اصدارات - 2018.09.13

حتى لا يكون الأخير....كتاب "الهادي شاكر: جهاد واستشهاد"، لعبد المجيد شاكر

 حتى لا يكون الأخير....كتاب "الهادي شاكر: جهاد واستشهاد"، لعبد المجيد شاكر

في الثالث عشر من سبتمبر من عام 1953 تمّ اغتيال الزعيم السياسي التونسي الهادي شاكر. أي منذ 65 سنة. في العام 2008، أصدر الديبلوماسي السابق عبد المجيد شاكر كتابا عن المناضل الراحل الهادي شاكر، الذي هو أخوه، يحمل عنوان "عبد المجيد شاكر، جهاد واستشهاد". كنت كتبت عامها تعريفا بالكتاب، بعثته لبعض الصحف لكنه لم يجد فرصة للنشر. وها إني أعود إليه بعد عشر سنين، نافضا عنه غباره وأطرحه من جديد للنشر.

الكتاب، إذن، أراده صاحبه تعريفا بنضال الزعيم الشهيد الهادي شاكر، وهو الأدعى لفعل ذلك. كيف لا وهو شقيقه أولا، وهو،ثانيا، ابن الحزب الدستوري الجديد الذي ناضل الشهيد الهادي شاكر في صفوفه الأمامية والقيادية منذ اليوم الأول في مطلع الثلاثينات وحتى يوم آغتياله، وبالتالي استشهاده، في فجر الأحد الثالث عشر من سبتمبر لعام 1953.

بفضل هذا الكتاب* يحصل للقارئ، وللشباب بالذات، فكرة عن البيئة التي نشأ فيها المناضل الهادي شاكر(هي محافظة في غير تزمّت)، وعن المنبت الأول لآل شاكر(كان بتركيا، وقد تفرعت عنه عائلات في مصر وسوريا والأردن والعراق. ومن فرع مصر بالأسكندرية جاء جذع عائلة شاكر بمدينة صفاقس في نهاية القرن الثامن عشر أو بداية القرن التاسع عشر، وفق ما أثبته الشيخ المصلح محمد شاكر عم المناضل الهادي شاكر والمؤلف)، وعن ظروف عيش العائلة (في بحبوحة بفضل نجاح تجارة ربّ العائلة الحاج محمود شاكر)، وعن تركيبتها (المناضل الهادي شاكر ولد عام 1908، وهو أكبر أحد عشر شقيقا وشقيقة)،وعن خصاله القائمة على التواضع والأخلاق العالية والجدّ والتسامح وقبول اختلاف الرأي. وقد تقدم،بعد حصوله على ديبلوم التجارة في العاصمة، وزواجه وهو في التاسعة عشرة من العمر،ووفاة والده، وهو في الحادية والعشرين، تقدم الشاب الهادي شاكر لتحمل أعباء أسرته الجديدة ومسؤولية عائلته الكبيرة، بوالدته وإخوته وأخواته، وإدارة تجارة والده وأملاكه.

المؤلف قدم كذلك، بالرجوع إلى الأرشيف الوطني، وتقارير مصالح الأمن الاستعمارية التابعة للجهة الخامسة للشرطة، وكان مقرها في مدينة صفاقس، وإلى منشورات الصحافة، وإلى شهادات بعض الزعماء والمناضلين، وإلى بعض رسائلهم إلى المناضل الهادي شاكر، وأحيانا إلى شهادات المؤلف نفسه، وإلى عدد من المراجع المهمة الأخرى، قلت قدم المؤلف معلومات مفيدة عن أهمية الزعيم الهادي شاكر في الحقل النضالي، وعن مكانته الرفيعة بين القادة الدستوريين على الصعيد الوطني، ولدى سائر المناضلين والمواطنين في جهة صفاقس. كل ذلك مدعّم بعرض سيل من الأحداث المهمة قي مسار الحركة التحريرية على الصعيدين الجهوي والوطني، والتي كان للزعيم الشهيد دور بارز فيها وتضحيات جسام، بدأت بفقدان ثروة العائلة جراء الانغماس في النضال السياسي، ثم بفقدان الأم، فالزوجة، وهو في المنفى، قبل أن يواجه الموت ببسالة الأبطال ويقدم حياته فداء لوطنه وقضيته.

غير أنّ الملاحظة التي خرجتُ بها، بعد هذا، هي أنّ المعلومات التي قدمها المؤلف عن نضال الزعيم الشهيد، على أهميتها، تكاد تكون إشارات، ولا ترقى، في زخم الأحداث التي تم آستعراضها، إلى القيمة التي تبوّأها الهادي شاكر في ذاكرة ووجدان أبناء جهة صفاقس وأفراد الشعب التونسي ككل. أي أنّ تلك المعلومات، في كلمة، لا تشفي الغليل.. فوجدتني، أمام هذا الشحّ في المعلومات الذي أقرّ به المؤلف نفسه في بعض الأحيان، مجبَراً على عرض ما تجمّع عندي من أسئلة واستفسارات، علّها جالت كذلك بخاطر غيري من قراء الكتاب، الذي يبقى مع ذلك قيماً.

