أخبار - 2018.06.21

الانتخابات الأخيـرة في البلـدان العـربـية, إقبال ضعيف وتأثّر بالأوضاع الإقليمية في المنطقــة

الانتخابات الأخيـرة في البلـدان العـربـية, إقبال ضعيف وتأثّر بالأوضاع الإقليمية في المنطقــة

شهد شهر ماي 2018 تنظيم استحقاقات انتخابية في العديد من البلدان العربية كتونس والعراق ولبنان، كان لنتائجها انعكاسات لا فقط داخلية وإنّما أيضا إقليمية، ولكن يبقى القاسم المشترك بينها عزوف الناخبين عن التصويت، في رسالة واضحة للسياسيين حول انعدام الثّقة بهم.

لعلّ أهـمّ مــا يجــمـع الانتخـابـات في تــونس والعــراق ولبنان ضعـف إقبـال النــاخبين مقــارنة بالاستحقاقـــات الانتخابية السابقة، ففي تونـس، بلغـت نسبـة الإقبال في الانتخابات البلدية 36 % في حــين كانت 68% في الانتخابات التشريعية في 2014. وفي العراق، لم تتجاوز نسبة إقبال النــــاخبين 45% في الانتخــابات البرلمانية التي انتظمت في 12 ماي 2018 في حين أنّ هذه النسبة بلغت 60 % في الانتخابات التشريعية في 2014. أمّا في لبنان، فقد بلغت النسبة في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 6 ماي 49.2 %، في حــين وصلت إلى 54 % في الانتخابات النيابية التي نُظّمت في 2009. 

يفسّر هذا التراجع في نسبة الإقبال بعزوف لدى النّاخب العربي عن السياسية بعد فقدانه الثّقة في الطبقة السياسية الحاكمة وفي قدرة آلية الانتخابات على تغيير وضعه وتحقيق تطلّعاته.

ولكن تظلّ نتائج الاستحقاقات الانتخابية، رغم العزوف عن المشاركة فيها، معيارا مهما لتقييم الوضع السياسي في بلد ما وفي التوجّه الموجود على مستوى الساحة الداخلية أو الخارجية، خاصّة وأنّ الانتخابات الأخيرة في لبنان والعراق لها تأثير على كامل منطقة الشرق الأوسط.

الانتخابات التونسية: مفاجأة صعود المستقلّين

لئن نتج عن الانتخابات البلدية في تونس فوز حركة النهضة بحصولها على 29% من الأصوات مقابل 22 % لنداء تونس، فإنّها شهدت دخول لاعب أساسي في العملية السياسية وهم المستقلّون الذين تحصّلوا على أعلى نسبة أصوات (32 %)، ليكون ذلك بمثابة الصفعة أو العقاب الجماعي للأحزاب السياسية على ضعف آدائها واعتمادها منطق المصلحة الضيّقة والـــزبونية دون تقديم رؤية إصلاحية لوضع البلاد.

هذا الدّخول المفـاجئ للمستقلّين في المشهد السياسي سيساهم مــن دون شكّ في إعطائه توازنا أكثر وثراء ومنـــح فرصة لغير السياسيين في لعب دور مهمّ في تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في جهاتهم وتطوير المعادلة السياسية التي كانت إلى حدّ قريب مقتصرة على الحزبين الرئيسيين، لخلق معطيات جديدة استعدادا لانتخابات 2019.

ولكن يبقى الوضع التونسي استثنائيا كالعادة في المنطقة العربية التي تتداخل فيها مصالح عدّة، ممّا يجعل الــوضـع الداخلي لكــلّ بلد مرتبطا دائما بما يحصل على المستوى الإقليمي. هكذا جاءت نتائج الانتخابات في لبنان والعراق لتعزّز هذا التــوجّه. فالانتخابات البنانية دعّمت وجود حزب الله في المشهد السياسي  ومـا يعنيه ذلك من تدعيم نفوذ إيران ونظام الأسد في لبنان. أمّا الانتخابات العراقية، فعرفت صعود التيارات الرافضة للوجود الإيراني في العراق مثل تحالف «سائرون» الذي يقوده رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر. وفي الحالتين، اللبنانية والعراقية، فإنّ المشهد السياسي الجديد ليس بمعزل عمّا يحصــل في المنطقة من توسّع النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن ومحـــاولات الشقّ السنّي الممثّل في العربية السعودية والإمــارات وقطر، بمساندة الولايات المتحدة وإسرائيل، مواجهة هذا التمدد ودعم حلفاء سياسيين قادرين على التصدي له من الداخل.

