أخبار - 2018.04.26

الأزهر القروي الشّابي: التشكيك مثار للاضطراب وعدم الاستقرار

الأزهر القروي الشّابي: التشكيك مثار للاضطراب وعدم الاستقرار

إنّ ما يلفت النظر في المسار السياسي في بلادنا أنّه كلما بدأت الأجواء تميل إلى الهدوء إلا وانطلقت ادّعاءات أو شعارات أو حملات لتعكيرها وهو ما يوحي بأنه كأنما هناك قوى قد تكون داخليّة أو خارجيّة لا تريد لهذه البلاد الاستقرار لإتمام مشوار الانتقال الديمقراطي الذي طال تحقيقه أكثر من اللازم.

ففي مرحلة من الهدوء النسبي انطلقت حملات متعمدة للتشكيك في نزاهة بعض المؤسسات وسمعة الدولة تحت شعار " وينو بترولي " والحال أنّ الخاص والعام يعرف وضعيّة البلاد في هذا الموضوع وما تنتجه من كميات النفط والغاز إذ أنّ الحقائق منشورة على صفحات مواقع المؤسسات المعنية إضافة إلى ما يقوم به المسؤولون على هذه المؤسسات في بعض الأحيان من تقديم التفسيرات والتدقيقات عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والسمعية.                       

وقد كان المقصود من هذه الحملة هو إحداث البلبلة داخل المواطنين الذين من حسن الحظ لم يجاروها لأنّهم أدركوا حقيقتها والقصد منها ولذلك انطفأت هذه الحملة تاركة حسرة في نفوس من تزعّمها ومن جاراهم فيها.                     

ومن الحملات أيضا التي حاول أصحابها من خلالها تعكير صفو مسيرة البلاد هي حملة " منيش مسامح " هذه الضجّة التي قام بها أصحابها ضدّ المبادرة التشريعيّة التي قام بها رئيس الجمهوريّة لإصلاح الأوضاع وطي صفحة الماضي هذه المبادرة التي تجسمت في " قانون المصالحة الإداريّة " والذي كان القصد منه إذابة الحاجز النفسي الذي كان مسيطرا على بعض المسؤولين الكبار في مختلف الإدارات والذي انقلب إلى خوف من اتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب في نطاق وظائفهم الإداريّة وهو ما عطّل السير العادي للإدارة وأثّر في كثير من الجوانب الاقتصاديّة بصورة خاصة وكان تخوّفهم متولّدا عن رؤيتهم لبعض زملائهم أمام القضاء الجزائي من أجل اتخاذهم لقرارات إداريّة بناء على تعليمات من رؤسائهم أو من رئيس الدولة في النظام السابق ولم ينفعهم حتّى تمسّكهم بالفصل 42 من المجلة الجزائيّة.      

إنّ شنّ هذه الحملة كان مصطنعا ومخالفا للقانون وللمبادئ الدستوريّة لأنّه من الثابت أنّ الفصل 62 من الدستور يعطي لرئيس الجمهوريّة حقّ ممارسة المبادرات التشريعيّة باقتراح مشاريع قوانين والذي يفصل في هذه المشاريع هو مجلس نواب الشعب وليس الضجيج أو التجمهر بالشوارع ظنّا أنّ ذلك سوف يؤثر في إرادة نواب الشعب وبذلك تحصل النتيجة التي انبعثت من أجلها هذه الحملة إلا أنّ مجلس نواب الشعب كان في مستوى المسؤوليّة وصوّت لصالح هذا المشروع الذي أصبح مطبّقا الآن من قبل القضاء وانتفع به من ثبت حسن نيّته من هؤلاء الموظفين.

من الثابت أنّ دستورنا يحمي حقوق المواطنين وحرّياتهم وقد خصّص لهذا الموضوع بابا كاملا وهو الباب الثاني الذي يبتدئ بالفصل 21 وينتهي بالفصل 49 وقد ضَمِنَتْ هذه الفصول حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر والإضراب وأيضا الإجتماع والتظاهر السلميين.

إلا أنّ المشرّع لم يترك استعمال هذه الحقوق على عواهنه بل ضبطه دستوريّا بآخر فصل وَرَدَ بباب الحقوق والحريات وهو الفصل 49 الذي أ كّد أنّ القانون هو الذي يحدّد الضوابط التي تمارس بها هذه الحقوق والحريات المضمّنة بهذا الدستور ويبدو أنّ المشرع الذي وضع هذا الفصل ( 49 ) كان يشير بذلك إلى القانون عدد 04 لسنة 1969 المؤرخ في 24 جانفي 1969 المنظّم للاجتماعات العامة والمواكب و الاستعراضات والمظاهرات والتجمهر، ولذلك فإنّه من واجب كلّ من يريد استعمال هذه الحقوق والحريات أن يراعي القوانين المنظّمة لها إذ ليس من الدستور في شيء ولا من القانون أن يعمد مستعملو هذه الحقوق لتأييد مطالبهم إلى غلق الطرقات بالحجارة أو العجلات المطاطيّة المشتعلة لمنع المرور بها أو حتّى بناء جدار فوق السكة الحديديّة لمنع مرور القاطرات ممّا تتعطّل معه المرافق العامة المنتجة والتي تعتبر من أهمّ شرايين الاقتصاد التونسي مثلما وقع في بعض جهات الجمهورية .لا شكّ أنّ الحقوق والحريات مضمونة بالدستور إلا أنّ الدستور قيّد ممارستها باحترام القوانين المنظمة لها وهي معادلة حضاريّة تحمي الحقوق والواجبات.

