1/ في نهاية ماي 1946، أصدر ملوك ورؤساء الدول العربية بيانا أوكلوا فيه إلى الجامعة السعي إلى تحقيق رغبات أهل الشام وشمال إفريقيا، أي تونس والجزائر والمغرب.
2/ أن عبد الرحمن عزام باشا، قَبِلَ ترؤس الجلسة الأولى لمؤتمر المغرب العربي، وقد أكد في خطابه على أن "الجامعة التي هي سلاح العرب في كفاحهم من أجل الحرية، ليست خادمة للأمم المستقلة وحدها، بل هي في المقام الأول خادمة للشعوب التي ما تزال في قبضة الاستعمار وفي مقدمتها شعوب المغرب العربي".
3/ قامت الجامعة بمساعدة الأحزاب المغاربية ووفرت لها بعض الظروف الملائمة للقيام بأنشطتها السياسية والثقافية في مصر وخارجها، وعينت مندوبين لها بالقاهرة منذ سنة 1946.
4/ شجعت الجامعة أعضاء مكتب المغرب العربي في القاهرة على المشاركة في بعض المؤتمرات السياسية والاقتصادية العربية، والإسلامية.
5/ ساندت الجامعة أنشطة زعماء الحركات الوطنية المغاربية في إطار مكتب المغرب العربي وساعدتهم على القيام بعدة جولات في الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية في إطار الحملات الدعائية المناهضة للاستعمار الفرنسي والترويج للقضية المغاربية.
6/ على الصعيد الإعلامي حثت الجامعة الصحف المصرية والعربية على تمكين مناضلي المكتب من الكتابة فيها، وعلى دعم المكتب وتغطية أنشطته السياسية.
7/ ساهمت الجامعة أيضا مع مناضلي مكتب المغرب العربي، في ترتيب عملية لجوء الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى القاهرة في 30 ماي 1947، وقد وقفت بعد ذلك الى جانب لجنة تحرير المغرب العربي التي أنشأها الأمير بالقاهرة في 5 جانفي 1948.
8/ تخطى دعم الجامعة الجانب المعنوي الى الجانب المادي حيث قامت بدعم مكتب المغرب العربي ماليا وقامت بإنشاء صندوق شمال إفريقيا وتمويله وتنظيمه من أجل دعم الأقطار المغاربية.
ولعله مما يؤكد أهمية الدور الذي اضطلعت به الجامعة، أنه كان يثير حفيظة السلطات الفرنسية التي لم تقف موقف المتفرج من الدعم الذي قدمته لمكتب المغرب العربي في القاهرة وعملت جاهدة على إيقافه والحد منهمن خلال نشر الدسائس ضد قادته للتشكيك فيهم ولزرع الشقاق بينهم وبين الجامعة.

وقد كانت المخابرات الفرنسية تعمل على تقويض أركان المكتب، فكانت تبعث ببعض عملائها الى القاهرة لإثارة المشاكل بين أعضائه، كما قامت بتكوين شبكة استخبارات لمراقبة نشاط مناضليهوعرقلة جهودهم الوحدوية.
وتطرق السفير محمد إبراهيم الحصايري بعد ذلك إلى تجليات دعم دول المشرق العربي لكفاح البلدان المغاربية، فأكد أولا على دور مصر ملاحظا في البداية أن النجاح الذي حققه مكتب المغرب العربي في القاهرة يرجع لما وجده فيها من بيئة خصبة مكنته من ممارسة نشاطه السياسي، في ظروف معقولة، فالسلطات المصرية استقبلت المناضلين المغاربيين واحتضنتهم وسمحت لهم بالتحرك على الساحة المصرية وانطلاقا منها، وقد وافقت على عقد المؤتمر الذي تمخض عن تأسيس مكتبهم الموحَّد، ثم سمحت للمكتب بممارسة كافة الأنشطة التي كان يقوم بها للتعريف بقضايا البلدان المغاربية.

وأضاف السفير أنه من المهم التوقف عند عملية تحرير الأمير عبد الكريم الخطابي واستقباله كلاجئ، فهذه العملية لم تكن هينة أذ أنها انطوت على تحد كبير لفرنسا وللقوى الاستعمارية.

