الحكومة والنّعجة »دُولِي«

الحكومة والنّعجة »دُولِي«

النعجة «دولي» هي أوّل كائن ثدييّ مستنسَخ من خليّة حيوان آخر. كان ميلادها أو تخليقها أو خَلْقها، عام 1996 في سكوتلندا؛ ولكنّ العزيزة «دولي» لم تعمّر طويلا، وماتتْ وهي في شرخ الشّباب في 14 فيفري 2003؛ والحقيقة أنّها لم تَمُتْ ميتة طبيعيّة، ولكنّ العلماء والأطبّاء والبيـــاطرة ارْتَأَوْا أن يضعـــوا حدّا لحياتها، أي أن يقتلـوها قتلا رحيما؛ ومتى كان القتل رحيما؟

وقد فعلوا فعلتهم حين استبدّت بها ذات الرّئة، فتدهورت صحّتها وبرّحت بها آلامها وأيقنوا ألاّ أمل في شفائها... وأمراض الرّئة أمر عاديّ مألوف في النّعاج المسنّة؛ ولكنّ «دولي» كانت في عزّ شبابها؛ فكيف دبّت إليها الشّيخوخة مبكّرا، وكيف ركبتها أعراض الكِبر، وهي في ربيع العمر؟ تماما كما يحدث لحكومتنا ولم تبلغ من العمر إلاّ بضع شهور. والشّيخوخة قَبْلَ أوانها داء ما له دواء. ولم يجد العلماء بَعْدُ، تفسيرا دقيقا ومقنعا لما حدث لِدُولي؛ ولكنّ التّشريح الأوّلي يشير إلى أنّ الشّيخوخة تسرّبت في البـــدء إلى أذنيها، فثَقُل سمعـــها، حتّى كـــادت تطرش، وهي ذات الأعراض التي نراها على حكومتنا؛ فانكفــــأتْ على نفسها؛ والانكفـــاء على النّفس آفة الطّرش؛ فهـــي لا تسمـــع إلاّ طنين أذنيها، ولا تسمع دمدمة الرّعد ولا هـــدير المــوج يكاد يأخذها على حين غرّة؛ ومصيبة الأطرش أنّه لا يسمع إلاّ صوته، يحسبه وَحْيًا يُوحَى...

امرأة طرشاء حبكتْ رضيعها على ظهرها وخرجت إلى حقلها للحصاد... وهي منهمكة في عملها، أقبل عليها رجل أطرش وقال لهــا: «الله يعينك؛ إنّي أبحث عن قطيع غَنَمٍ، شرد منّي منذ ســـاعة، فاقتفيتُ أثره حتّى بلغتُ حقلك؛ وهو قطيع لا يَخْفَى، ففيه حَمَلٌ مكسور، يضلع، بالكاد يلحق بأقرانه. لو وجدتُ قطيعي فسأمنحك ذاك الحَمَل، هديّة منّي»؛ ثمّ أشار بيده جنوبا، وهو يقول: «أتمنّى ألاّ تكون نعاجي بلغت ذاك الجرف، فهو منزلق خطير»؛ ولأنّ المرأة لم تكن تسمع، فقد حسبته يسألها «أين ينتهي حقلك؟»، فأشارت بيــدها شمالا، وهي تقـــول: «حقلـي ينتهي هناك»؛ ولأنّ الرّجـــل لم يكـــن يسمـــع فقد حسبها تقول «أظنّ قطيعــك شرد إلى هناك»، فسار حيث أشارتْ، فإذا قطيعه الصّغير خَلْفَ أكمة، فساقَه، حتّى بلغ المرأة، يريد أن يكون عند وعده، وأشار إلى حَمَله الكسور أن خُذيه؛ ولأنّ المرأة لا تسمع، فقد حسبته يتّهمها ويقول لها: «لمــاذا كسرت هذا الحَمَل المسكين؟»، فصرخت في وجهه: «لا تتّهمني! خذْ قطيعك وانصرف!»؛ ولأنّ الرّجــل لا يسمع فقد حسبها تقول له: «لا أرضى بهذا الحمل المكسور، أريد خروفا أسمن»؛ فقال لها: «لقد وعدتك بهذا الخروف، ولن أمنحك غيره»؛ وغضب الرّجل، وغضبت المرأة، حتّى أوشكا أن يتشابكا، ولكنّ الفلاّحين في الحقول المجاورة هرعوا إليهما وفصلوا بينهما؛ ولأنّهما كانا عنيدين، فقد اختصما إلى المحكمة؛ فلمّا كان يوم الجلسة، جلس القاضي للحسم بينهما، وكان أطرش؛ فقالت المرأة الطّرشاء: «يا سيّدي القاضي، جاء هذا الرّجل يسألني أين ينتهي حقلي، ثمّ انصرف وعاد يحمل بين يديه حَمَلا مكسورا، ويدّعي أنّي كسرته، وأقسم لك يا سيّدي أنّي لم أكسره، ولم أره حتّى من قبل»؛ وقال الرّجل الأطرش: «صحيح، يا سيّدي القاضي، لقد دلّتني هذه المرأة على قطيعي الذي شرد منّي، ولكنّها لم تقبل بالحمَل المكسور الذي وعدتُ، تريد خروفا أسمن، وكيف أعطيها خروفا أسمن، ونحن على أبواب العيد؟»؛ ونظر القاضي، عينٌ على الرّجل، وعينٌ على المرأة، وعينٌ على الرّضيع الذي حبكته على ظهرها، من أين للقاضي بثلاث عيون؟ لا بدّ أنّي أخطأت الحساب؛ ثمّ قال: «سمعتُ وفهمتُ؛ أيّها الرّجل، هذا الرّضيع ولدك، يكفي أن تنظــر إلى أذنيه لتدرك كم هو يشبهك؛ أنت أبٌ سيّء وزوج سيّء؛ وأنت أيّها المرأة، ما كان يجدر بك أن تأتي إلي المحكمة سافرةً، حاسرة الرّأس؛ وما كان يجدر بك أن تنشري غسيل بيتك على النّاس؛ هذه خلافات بسيطة تقع في كلّ بيت؛ عودا إلى منزلكما، وكفّا عن هذا الهرج والمرج». فلمّا سمع الحاضرون، أخذتهم نوبة من الضّحك، والضّحكُ مُعْدٍ كما الطّرش، فطفق القاضي يضحك، والمرأة تضحك، والرّجل يضحك؛ ولا أحد عرف أيّ الثّلاثة أكثر طرشا.

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.