أخبار - 2018.03.21

مدينة الثقافة: أيّ إضافة؟

مدينة الثقافة: أيّ إضافة؟

عندما تقترب من هذا العملاق الرابض على جادّة محمد الخامس، يسترعي انتباهك ضجيج الأشغال داخله. وتشعر أنّ وراء هذه البناية الضخمة التي لم تفض بعد عن أسرارها يكمن مشروع عظيم.

مدينة الثقافة، هذا المشروع الذي طال انتظاره منذ ما يقارب العشر سنوات، يفتح باب مغارته المحكم الإقفال ليكشف عن الكنز داخله. لمّا تخطو أولى الخطوات بعد الباب الخارجي للمدينة، تشعر بالرّهبة وكأنّك ستدخل إلى حرم معبد. وتبالغ المدينة في لعبة الإخفاء، حيث لا تبوح لك بأسرارها من الخارج وكأنّها تدعوك إلى ولوجها لتفهم مكنوناتها. ولكنّها في نفس الوقت، تُلقي عليك سكينة ما عبر مساحاتها الخضراء المحيطة بها وعبر أناقة البناء حيث يتزاوج الإسمنت مع الزجاج والفولاذ في هندسة بديعة، تزيدها أشعّة شمس الصباح جاذبية ورونقا.

بعد تجاوز الجسر الزجاجي الصغير، تجد نفسك في بهو واسع غارق في الضوء تجتمع فيه الأعمدة والسقف الزجاجي والأرضية الرخامية اللمّاعة وشجيرات النخيل لترسم لوحة متناسقة تعطيك إحساسا عميقا بالراحة والجمال.

حضيرة بناء لا تهدأ

تغرق قليلا في تأمّل تفاصيل البهو ولكن سرعان ما تقتلعك من سكينتك أصوات الأشغال في كل مكان حتى ليخيّل إليك أنّ المدينة تحوّلت إلى حضيرة بناء كبيرة لا تهدأ أبدا. فحسب ما أخبرنا به العاملون فيها، هناك ثلاثة فرق تعمل يوميا على مدى الأربع والعشرين ساعة، خاصّة وأنّ تاريخ الافتتاح الرسمي هو يوم 21 مارس 2018.

في الطابق الرابع، تبدأ الحياة تدبّ شيئا فشيئا في المكاتب الفارغة. يتوافد العاملون في إدارة مدينة الثقافة ومعهم مجموعة من الفنّانين الشبّان الذين يأتون هم أيضا للتدرّب على رقصاتهم أو على أعمالهم المسرحية. والكل يمرّ في أروقة المكان بسلاسة وبثقة ملفتة للنظر. فالجميع أصبح جزءا من هذا المشروع الضخم والكل صار يحسّ بأنّه في بيته.

يأخذنا مدير وحدة التصرّف بمدينة الثقافة، السيد محمد الهادي الجويني، في جولة داخل البناية العملاقة التي تمتدّ على مساحة 8.6 هكتار.  تبدأ الجولة من البهو حيث يوجد طابق أرضي مخصّص للمغازات والمطاعم  والمقاهي، إذ يُراد لمدينة الثقافة أن تكون فضاء اجتماعيا وليس فقط ثقافيا يزوره التونسيون لتثقيف أنفسهم ولكن أيضا للترفيه واللقاء والتعارف. يمسح هذا الطابق، 6000 م2 ويتسع لـ 46 محلاّ و5 مشارب و3 مطاعم.

أمّا الطابق العلوي، فيحتوي على المدخل الرسمي للمدينة ببوّابتها الرخامية الضّخمة التي ما إن تتجاوزها قليلا وتتقدّم في البهو مستديرا نحو اليسار حتّى تجد نفسك في الفضاء المخصّص لمسرح الأوبرا، مسرح يتسع لـ 1800 مقعد تمّ تصميمه على النمط الإيطالي، مجهّز بأحداث التجهيزات السمعية والبصرية وبركح متحرّك يتكيّف مع جميع أنواع العروض. وفي محيطه، توجد قاعات للبروفات والتدريب. غير بعيد عن مسرح الأوبرا، يوجد مسرح آخر أصغر حجما تمّت تسميته «بمسرح الجهات»، يتسع لـ 700 مقعد سيتمّ تخصيصه للفرق المسرحية الجهوية ذات الإمكانيات المحدودة والجمعيات الثقافية الصغيرة. والهدف من هذه التسمية التي أثارت بعض الانتقادات هو «تفعيل دور الجهة في الثقافة الوطنية».

تحتوي المدينة على مسرح ثالث أصغر بكثير، مخصّص للمبدعين الشبان، يمكن التحكّم في حجمه وتغيير شكله حسب العمل الفني والتصرّف بحرية في الفضاء.

علاوة على المسارح، تشتمل مدينة الثقافة على ثلاث قاعات سينما مجهّزة بطاقة استيعاب (350 مقعدا و 150 مقعدا و100 مقعد) وعلى المكتبة السينمائية، بالإضافة إلى سبعة استديوهات للإنتاج الفني، حيث سيتمّ التوجّه نحو تشجيع الصناعات الثقافية لكي تصبح الثقافة كأيّ مجال اقتصادي جالب للاستثمار والقيمة المضافة.

للفنّ التشكيلي أيضا مكان في مدينة الثقافة التي تحتضن متحف الفنّ المعاصر. هذا المتحف المتكوّن من 3 قاعات كبرى و4 قاعات لتخزين اللوحات. ومن المنتظر أن يستقبل أكثر من 12 ألف لوحة من مخزون وزارة الثقافة.

قطب جامع لكلّ الفنون

لا يفوتك وأنت تتجوّل في المدينة، أن ترفع ناظريك نحو البرج الممتدّ على ارتفاع 65 مترا بكرته الزجاجية المعلّقة بين أربعة أعمدة، حيث يبدو كالحارس الأمين لمدينة الثقافة ورمز شموخها. ويمكن رؤيته أيضا على بعد كيلومترات منها. يحتوي البرج على طابقين يؤدّي إليهما مصعد خاصّ. ومن المزمع أن يتمّ تخصيصه للقاءات والندوات الفكرية وتصوير بعض البرامج التلفزية والإذاعية.

بشكل عام، يُنتظر من مدينة الثقافة أن تكون جامعة لكلّ الفنون وأن تكون قطبا مشعّا لا فقط على العاصمة التي توجد في قلبها، وإنّما وطنيا وإفريقيا وعربيا. لذلك ستتم إدارتها من قبل شركة ذات مساهمات عمومية لتكون لها مرونة في التسيير واستقلالية مادية.  ولا شكّ أنّ افتتاح إنجاز بهذه الضخامة (بتكلفة جملية تبلغ 150 مليون دينار) يأتي لإعطاء رسالة من الأمل  في أنّ الثقاقة لا تزال موجودة وحاضرة بقوّة، رغم الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد.

حنان زبيس


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.