عادل الأحمر: بيـــن السيّـــارة والــسّيــجــارة!

 عادل الأحمر: بيـــن السيّـــارة والــسّيــجــارة!

على امتــداد صداقتنــا ومرّ السنوات، تعوّدت من صديقي العيّاش على زوز كــذبات، تتكرّر دوريا وبكلّ ثبات، مرّة عند «تعديل» أسعار المحروقات، ومرّة عند ارتفاع أسوام الدخان، وهو رجل قسم حياته بين شيشة وسواقر أميريكان.

عندما يعلن ليلا تحت جناح الظلام، وهذه عادة حميدة لدى ســاداتنا الحكّـــام، أنّ أسعار البنزين «عدّلت»، ولا تقولو: «رفّعت»، يحلف العيــاش بأغلظ الأيـــمان أنّه تارك السيارة إلى آخر الزمان، وسوف يستعمل كيــف الناس جمليّة، وسائل النقل العمومية. لكنّه بعـد أيام قليلة من المعاناة المرّة، يقسم ألاّ يعيد الكرّة، وقد ضاق ذرعا بازدحام الميتروات، والتأخّر المزمن للحـافلات، وما يعانيه واحد فينو كيفو من دز وعفس، ولكم ورفس، إضافة إلى انبعاثــات الغـازات البشرية، وروائح العطر الشـذية، التي تبثها  أجساد، تعاركت مع الصـــابون ومــاء «الصوناد».

وإزاء مآسي النقل العام، لا يكثر العياش من الكلام: «ياخي على خاطر خمســـين مليم، يلزمني نعيـــش هالجحيم؟»، ويرجـــع صاحبي لسيارتو، كيف ما يرجع الفرططو للنار إلي تحرقو، وكيف ما يرجع الفلاح للأرض إلّي تعـرقـــو، وكيف ما يرجع الـــملاح للبحر إلّي يغـــرقو... والسمــاح في الخمسين، تزيدهم من مكتوبك وما تقعدشي تبكي وتنين.

ومثل كثير من التوانسة، يعمل العياش  بمبدإ «تكبر وتنسى»، وينسى بالفعل... إلى أن تأتي زيــادة جـديدة في المحروقات، وما كثّر ربي في  هـالمادة إلاّ الزيـــادات. فيعــود العيـاش إلى وسائل النقل العمومــي، ثم يتركهــا بســرعة عـائدا إلى سيارته الفـــردية، وهكذا دواليك على غـــرار دورة حياة الدولة في النظرية الخلـدونية.

وللعياش نفس الحكاية مع الدخان، وهذه هي كذبته الثانية على مرّ الأزمان، فكلّما ارتفع سعر السجائر أرعد صاحبي وأزبد، وهدّد وتوعّد، بأنّه لن يعود بعد ذلك اليوم إلى التدخين، وأنّه  سيمـارس الرياضة في «صالة» أو «بيســـين»، ليعوّض فقد الســـواقر المحنــونين. كما يشـــرع في البحـث عبــر الشـــبكة العنكبوتية، عن طرق الفطام من هـذه المحنة المرزية.

ثمّ يبـدأ العياش في التطبيق، لكن بسرعة خلوقو تضيق، فهو موش متاع حركات رياضية، ولم يعرف مـن الرياضة إلاّ تشجيع الجمعية، وهو على مدارج الملاعب، لا شاقي ولا تاعب. أمّا طرق تبطيل الدخان، والخروج من الإدمـــان، فقد جرّب جلّها، إن لم يكن كلّها، لكّنه كلّما اقترب من النهاية، جاء أمر مفاجئ أرجعه إلى نقطة البداية: زميل أشعل بمحضره سيجارة، أو علبة سجائر عند العطّار غمزت لو غمزة كلّها إثارة... وما أضعـــف الإنسان، أمام شهوات كبتها الحرمان!

 ... وهكذا لا يمرّ أسبوع حتّى ترى العياش مثل حليمة، قد عاد إلى عادته القديمة، ينفث من مناخيرة الدخان، وكأنـّو لا صار ولا كان!.

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.