وآخر ما أدخل البلبلة على الحياة السياسية وعلى كثير من المواطنين هو ما صدر أخيرا من تشكيك في استقلال البلاد الذي تزامن مع الاحتفال بالذكرى الثانية والستين لاستقلال الوطن وكأنّ المثير لهذا التشكيك يقول للمواطنين ، إنّ الاستقلال الذي تحتفلون به غير موجود وإنّ الاستعمار الفرنسي ما يزال واضعا يده على ثروات البلاد ويحتجّ على هذه الشقشقة بوثائق يكفي لدحضها والردّ عليها ما ورد في البيان الصادر بجريدة المغرب الغرّاء بتاريخ 22 مارس 2018  (ص 02) عن ستين أستاذا جامعيّا من خيرة أساتذة التاريخ ببلادنا بيّنوا بالدليل القاطع بطلان ما يُدَّعَى في هذا الخصوص.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا عمدت هيئة الحقيقة والكرامة إلى إثارة هذا الموضوع في هذا الظرف بالذات وفي وقت كان فيه الشعب التونسي يحتفل باستقلاله الذي مر عليه اثنان وستون عاما دون منازع ولا مشكك وباعتراف فرنسا نفسها؟ 

والجواب لا يخلو من أمرين :
ـــ أما لجهل في قراءة الوثائق التاريخيّة وعدم معرفة مقارنتها ببعضها.        
ـــ أو لمحاولة تقوية مركزها في عمليّة التمديد التي ينظر فيها مجلس النواب حتى توهّم البعض أنّها هي التي ترعى مصالح الوطن وتدافع عن مكتسباته أكثر من الدولة ولذلك فإنّ عدم التمديد لها يضرّ بهذه المصلحة إلا أنّ مجلس نواب الشعب قد عاملها بنقيض مقصودها وصوّت لعدم التمديد.                                
إنّ ما أثارته هيئة الحقيقة والكرامة وبالتحديد رئيستها يتنافى مع الواقع ومع القانون.                                                                             
فبمنافاته مع الواقع  تتجسّم في كون هذه الأرض المرتبطة بوحدة جغرافيّة ذات حدود مضبوطة تعرف جغرافيّا باسم تونس أو البلاد التونسيّة هي دولة مستقلة ذات سيادة ويتجسّم استقلالها وسيادتها في توفّر كل مقومات الدولة المستقلة فيها، وهذه المقومات المتفق عليها تتجسّد في:                           

  • جيش وطني يحمي حدودها وشعبها.
  • مؤسّسات تشريعيّة تصدر القوانين بكلّ حرية لحماية المتساكنين.             
  • قضاء وطني يطبّق تلك القوانين يقضي بين الناس ويوفر لهم الأمن والنظام.
  • إبرام علاقات دوليّة مع بقيّة دول العالم من خلال التبادل الديبلوماسي.       
  • سلطة تنفيذية تدير شؤونها وترعى مصالحها .                                 
  • دستور محرّر من نوابّ الشعب ينصّ على الحقوق والحريات للمواطنين ويؤكد على تفريق السلط.                                                           
  • علم يرفرف بانفراده يبعث النخوة والعزة في نفوس الناظرين.                

فكلّ هذه المقومات التي تتمتّع بها تونس هي التي تجسّم استقلال الدولة التامّ وسيادتها الغير المنقوصة.                                                           

أما منافاته مع المبادئ القانونية فتجسم في ما يلي:

إنّي لست من رجال التاريخ ولذلك فإنّه لا يمكن لي أن أتناول بالدرس الوثائق التاريخيّة التي انبرمت بين تونس و فرنسا من تاريخ الحماية يوم 12 مارس 1881 إلى الآن وثقتي كبيرة في أساتذتنا من المختصّين في مادة التاريخ ليقوموا بهذا الموضوع وقد قاموا به فعلا ويقومون به لإنارة الرأي العام، لكن باعتباري باشرت مهنة المحاماة العظيمة لعشرات السنين فقد تكوّنت لي ملكة بسيطة لفهم النصوص القانونيّة ومواد الاتفاقيات الدوليّة والتي هي في الحقيقة قوانين ومعاهدات، بمثابة العقود التي تنظّم العلاقات بين الدول.                   

