ماذا يخفي السّخاء الصّيني إزاء القارّة الأفريقية؟
ما الذي تسعى الصين إلى تحقيقه لنفسها من منافع سياسية واقتصادية من خلال إغداقها السخيّ مجدّدا بما لا يقلّ عن 60 مليار دولار على القارة الأفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة؟ المنطلق هو مبدأ «الالتزام بمسؤولياتها في تقديم مساهمات جديدة وأكبر للبشرية» مع التركيز على القارّة السمراء «لتحقيق الحلم المشترك في بناء نموذج جديد يحتذى به للبشرية جمعاء!» ذلك ما أكّده الرئيس شي جين بينغ لدى افتتاحه قمّة بيكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي يوم 3 سبتمبر الجاري، فيما تتعالى عديد المواقف الغربية محذّرة من انبلاج «هيمنة جديدة» تضع يدها على ثروات أفريقيا الطبيعية من طاقة ومناجم بالخصوص وتحتكر أسواقها لتكون لمنتجاتها وخدماتها قدم راسخة فيها وتثقل طاقة الدول بديون مكبّلة ترهن سيادتها الاقتصادية وهو ما يدحضه بقوّة عديد القادة الأفارقة.
أثبتت الصين قدرتها على استقطاب البلدان الأفريقية واكتساح أسواقها وبعثت برسالة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي وضّفت على منتوجات هذا البلد رسوما عالية وتتأهب لمزيد تشديد هذه الرسوم بما لا يقل عن 200 مليار دولار. كما فتحت الصين بوّابتها القمرقية للبضائع المكسيكية والفيتنامية وأرادت أيضا أن تؤكّد لأوروبا ريادتها الاقتصادية خاصّة بعدما تواصل اقتناء كبرى شركات الطاقة من كهرباء وغاز في البرتغـــال واليونان وكذلك مشغّلي الاتّصالات وغيرها.
وفي الوقت نفسه، تقضّ بيكين مضجع اليابان وباقي النمور الآسيوية الناشئة بما تقطعه على هذه البلدان من طريق لتسويق منتجاتها وخاصّة منها التكنولوجية في أفريقيا. كلّ ذلك يتناسق مع مشروعها الضخم لإعادة طريق الحرير من خلال مبادرة الحزام والطريق.
في أكبر تجمّع لقادة الدول الأفريقية على أعلى مستوى خارج القارّة، احتضنت العاصمة الصينية يومي 3 و4 سبتمبر قمّة رؤساء دول وحكومات كافة بلدان القارة تقريبا ( 5 دولة على 54 باستثناء مملكة سوازيلاند) في إطار الدورة السابعة لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي تمّ إنشاؤه منذ 17 سنة. وقد أضحى هذا المنتدى اليوم الإطار الإستراتيجي الجديد ليغيّر خارطة العلاقات الدولية ويكرّس دور الصين باعتبارها قوّة سياسية واقتصادية وتكنولوجية كبرى، تمثّل البديل للقوى الغربية بكافة مكوّناتها.
ولم يخف الرئيس الصيني حرص بلاده على «توجيه ميزان القوّى الدولية نحو أكثر توازن، في مواجهة تحديات غير مسبوقة بفرض الهيمنة وسياسة القوة وتنامي الحمائية والأحادية القطبـــية وكذلك تعاقب الحـروب والهجمـات الإرهـابية والمجـاعات والأوبئة وتشابك القضـايا المعقّدة للأمن التقليـدي وغــير التقليـدي».
اللاءات الخمسة
ومن هنا جاء «حرص الصين حسب قوله، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم على بناء مصير مشترك أوثق مع القارة الأفريقية» التي تجمع أكبر عدد من الدول الأفريقية». وطمأنة لشركائه الأفارقة، جدّد الرئيس شي جين بينغ التأكيد على مبدا «اللاءت الخمسة» الذي تعتمده بلاده وهي:
- عدم التدخّل في الشؤون الداخلية
- عدم التدخّل في الاختيارات التنموية
- عدم فرض أي إرادة على الآخرين
- عدم الربط بين المساعدات وشروط سياسية
- عدم السعي إلى كســـب مصلحة سياسية من خلال الاستثمـــار والتمويل.
وإذ أكّدت الصين حرصها على «الاضطلاع بدور نشيط في الحوكمة الدولية»، فقد دعت إلى «دعم زيادة تمثيل الدول النامية الفقيرة في إدارة الشؤون الدولية وإعلاء صوتها وتعزيز قوّة دول الجنوب لتسهم في الحوكمة العالمية بما يضمن مصالح أغلب الدول وخاصة النامية منها بشكل أكثر توازنا».
ثمانية أوجه إنفاق وإنماء، بضوابط محدّدة
هذا الإطار السياسي الاستراتيجي الواضح، تسنده الصين بمساعدات مالية جزيلة لفائدة أفريقيا (60 مليار دولار) عن طريق المساعدات الحكومية والاستثمار والتمويل من المؤسّسات المالية والشركات. وتتوّزع هذه الاعتمادات السخيّة كما يلي:
- 15 مليار دولار من المساعدات دون مقابل وقروض دون فوائد وقروض بشروط ميسّرة
- 20 مليار دولار من صناديق الائتمان
- 10 مليارات دولار للتمويل التنموي الصيني
- 5 مليار دولار لتمويل استيراد منتجات افريقية للسوق الصينية.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمّ حثّ المؤسســات الصينية على استثمـــار ما لا يقل عن 10 مليار دولار خلال نفس الفترة في الدول الأفريقية، فيما يتمّ إعفاء الدول الأفريقية الأقل نموّا والدول الفقيرة المثقلة بالديون والبلدان غير الساحلية والواقعة بالجزر، من تسديد القروض لغاية نهاية عام 2018.
كلّ هذا الكرم الصيني الذي أسال لعاب قادة الدول الأفريقيــة لا يأتي مجانا هكذا، دون ضوابط أو تبويب، أودون تحديد طرق الاستغلال ومواطنه وكيفية تحقيق النجاعة المرجوة. وقد اختارت الصين 8 مجالات كبرى لتمويلاتها وهي:
- التنمية الصناعية
- ترابط المنشآت
- تسهيل التجارة
- التنمية الخضراء والمستدامة
- بناء القدرات
- الصحّة
- التواصل الشعبي
- السلم والأمن
وتتوفّر المبادرة على جملة من المنح الدراسية (50.000 في كلّ واحد من عديد المجالات) وإيفاد الخبراء وإنشاء مراكز مختصّة وهياكل تواصل وتنفيذ مشاريع إنمائية واجتماعية وصحية وبناء مستشفيات وتوفير أطباء وإطلاق مشاريع بيئية واستحثاث نقل التكنولوجيا وغيرها..
توفيق الحبيّب
قراءة المزيد:
- اكتب تعليق
- تعليق