أخبار - 2018.03.28

تشجيـع المبـــادرة الخــاصّة في تونس: آلـيـات متــعـدّدة ونتائج دون المأمـول

تشجيـع المبـــادرة الخــاصّة في تونس: آلـيـات متــعـدّدة ونتائج دون المأمـول

تنتشر في تونس ظاهرة تقلق المتدخّلين العاملين على توفير فرص لتشغيل الشباب هي عزوف عدد هامّ منهم عن العمل للحساب الخاصّ وتفضيلهم العمل في القطاع العمومي خاصّة وبدرجة أقلّ في المؤسسات الخاصّة.  ويصرّ هؤلاء على هذا التوجّه رغم رسائل الحكومة المتتالية التي تؤكّد عجز الدولة عن تحمّل العبء المالي الناتج عن وجود أكثر من 600 ألف موظف في القطاع العام ممّا حدا بها إلى إيقاف الانتدابات فيه.

لدعم تشغيل الشباب ومحاربة البطالة في مجتمع يعدّ مؤقتا حوالي 620 ألف عاطل عن العمل من بينهم حوالي 250 ألف مــن حـــاملي الشهادات العليا، وفي سوق شغل يفد عليها سنويا حوالي 60 ألف طالب جديد للشغل ..  التجأت الحكومات المتعاقبة ما قبل الثّورة وما بعدها إلى وضع استراتيجيات تشجّع الشباب على المبادرة الخاصّة والاعتماد على الذّات في بعث المشاريع الصغرى. ذلك أنّ الاقتصاديات الجديدة في العالم نجحت بواسطة المشاريع الصغرى في توفير مواطن شغل للشباب وأصبحت تلك النوعية من المشاريع الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد المعاصر بمساهمتها خاصّة في تنويع النشاط الاقتصادي وقدرتها على تلبية  كلّ متطلّبات المهن الجديدة التي تفرزها التطورات في سوق الشغل وبالتالي تنمية الاقتصاديات الوطنية.

تجاوب محدود

إنّ اتّباع هذا النّهج سيساهم في ترسيخ منوال اقتصادي جديد في تونس به تنمو الثروة ، ويحدّ من هجرة الأدمغة. لكنّ الملاحظ أنّ تجاوب الشّباب مع ذلك كان محدودا. أمّا الذين اقتنعوا بهذه الاستراتيجية وحاولوا تطبيقها فهم أقلية. وتؤكّد بعض الدراسات أنّ 73 % من الشباب الرّاغبين في إحداث مشاريع خاصّة تحبطهم العوائق. لذلك اهتمّت الحكومات المتعاقبة وبتفاوت، بثقافة المبادرة وبعث المشاريع الخاصّة بعد الثّورة كحلّ استراتيجي لمقاومة بطالة الشباب. وجاء دور حكومة الوحدة الوطنية لتؤكّد على لسان رئيسها السيد يوسف الشاهد في مارس 2017 على أنّ دعم المبادرة الخاصّة هو أولويّة في جدول أعمال الحكومة...وذلك لتكوين جيل جديد من القيادات في جميع المجالات. كما تمّت المصادقة على الاستراتيجية الوطنية للمبادرة الخاصّة خلال المجلس الوزاري المضيّق بتاريخ 22 ديسمبر 2016 وهي تهدف إلى تنمية ثقافة المبادرة وتحديد مسار مرافقة متكامل لفائدة الباعثين الشبان، وتيسير النّفاذ إلى مصادر التمويل، وإلى السوق، وذلك من خلال تخصيص جزء من مشاريع الهياكل العمومية لإسنادها إلى الباعثين الشبان في إطار برنامج جيل جديد من الباعثين، وتبسيط الإجراءات الإدارّية، خاصّة من خلال وضع إطار قانوني خاصّ بالمبادر الذاتي، بهدف مساعدة المؤسّسات الصّغيرة ومتناهية الصّغر للانتقال من القطاع غير المنظّم إلى القطاع المنظّم وحوكمة العمل التشاركي بين مختلف المتدخّلين وذلك من خلال وضع قانون ينظّم قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