1) كيف آهتم الهادي شاكر، أول مرة، بالنضال السياسي الوطني؟ ومن كان وراء دخوله غماره؟ هل هو صهره المناضل محمود كريشان؟ أم هو الزعيم الحبيب بورقيبة؟

2) ما منشأ العلاقة بين الزعيم الحبيب بورقيبة والهادي شاكر؟ وما سرّ دعوته له لتمثيل صفاقس في مؤتمر تأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد في 2 مارس 1934 بقصر هلال، وهو الذي يقول، أي بورقيبة، إنّ الهادي شاكر لم يكن في الأصل منتميا إلى الحزب الدستوري القديم ولا إلى التيار الجديد؟ ولماذا لم يبحث المؤلف في هذا الجانب في حياة الرئيس الحبيب بورقيبة وقد رافقه فترة مهمة إثر الاستقلال؟

3) إلى أي مدى كان الشهيد الهادي شاكر يقوم بتأمين الدعم المالي للحزب إلى جانب إسهامه النضالي الآخر؟ لأنّ المؤلف، وإن أشار إلى ذلك الجانب، فإنه، برأيي، لم يوفه حظه من الشرح..وهل يمكن القول إنّ صفاقس كانت سندا ماليا أيضا للحزب الدستوري الجديد،خاصة في الأوقات العصيبة؟

4) ألم تتوفر للمؤلف نصوص خطابات للزعيم الشهيد؟ ألم يقدر على تجميع رسائله إلى رفاق الكفاح، في حياتهم؟ ألم يكتب الهادي شاكر في الصحافة إلا المقال اليتيم عن المغارسية، والذي ضمّنه المؤلف في الكتاب؟

5) كيف كانت علاقة الزعيم الهادي شاكر بالاتحاد العام التونسي للشغل وبالزعيم فرحات حشاد تحديدا وبالمناضل الحبيب عاشور؟ ثم مع سائر المنظمات الوطنية؟ فعدا بعض الإشارات، لم يتعمق المؤلف في الحديث عن هذه العلاقة. فحتى وإن كان المبدأ آحترام آستقلال هذه المنظمات فإنّ الجميع يعرف أنه كانت هناك علاقات تنسيق وتشاور وثيقة بين قيادات الحزب وهذه المنظمات، وخاصة المنظمة الشغيلة. فالزعيم فرحات حشاد آختير مرتين لعضوية الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد في مطلع الخمسينات قبل آغتياله. والمناضل الحبيب عاشور هو من وضع ورتّب خطة هجرة الزعيم الحبيب بورقيبة، سراً، عن طريق البحر إلى الشرق عبر ليبيا. وهذا كله تحدّث عنه المؤلف بأمانة في كتابه، غير أنّه لم يلق الضوء على طبيعة العلاقة وتفاصيلها بين الزعيم الهادي شاكر وكل من الزعيم فرحات حشاد والمناضل الحبيب عاشور آنذاك.

6) كيف كان الزعيم الهادي شاكر يدير النضال في جهة صفاقس، وماهو مدى تأثيره في جيله وفي جيل الشباب الذي اقتفى أثره في النضال من أمثال محمد بكور وأحمد شطورو والمؤلف نفسه؟ وكيف كانت العلاقة بينه وبينهم، وما هي المهمات التي كانت موكولة لهؤلاء الشبان؟ فعدى بعض الإشارات عن كل من محمد بكور وأحمد شطورو، ثم عن الشابين محمد كمون وحامد خنفير اللذين كان لهما دور في إحكام خطة اغتيال أحمد بلقروي على يد الشاب محمد بن رمضان يوم 8 أوت 1953 فلا نجد معلومات ضافية عن فكر هؤلاء الشباب ونشاطهم.

قد يكون ذلك في المحطة القادمة..

الخلاصة أنه إذا كان، والحمد لله، قد عرف الناس فكر ونضال  الزعيم الشهيد فرحات حشاد ومسيرته بفضل كتاباته في الصحافة، وفي جريدة الشعب بالخصوص، وبفضل نصوص خطبه، وشهادات رفاقه وباقي الزعماء (ولعل الكتاب الذي أصدره الأستاذ أحمد خالد في هذا الشأن قد زاد هذه المسيرة إنارة) فإنّ المعلومات بالنسبة إلى الشهيد الهادي شاكر بقيت ضنينة برغم أهمية كتاب الأستاذ عبد المجيد شاكر،أو بعض الكتب الأخرى،على قلتها،ومنها كتاب الزميلة السيدة القايد. وهذا ما يدعو المؤرخين والباحثين ومن بقي على قيد الحياة من رفاق درب المناضل الكبير، والمؤسسات المعنية، وخاصة منها، بل في مقدمتها، مؤسسة التميمي ومعهد تاريخ الحركة الوطنية، إلى مزيد الحفر والبحث لإنصاف هذا الرجل وأمثاله ممّن ضحوا بالغالي والنفيس من أجل وطنهم دون أن يبغوا جزاءً ولا شكورا إلا مرضاة ضمائرهم.

بعد هذا أعود لأقول إن هذه الأسئلة والملاحظات، التي سقتها منذ حين، لاتقلل من قيمة كتاب السيد عبد المجيد شاكر"الهادي شاكر: جهاد واستشهاد". فهو يستحق فعلاً القراءة.

مختار اللواتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.