أخبار - 2018.07.15

عبد الحفيظ الهرقام: تونس بين الانقسام الداخلي وإعادة التـمـوقع الخارجـي

عبد الحفيظ الهرقام: تونس بين الانقسام الداخلي وإعادة التـمـوقع الخارجـي

تعكف الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والدائمة والقنصلية التي تنعقد يومي 23 و24 جويلية الجاري على درس السبل الكفيلة بتوظيف ثلاثة مواعيد دبلوماسية هامّة في خدمة مصالح تونس وتعزيز إشعاعها وهي: القمّة العربية والقمة الفرنكوفونية القادمتان اللتان ستحتضنهما تونس سنتي 2019 و2020 وترشّح بلادنا إلى عضوية مجلس الأمن للفترة 2020-2021 بعد مرور عشرين عاما على فوزها بمقعد في هذا الجهاز الأممي. وبصرف النظر عن مدى نجاعة الندوة في شكلها الحالي ومستوى الإعداد لها لا سيمّا فيما يخصّ ما يتعيّن عرضه عليها من وثائق وأفكار تنبع من رؤية مجدِّدة، فإنّه من المنطقي، إن لم نقل من الواجب، أن تحظى هذه الأحداث المنتظرة بقدر كبير من الاهتمام.

غنيّ عن البيان أنّ السياسية الخارجية ليست إِلَّا امتدادا للسياسية الداخلية في مختلف المجالات اعتبارا لما بينهما من تفاعل عميق إيجابا وسلبا وأنّ نجاح التحرّك الدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي  تمهّد له عدّة عوامل داخلية منها استتباب الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية وسيادة القانون وتجذّر الديمقراطية والحكم الرشيد والأخذ بأسباب النهوض الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي والرقي الاجتماعي.

وأمام ما نلحظه اليوم من شروخ عميقة في البنيان الوطني جرّاء المعارك السياسية المحتدمة - إذ يبدو أنّ البلاد تعيش حملة انتخابية قبل أوانها-  ومن انقسام مجتمعي حادّ سببه عودة الجدل حول قضية الهويّة، يحملنا الإقرار بارتباط السياسية الخارحيّة بالوضع الداخلي على التساؤل: هل يمكن لتونس اليوم أن تقوم بدور فاعل إقليميّا ودوليّا وأن تؤثّر في التوجّهات الكبرى السائدة فيه؟ وهل بإمكانها أن تساهم في رسم سياسات وصياغة مواقف تجاه قضايا تعنيها بالدرجة الأولى مغاربيا وعربيا وأفريقيا ومتوسطيّا؟

ومع إدراكنا لصعوبة المهمّة المنوطة بعهدة الدبلوماسية التونسية في ظلّ هذه الأوضاع الداخلية المتأزّمة، نعتقد أنّ تجاوز كلّ العراقيل والمكبّلات قصد التموقع الناجع في الفضاء الخارجي بات أمرا حيويّا يرتقي إلى منزلة الواجب الوطني، خاصّة وأنّ لتونس من المزايا التفاضلية ومن سمعة طيبة اكتسبتها كديمقراطية ناشئة تعمل على تكريس الحريّات وترسيخ منظومة حقوق الإنسان ما يؤهّلها لبلوغ هذه الغاية. ولاشكّ أنّ من الرهانات المطروحة على تونس اليوم التأقلم مع واقع العلاقات في محيطها القريب ومواكبة متغيّراتها، بدءا بالفضاء الأوروبي الذي يعيش اليوم حالة من التمزّق بسبب تباين الرؤى بشأن ملفّ الهجرة ولم  تفض قمّة بروكسيل الأخيرة إِلَّا إلى حلّ توافقي بخصوصه لا يرقى إلى مستوى الاتفاق الصريح. كما يواجه الاتحاد الأوروبي اليوم تحدّيين كبيرين يتمثّلان في مراجعة اتفاقيات شنغان ومعالجة الإشكاليات الناجمة عن هشاشة منطقة اليورو التي تظلّ على الرغم من التحسّن الاقتصادي العام الذي شهدته عرضة إلى مخاطر اندلاع أزمة ماليّة أخرى. وتملي مواكبة هذه المتغيّرات على تونس أن تكون شريكا فاعلا مع الاتحاد الأوروبي في صياغة سياسات تراعي مصالحها ومصالح باقي بلدان الضفة الجنوبية للمتوسّط في مجالات هامّة كدفع الاستثمار بها والهجرة وحريّة تنقلّ الأشخاص والتنميـة المستـدامة ومقـــاومة التلوّث في المتوسّط...

أمّا مغاربيا وعربيا وإفريقيا فإنّ الرهان يكمن في استعادة تونس لمكانتها ودورها في هذه الفضاءات بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية ويسمح لها بالمساهمة في إيجاد حلول للقضايا المشتركة.  وفِي ظلّ تنامي سطوة الشركات الصناعية الكبرى التي أضحت تتحكّم في الاقتصاد الدولي وتؤثّر في سياسيات الدول المصنّعة يُؤمَّل أن تكون تونس من بين البلدان النشطة في تطوير مفاهيم العلاقات الدولية وإعادة صياغتها في اتّجاه نظام عالمي جديد أكثر عدلا وإنصافا.

إنّ الاضطلاع بهذه المهمّة لا يقتصر على وزارة الشؤون الخارجية فحسب، فالكلّ يعلم حدود مواردها البشرية والمادية، بل هو مسؤولية تتقاسمها الدولة وسائر القوى الحيّة للمجتمع ولاسيّما الجمعيات والمنظّمات المتخصّصة ومراكز العصف الفكري (think tank) والدراسات الاستراتيجية على أن تتضافر جهود كلّ هذه الأطراف لصياغة رؤية جامعة  لدور بمقدور تونس أن تنهض به في الساحتين الإقليمية والدولية متى توفّرت الإرادة وتطّورت الإمكانيات وتوحّدت الوسائل.

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.