المناخ والإطار التشريعي  والهياكل

لكنّ هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تنجح إلاّ بتوفير المناخ الملائم والتسهيلات التي تشجّع الشبان على المبادرة الخاصّة . وينطلق ذلك بغرس ثقافة المبادرة لدى الأطفال منذ مرحلة الدراسة في الابتدائي، لذلك كان لوزارة التربية منذ بضع سنين مبادرة لتدريب الأطفال على إحداث المشاريع في حين أدرجت وزارة التعليم العالي وحدة كاملة في برامجها تهتمّ بمنهجية إحداث المشاريع الخاصّة وترسيخ ثقافة المبادرة لدى الطلبة قبل التخرج . ولتذليل الصعوبات التي قد تواجه  الشباب المبادر وللإحاطة بباعثي المشاريع الشابة ولتحفيزهم وتشجيعهم على الابتكار والتّجديد وضعت الدولة على ذمّتهم عدة برامج رسمية مثل برنامج «عندي فكرة» وبرنامج «فرصتي» وبرنامج «انّجّم» وبرنامج «عقــد الكرامة» وبرنامج «مرافقة باعثي المؤسسات الصغرى» وعديد المبادرات الأخرى برعاية أجهزة الدولة مثل وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة المرأة والطفولة ووزارة الصناعة ووزارة تكنولوجيا الاتصال والوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقلّ والصندوق الوطني للتشغيل وبنك التضامن وبنك تمويل المؤسّسات الصغرى والمتوسّطة وصندوق الإدماج والتأهيل المهني وفضاء المبادرة وتربّصات الإعداد للحياة المهنية ومحاضن المؤسسات ومراكز الأعمال ووكالة النهوض بالصناعة والتجديد والبنوك...يضاف إلى ذلك الحرص على تحسين البنية الأساسية الضرورية لباعثي المشاريع والعمل على مرافقة صاحب المشروع من الفكرة إلى دراسة الجدوى، إلى مخطط الأعمال وإلى تركيز المشروع ثمّ تسييره والتصرف فيه حتّى يحقّق أهدافه ويأخذ طريقه نحو النجاح .. كما تعدّدت المبادرات خارج إطار الحكومة من جهات مختلفة رسمية وجمعياتية ومن منظمات المجتمع المدني لدعم هذا التوجه مثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمعهد العربي لرؤساء المؤسسات وشركة اتصالات تونس وكونيكت وشاركت أيضا بعض المنظمات الدولية المقيمة في تونس كمنظمة «إندا» وكذلك بعض السفارات والمؤسسات الأجنبية في تونس.

ولمزيد تشجيع الشباب على المبادرة والنّأي بهم عن منطق التواكل اعتمدت سياسة ترويجية أكّدت نجاعتها في أطر مشابهة في دول أخرى وهي تنظيم الصالونات واللقاءات التي تحتضن نماذج من المشاريع الشبابية الناجحة ومن أفكار المشاريع المبتكرة التي تحصد جوائز التجديد ممّا يدفع الشباب إلى الاقتداء بباعثيها ويشجّع من لديه أفكار على بلورتها في مشاريع منتجة وناجحة . وينظّم في تونس سنويا ما يقارب 200 حدث في علاقة بالمبادرة والعمل المستقل  كالمعارض والصالونات والملتقيات والمسابقات وورشات النّقاش واللقاءات بين أصحاب أفكار المشاريع والمموّلين وغيرها.

ولمساندة تلك الهياكل والمؤسّسات والمجتمع المدني ، وضع إطار قانوني هامّ بما يتضمّنه من تسهيلات لفائدة الباعثين الشبان ومن برامج تكوينية وتربصات لإعدادهم لإنجاز مشاريعهم ومرافقتهم في حياتهم المهنية الجديدة . لكن هذا الإطار يحتاج إلى عدة قوانين أخرى أكّدت وزارة التكوين والتشغيل أنّها بصدد إعدادها مثل القوانين المتعلّقة بإحداث المؤسّسات الصغيرة الناشئة start up.