ثم إن الصحف المصرية اضطلعت بدور هام في دعم الحركات الوطنية المغاربية من خلال تغطيتها لأعمال مؤتمر المغرب العربي، ثم لأنشطة مكتب المغرب العربي ولجنة تحرير المغرب العربي. وما من شك أن ذلك كان بموافقة من السلطات المصرية، إن لم يكن بمباركتها. وكان من أهم الصحف التي قامت بذلك جريدتا "الأهرام"،و"المصري"، ومن المجلات مجلة "المصور".

ولم يقتصر الدعم المصري للحركات الوطنية المغاربية على الجوانب السياسية والدبلوماسية والإعلامية بل امتد حتى الى الجانب الميداني خاصة بعد إنشاء لجنة تحرير المغرب العربي من طرف الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي كان مؤمنا بضرورة الوحدة واعتماد الكفاح المسلح الشامل في كل البلدان المغاربية.

وتجدر الملاحظة أن لأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي أسس منذ سنة 1948 جيش تحرير المغرب العربي، وتم تدريب المهاجرين المغاربة في معسكرات خاصة في القاهرة وبغداد.
أما فيما يتعلق بدعم بلدان المشرق الأخرى للكفاح المغاربي، فانه، كما يرى السفير محمد إبراهيم الحصايري، اكتسى شكلين اثنين: الشكل الأول كان ذا طابع شخصي، حيث أنه كان صادرا عن شخصيات مشرقية عرفت بنضالها ضد اشكال الاستعمار والهيمنة على غرار الأمير شكيب أرسلان، والحاج امين الحسيني مفتي القدس، وغيرهما.

وفي هذا الإطارأشار، على سبيل المثال، إلى أن جمعية نجم شمال افريقيا التي نشأت في فرنسا في عشرينات القرن الماضي كانت على علاقة بحركة الأمير شكيب ارسلان العربية واستطاعت أن تحدث تقاربا مغاربيا مشرقيا خدمة لفكرة الأمة والقومية العربية...

اما الشكل الثاني فقد كان ذا طابع رسمي ويمكن استشفاف طبيعته من بعض المقالات التي أدرجها الرشيد ادريس في كتابه "ذكريات عن مكتب المغرب العربي في القاهرة" عن بعض جولات الزعيم الحبيب بورقيبة في بلدان المنطقة.

وكنموذج، اقتطف السفير محمد إبراهيمالحصايري الفقرات التالية عن زيارة الزعيم الحبيب بورقيبة الى دمشق التي كانت بدورها تحتضن مكتبا للمغرب العربي أسسه المناضل يوسف الرويسيقبل تأسيس مكتب القاهرة: "قال فخامة الرئيس شكري القوتلي وهو الرجل الذي كافح من أجل استقلال بلاده فوهبه الله خيرَ نعمةٍ يهبها لأمثاله من الوطنيين الابطال اذ مكنه من مشاهدة عهد استقلال سوريا واولاه منصب اول رئاسة لجمهوريتها، قال فخامته في ختام الحديث الذي دار بينه وبين الوفد التونسي الذي قابله يوم السادس من افريل 1948 بقصر الرئاسة متجها الى زعيمنا الكبير: ان القضية التي يدافع عنها امثالك قضية ناجحة ونجاحها قريب لا محالة، ذلك ان فخامة الرئيس السوري تأثر الى ابعد حد من دفاع الأستاذ بورقيبة عن قضية المغرب العربي فقد صارحه بحقيقة الحال في بلادنا وكيف لا يتأثر من حديث هذا الرجل الذي وهب وطنه حياته مثلما وهبها هو وهو يقاسي في سبيل هدفه الاسمى ما قاساه فخامته من قبل...تذكر أيام الاحتلال والسجن والكفاح واستمع الى المجاهد الكبير يتلو من حديث الظلم والقهر الاستعماري ما تجرعت سوريا مرارته مدة سنوات طوال... ثم انه الرجل العربي ذو العواطف الإنسانية السامية يتأثر حتما لكل ما يحل باي بلد عربي منكوب.