الانتخابات اللبنانية وصعود حزب الله

كرّست الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان صعود حزب الله وحليفــه «حركة أمل» حيث حصد الإثنان 29 مقعدا في البرلمان اللبناني الذي يضمّ 128 مقعدا، كما عزّز حزب الله وجوده في بيروت عبر حصوله على أربع مقاعد. وبتحالفه مع أحزاب أخرى، أصبح مسيطرا على البرلمان، وبالتالي، فإنّ بصمته على السياسية الداخلية والخارجية للبنان ستزداد قوّة، ممّا سيعزّز أكثر من ارتباط البلاد بإيران وبالحــرب السورية. الحزب الذي كان يفرض نفسه على الساحة السياسية اللبنانية بقوة السلاح، أصبح اليوم لاعبا أساسيا فيها بقوّة الانتخابات، ممّا سيصعّب كثيرا خروج لبنان من دائرة الحرب في سوريا. وما يزيد الوضع تعقيدا، هو عودة شخصيات لبنانية عُـرفت بتأييدها لنظام الأسد من أمثال فيصل كرامي وجميل السيّد اللذين حصلا على مقاعد في البرلمان وهو ما سيعاضد جهد حـــزب الله في مواصلة الزجّ بلبنان في تحالفاته مع إيران. من جانب آخر، فقد أثبتت هذه الانتخابات ضعف المكوّن السنّـــي الذي صــوّت العديد من المنتمين له إلى حزب الله. كما أنّ «تيّار المستقبل» بقيادة سعد الحريري خسر مقاعدا مقارنة بالانتخابات النيابية السابقة في 2009 حيث تحوّل عدد مقاعــده من 33 مقعد إلى 21 مقعدا. لكن هــذا التيار ظلّ الممثل الرئيسي للسنة، مما مكّن الحريري مــــن استعادة منصبه كرئيس حكومة بعد تكليفه من قبل ميشال عون، رئيس الجمهورية.

لم تحمل الانتخابات اللبنانية تغييرا كبيرا في المشهد السياسي، خاصّة مع بقاء رئيس البرلمـــان، نبيه بــري ورئيس الحكومة في منصبيهما مـــا قبل الاستحقاق الانتخابي، وذلك في محاولة لحفظ التوازنات الداخلية. ولكنّ التغيير الوحيد هو تعزيز حزب الله، ومن ورائه إيران ونظام الأسد، وجودهم في لبنان. في الأثناء، أصدرت العربية السعودية التي بدأت تستشعر الخطر مــــن التمدّد الإيراني قائمة بعشر شخصيات من حزب الله صنّفتهم كإرهابيين مع تجميد حساباتهم ومصــادرة ممتلكاتهـــم. وقـــد أوضحــت السعودية أنّ هذا القرار تمّ اتّخاذه بالتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار استهداف مراكز تمويل الإرهاب. وهذا يعني أنّ الحرب ضد حزب الله وإيران قد بدأت فعلا ولن تستثني أيّ بلد من المنطقة.