أين الخلل؟

مقتــــرحـــات لدعـــم استـــراتيجـيـــة المبـــادرة الخـــاصّة وتطــويـــرها
استقينا من عدد من المشاركين في صالون المبادرة والمهتمّين بتنشيط المبادرة الخاصّة الشبابية في الاقتصاد التونسي مجموعة من الاقتراحات لدعم استراتيجية المبادرة الخاصّة والعمل المستقل أهمّها :
نشــر ثقاقة المبادرة والتّأسيس لها تربويا لدى الأطفال في المنظومة التربوية سيبعدهم عن ثقافة «الدولة الراعية» التي تقوم على تفضيل العمل في القطاع العام،
تنشيط ثقافة العمل لدى المواطن التونسي عموما ومنذ المدرسة خاصّة ممّا يعطي للعمل قيمة في المجتمع وينهي ما يسميه المختصّون بالبطالة المقنعة،
توفير التمويل اللازم للشباب المبادر حتّى يتحقّق أفكار المشاريع التي يرغـب في إحداثها مع مزيد المرونـــة في تمكـــين هؤلاء البـــاعـــثين من القروض ومراجعة حجم الضرائب والأداءات التي تنهك كاهل مؤسّستهم الناشئةّ،
إحـداث آلية مساندة للمشاريع المحدثة والتي تتّجه نحو الفشل أو الإفلاس لإعادة توجيهها نحو النجاح،
الحدّ من الصعوبات والمعوقات التي تواجهه تلك المشاريع إدارية كانت أم تشريعية أو تمويلية وتنظيم المتدخلين وتحديد أدوارهم،
مزيد توعية الشباب العاطل عن العمل في كلّ الجهات بما اتّخذ من إجراءات لفائدتهم وحثّهم على التجمّع في مجموعات ذات اختصاصات مختلفة،
دعـــوة هيأة الاستثمار لاقتراح مشاريع مختلفة ومجدّدة مرتبطة بخصوصية الجهـــات وتدخـــل في مجال التنمية الجهـــوية يتـــولى الشبــاب تأسيسها وتتـــولى الــهيـــأة مـــرافقتــــه حتّــى إنجــازها.

رغم وفرة تلك المبادرات والبرامج والتسهيلات لم ينخرط العدد الأكبر من الشباب العاطل عن العمل في هذه الاستراتيجية وتمسّك بموقفه الحذر من المبادرة الخاصّة. وخلال صالون المبادرة «ريادة» الذي عقد بتونس يومي 22 و 23 فيفري الماضي تحدّثت «ليدرز» إلى مجموعة من الشباب الذين زاروا الصالون فمنهم من أتى استكشافا مثل ليلى خرّيجة شعبة الإنڤليزية  ومنهم من في ذهنه  فكرة وجاء يبحث عن حلّ لتصبح مشروعا مثل عادل خرّيج شعبة التسويق أمّا محمود وهو خرّيج شعبة فلسفة فجاء مرافقا لهما. واتّفق ثلاثتهم على أنّ التّفكير في بعث مشروع شخصي رغم الإجراءات السّاندة والمساندة يعني المغامرة والارتماء في المجهول ويعتبرون أنّ ذلك يعود  إلى الصّعوبات التي تعترض باعث المشروع منذ انطلاقه في إعداد الملفّ الإداري المعقّد ولطول الإجراءات إضافة إلى مشكل التمويل الذّاتي. وتعتبر ليلى أنّ بعث المشاريع لا يهمّها لأنّها خرّيجة شعبة انقليزية  ويوافقها في ذلك محمود والسّبب بالنّسبة إليهما عدم وجود أفكار مشاريع خاصّة بهذين الاختصاصين. 

ويبدو حسب من تحدّثنا إليهم في الصالون أنّ المشكل الأساسي بالنّسبة لباعث المشروع هو التغلّب على الصعوبات حتّى يحافظ على استمراريته ولا يفشل إذ تؤكّد الدراسات أنّ معدّل عمر المؤسّسات التي تخفق لا يتجاوز 3 سنوات وهي تمثّل حوالي 80 % من مجموع المؤسّسات النّاشئة وعادة ما يكون النّفاذ إلى السوق سببا في الفشل  هذا دون احتساب الذين يتراجعون عن إنجاز المشروع قبل الحصول على الموافقات اللازمة بسبب طول الإجراءات، وهذا يذكّرنا بالمهندس التونسي حمدي حشاد الذي اخترع وقودا حيويّا من الطحالب البحرية وقدّم مشروعه في تونس لكنّه لم يجد إجابة فعرضه في الخارج ووجد من يقدّر فكرته  ويحقّقها.

والملاحظ  حسب الشباب المستجوب أنّه إذا فشل مشروع لا يجد صاحبه من يسانده لمزيد الصّمود والمحافظة على المشروع أو تطويره أو توجيهه وجهة أخرى  إذ لا توجد في تونس آليات تجعل تلك المؤسّسات تصمد ولا يصاب أصحابها بالإحباط. أمّا بخصوص الصعوبات الأخرى التي تؤثّر في إنجاز الشباب لمشاريعهم  فلها علاقة بالتّمويل والحوافز المالية رغم  قرار إلغاء التّمويل الذاتي لأصحاب المشاريع المموّلة من البنك التونسي للتضامن.

إعــداد خـالـد الشّـابــي

قراءة المزيد

تشجيـع المبـــادرة الخــاصّة في تونس: آلـيـات متــعـدّدة ونتائج دون المأمـول
تونس : ماهو بــرنـامج «رائدة» ؟
السّيـدة الونـيسـي: نريـــد جيلا جديــدا من الباعثين التونسين


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.