واذا كان الرئيس السوري الجليل قد اعرب للأستاذ الكبير وصحبه عن عواطفه وتأييده لهم وللقضية التي يمثلونها فان الشعب السوري لم يكن باقل من رئيسه تحمسا لعرب المغرب فما كاد يحل الأستاذ بورقيبة حتى هرعت الوفود من كبار رجال الفكر والسياسة واقطاب الصحافة وممثلي الهيئات يهنئونه بسلامة القدوم ويعربون له عن تقديرهم لجهاده ويستفسرون عن حالة تونس واقطار المغرب العربي، ولم تكن المرأة السورية باقل شعورا من رجال سوريا الكرام فقد تقدم للزعيم وفد من نساء دمشق يعربن له عن عواطفهن فحدثهن الزعيم عن المرأة في تونس والجزائر ومراكش وكيف شاركت الرجل في القيام بالواجب الوطني حتى سجنت واضطهدت وكيف تتجه اليوم الى نهضة حقة أساسها العلم والخلق الكريم والشعور القومي السليم.
وشاءت الظروف  ان يكون ميعاد حفل تابين المغفور له سعد الله الجابري رئيس الوزارة السورية سابقا قبيل مغادرة الزعيم بورقيبة ورفيقه الأستاذ الطيب سليم دمشق الى بغداد وكان المغفور له سعد الله الجابري من اول الرجال المسؤولين الذين وقفوا يؤيدون المغرب العربي في نضاله ويستنكرون الوسائل الاستعمارية التي ترمي الى ادماجه في الوحدة الفرنسية ومحق كيانه العربي ومن ذا الذي لا يذكر موقفه الرائع يوماعرب لسفير فرنسا في دمشق عن استنكار الحكومة السورية للسياسة الفرنسية في شمال افريقيا وإذ رد عليه السفير بان فرنسا لا ترضى بان يتدخل أي كان في شؤون اقطار المغرب لاعتبارها شؤونا فرنسية داخلية اجابه رحمه الله في غير تردد بان المغرب عربي وللحكومات العربية بشأنه موقف صريح تمليه أواصر الاخوة الدائمة".
وفي خاتمة مداخلته استخلص السفير محمد إبراهيم الحصايريقائلا إن صفوة القول هي أن جامعة الدول العربية ودول المشرق العربي سواء مباشرة او من خلالها لعبت دورا هاما في دعم مكتب المغرب العربي في القاهرة، حيث ساعدت على تأسيسه، ودعمت نشاطاته ومنحت قادته الغطاء السياسي والقانوني للقيام بنضالهم، كما ساهمت في التعريف بقضية المغرب العربي في المنابر الدولية والضغط على الدول الاستعمارية.

كما استخلص أن الطرح المتقدم لمسألة التنسيق، والعمل المشترك بين الحركات الوطنية المغاربية الثلاث، عكس وعيا مبكرا بأهمية استثمار فكرة المغرب العربي، واعتمادها أرضية لمواجهة الاستعمار ومقاومته، وهو طرح كانت له امتداداته في الفترة اللاحقة أي بعد استقلال البلدان المغاربية، حيث تعددت المحاولات الرامية الى خلق كيان مغاربي متكامل يستطيع بفضل تضامنه وتعاونه مجابهة أعباء التنمية جماعيا.
غير أن هذه المحاولات عرفت مع الأسف نفس المصير الذي آلت اليه تجربة مكتب المغرب العربي في القاهرة إذ انطلق نشاطه واستمر بحماس كبير فيما بين سنة 1947 وسنة 1949 غير أنه تقلص بعد ذلك، بسبب عدة عراقيل وخلافات شخصية أحيانا، وإيديولوجية أحيانا أخرى...

ومع ذلك تظل تجربة مكتب المغرب العربي في القاهرة (ثم لجنة تحرير المغرب العربي) محطة هامة في مجال التنسيق السياسي والإعلامي بين أطرافه، من ناحية وبينها وبين حاضنته مصر ودول المشرق العربي من ناحية ثانية.
وبعد أن دعا إلى التأمل في هذه التجربة لنتبين من خلالها كيف كنا بالأمس، وكيف أصبحنا اليوم، اختتم السفير محمد إبراهيم الحصايري مداخلته بالتأكيد على "أننا، في كلمة، بحاجة ماسة الى مراجعة جذرية لرؤيتنا ورؤيانا للعمل العربي المشترك ولأداته الأساسية جامعة الدول العربية... رؤية ورؤيا تأخذان بعين الاعتبار مستجدات الواقع الإقليمي والدولي لكن تقوم على مبادئ لا تتغير بتغير الزمن الا وهي مبادئ التآخي والتضامن والعيش المشترك في كنف السلم والامن والاستقرار"./.

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.