الانتخابات العراقية: فيتو ضدّ التدخّل الإيراني

حملت الانتخابات العراقية مفاجأة حقيقية من خلال تصدّر تحالف «سائرون» الذي يتزعّمه، رجل الدين مقتدى الصدر النتائج بحصوله على 54 مقعدا من أصل 329 مقعدا. وهو الذي عُرف عنه كرهه للولايات المتحدة الأمريكية التي حاربها في 2004 وعداؤه أيضا لإيران ودعواته المستمرّة منذ سنوات، للنّأي بالعراق عن التدخل الإيراني وإرجاع البلاد إلى الحاضنة العربية. راهن الصدر منذ بداية حملته الانتخابية على شعارات تدعو إلى إبعاد العراق عن الانقسامات الطائفية وإلى مقاومة الفساد وهي نقاط تمسّ الناخب العراقي في الصّميم، حيث أنّه ملّ ملّ الصراعات السياسية والتدخّل الإيراني المتزايد في شؤون بلده وأصبح مطلبه العيش في سلام وفي بلد لا ينخره فساد السياسيين وتكالبهم على ثروات البلاد وارتهانهم للجهات الخارجية. لذلك كان الإقبال كبيرا على مساندة الصّدر الذي كان قد رفع نفس الشعارات في 2015 منظّما حملات شعبية وصلت إلى حدّ اقتحام البرلمان الموجود في قلب المنطقة الخضراء (الشديدة الحراسة) في بغداد. وكي يعطي رجل الدين الشيعي انطباعا على انفتاحه على جميع التيارات السياسية ورغبته في عراق بعيد عن الانقسامات الطائفية كوّن تحالفا انتخابيا مع الحزب الشيوعي العراقي وأحزاب أخرى ذات توجّه علمانيّ ليقرّب إليه الطبقة المثقّفة في العراق. تكتيك أثبت جدواه في الانتخابات ولكن هل سيستطيع الصدر تحقيق هذا التوجّه الجديد عند تشكيل الحكومة المقبلة؟ ذلك هو التحدّي الكبير الذي يواجهه حاليا وقد تكاثفت المشاورات التي يجريها لتكويــن حكومــة لا يجوز له ترؤسها لأنّه لم يتقدّم شخصيا إلى الانتخابات.

لا يبدو الأمر يسيرا في ظلّ تعقّد المشهد السياسي العراقي وحساب التوازنات الطائفية (بين شيعة وسنّة وأكراد) التي لابدّ من احترمها وإلاّ وُضع استقرار العراق الهشّ على المحكّ. كما أنّ الصدر لا يمتلك أغلبية برلمانية فهو يحتاج إلى التحالف مع قوى أخرى قد لا تشاطره نفس التوجّه. وهو يطمح ،حسبما أعلن عنه، إلى تكوين حكومة تكنوقراط لأوّل مرّة في تاريخ العراق تكون التمثيلية فيها حسب البرامج السياسية وليس حسب الانتماء الطائفي والمحاصصة الحزبية. ولكن هل ينجح في ذلك وأمامه تاريخ من الممارسة السياسية، منذ سقوط نظام البعث في 2003، يُكرّس الحكومات الطائفية، كمــــا أنّ القوّتين الرئيسيّتين المتدخّلتين في العـــراق لــــن تتركاه ينفّذ مخطّطاته كما يشاء. فإيران لا تزال قويّة من خلال وجودها العسكري والسياسي في البلاد، كما أنّ التحالفات الموالية لها والتي خاضت الإنتخابات حصلت على عدد لابأس به مــــن الأصوات مثـــل تحالف «الفتح» بزعامة الهادي العامري وهو ممثّل «الحشد الشعبي» (الميليشيات المدعومة من ايران)، وقد تحصّل على المرتبة الثانية بـ47 مقعدا. كذلك، فإنّ الولايات المتحدة لن تترك الصدر ينفّذ مخطّطه دون أن تتدخّل، فلا يخفى أنّها كانت فاعلة في الانتخابات العراقية الأخيرة عبر دعـــم تحالف «النصر» الذي ترأّسه رئيس الحكومة، حيدر العبّادي والذي حصل على المرتبة الثالثة بـ43 مقعدا. وقد أعربت عن رغبتها في إعادة انتخابه كرئيس للحكومة.

تأتي الانتخابات الأخيرة في لبنان والعراق في سياق سياسي إقليمي مضطرب، خاصّة بعد انسحاب الرئيس ترامب من الاتّفاق النووي وإعادة فرضه عقوبات على إيران ومحاولات الولايات المتحدة وإسرائيل إخراجها من سوريا، بالضغط على حليفها الروسي، إلى جانب جهودهما لزعزة النظام السياسي داخلها. ولا بدّ أن يكون لهذا الوضع الإقليمي تأثير على مشاورات تشكيل الحكومات في العراق ولبنان، حيث سيعمل السياسيون في هذين البلدين قدر الإمكان على الحفاظ على التوازنات السياسية الموجودة وإرضاء كلّ الأطراف تجنّبا للدخول في الصراع الذي يلوح في الأفق بين أمريكا وإيران. كما ستعمل هذه الأخيرة على استغلال نفوذها في مناطق تمدّدها لتُكوّن حزاما لحماية مصالحها تُحرّكه إذا اشتدّ الضّغط عليها.

حنان زبيس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.