فلو رجعنا إلى بروتوكول الاتفاق المبرم بين تونس وفرنسا في 03 جوان 1955 لوجدنا أنّ هذه الوثيقة ممحّضة وصريحة في منح تونس الاستقلال الذاتي أي ممارستها الكاملة للسيادة الداخليّة باستثناء الدفاع والشؤون الخارجيّة حسبما نصّ على هذا صراحة بالمادة الرابعة من هذه الاتفاقيّة لكن هذه الاتفاقيّة الموقّعة يوم 03 جوان 1955 من ممثّلي الدولتين فعن تونس من السيّدين الطاهر بن عمّار الوزير الأول رئيس مجلس الوزراء والمنجي سليم وزير دولة وعن الجانب الفرنسي من السيّدين ادﭬار فور رئيس مجلس الوزراء وبيار جولي  (Pierre    (Julyوزير الشؤون المغربيّة والتونسيّة، لم تعمّر إلا نحو الثمانية أشهر إذ فتحت مفاوضات جديدة في 27 فيفري 1956 تولّد عنها بروتوكول 20 مارس 1956 الذي اعترفت من خلاله فرنسا باستقلال الدولة التونسيّة استقلالا تامّا وقد تجسم هذا الإقرار بالاستقلال التامّ لتونس في:                           

ــ ما نصّت عليه الفقرة الثانية من بروتوكول 20 مارس الترجمة العربية حيث جاء بها :

" وتؤكدان ( يعني فرنسا وتونس ) اقتناعها بأنّه بإقامة علاقتهما على أساس "   " الاحترام المتبادل و الكامل لسيادتهما في نطاق استقلال الدولتين و تساويهما"  " تدعم فرنسا وتونس التضامن الذي يربط بينهما لأجل خير البلدين "          
وتنتهي هذه الفقرة باعتراف صريح من فرنسا باستقلال تونس حيث ورد بها في النسخة الفرنسيّة ما يلي : "  La France reconnaît solennellement l’indépendance de la Tunisie "

أبعد هذا الاعتراف الصريح وبعد مرور عشرات السنين يمكن أن يشكّك مشكك في استقلال تونس أو يقول إنّ بروتوكول 20 مارس 1956 لم يأت بالاستقلال أو إنه لم يلغ معاهدة 12 ماي 1881؟ لقد نصّ هذا البروتوكول صراحة على أنّ معاهدة 12 ماي 1881 أصبحت غير صالحة لإدارة العلاقات الفرنسية التونسية والتنصيص على عدم صلوحيتها لإدارة العلاقات التونسية الفرنسية كان بناء على ما نصّ عليه بروتوكول 20 مارس المذكور الذي يضع حدّا حتى لاتفاقيات 03 جوان 1955 التي جاءت بالاستقلال الداخلي لتونس باعتبار أنّ تلك الاتفاقيات أصبحت لا تتلاءم مع الوضع الجديد لتونس باعتبارها قد أصبحت دولة مستقلّة ذات سيادة والتنصيص بالفقرة " ب " من البروتوكول على الجمع بين الاستقلال والسيادة التي أصبحت تتمتّع بها الدولة التونسية كان مقصودا لأنهما عنصران مكمّلان لبعضهما يجسّمان كيان الدولة الحرّة المستقلة التي مصيرها بيدها.                                                

وتجسيما لهذه السيادة و الاستقلالية نصّت الفقرة " ج " من البروتوكول على  مباشرة" تونس لمسؤولياتها في مادّة الشؤون الخارجية والأمن والدفاع وكذلك تكوين جيش وطني تونسي "  وهو ما قامت به في إبّانه الدولة التونسية الحديثة إذ تونست الأمن يوم 18 أفريل 1956 وأصبح أمنا وطنيّا كما كوّنت نواة الجيش الوطني التونسي وتمّ أوّل استعراض لبعض وحداته يوم 24 جوان 1956.         

استمرت الدولة التونسية في تجسيم سيادتها فانتخبت يوم 25 مارس 1956 المجلس القومي التأسيسي الذي عقد أول جلسة له يوم 08 أفريل 1956 برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة الذي تخلّى عن هذه الرئاسة ليترأّس يوم 14 أفريل 1956 أوّل حكومة بعد الاستقلال. هذه الحكومة التي بادرت يوم 12 نوفمبر 1956 بالانخراط في منظمة الأمم المتحدة.                                       

وبموجب اتفاقيّة 07 مارس 1957 استرجع القضاء الوطني سيادته على  كامل متساكني البلاد التونسية بعد أن تمّ الإعلان عن حذف المحاكم الفرنسية وإحالة اختصاصها إلى المحاكم الوطنية.                                           

وممّا تجسّمت به سيادة الدولة التونسية واستقلالها هو إعلان النظام الجمهوري يوم 25 جويلية 1957 وإعلان استقلالها عن الفرنك الفرنسي وإنشاء عملة وطنيّة مجسّمة في الدينار التونسي الذي أصبح العملة الوطنية الوحيدة القابلة للتداول ببلادنا نفاذا للقانون عدد 109 ــ 58 المؤرخ في 18 أكتوبر 1958.   

إنّ كل ما سبق التعرّض إليه أعلاه سواء من الناحية الواقعيّة أو القانونيّة يقيم الدليل القاطع على أنّ تونس دولة مستقلة ذات سيادة وأنّ من يشكّك في ذلك هو كمن يشكّك في الشمس في رابعة النهار.                                       

المواطن الأزهر القروي الشّابي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.