أخبار - 2018.03.15

الأستاذ الطاهر بوسمّة : المرحوم محمّد الصيّاح كما عرفته

الأستاذ الطاهر بوسمّة : المرحوم محمّد الصيّاح كما عرفته

يغادرنا هذا اليوم نهائيا محمد الصيّاح ذلك المناضل الدستوري الاستثنائي الذي أفنى عمره في خدمة تونس بدون كلل ولا ملل بعد مرض طويل أقعده ولم يقم منه أبدا، واختاره الله ليكون في جنّة الخلد إن شاء ربّ العالمين وبين الشهداء والصالحين تاركا ألما وحسرة في نفس عائلته الصغيرة وفِي نفوس كل المناضلين وممّن عرفه واحتكّ به من قريب أو بعيد.

فارقنا في هذا اليوم الغائم الحزين وتونس في أشدّ الحاجة اليه وهي تمر بمرحلة دقيقة كان في إمكانه إعانتنا عليها لولا إرادة الله التي لا مردّ لها ونحن بها راضون.

ولد المرحوم في بداية ثلاثينات القرن الماضي في قرية بوحجر المناضلة الغير بعيدة عن المنستير، وأنهى تعليمه الابتدائي في مدرستها ونجح للدخول للمعهد الصادقي، ولكنه بسبب نشاطه الوطني أطرد منه نهائيا فانتقل ليتمّم تعليمه بمعهد صفاقس الثانوي وترك في صفاقس أصدقاء وبقي يحتفظ إليهم  بالحنين.

عرفته شخصيا في نهاية خمسينات القرن الماضي وكنّا نلتقي في أروقة المعهد دار المعلمين العليا الذي استقر في بناية كانت زمن الاستعمار نادٍ للضبّاط الفرنسيين وكنا فيها معهم نحن طلبة المدرسة العليا للحقوق، وتوطّدت علاقتنا أكثر صلب الاتحاد العام لطلبة تونس وكنت معه فيه ضمن أعضاء الهيئية الإدارية المنبثقة عن مؤتمر رادس الذي انتخبناه فيه أمينا عاما في صائفة 1960

فرقتنا المسؤوليات بعد التخرج ولم تنقطع صلتي به وخاصة بعدما عهد له الرئيس بورقيبة بدائرة الشباب صلب إدارة الحزب الاشتراكي الدستوري لبضع سنين قبل ان يعهد له بإدرة الحزب المنعقد مؤتمره  ببنزرت سنة 1964 وبقي في تلك المهمة لعدة سنين تخللتها مهام ديبلوماسية ووزارية  أبلى فيها البلاء المبين. وكوّن أجيالا من الدستوريين المخلصين يعتدّ بهم  وكانوا من أحسن المناضلين الصادقين ومازال أغلبهم يذكرونه بإعجاب كبير.

تمّت مضايقته بعد إقالة بورقيبة في سنة 1987 ومر بعدها من التحفّظ عليه إلى الإقامة الجبرية المحدودة ثم لمتابعة اللصيقة لعدة سنين، تحملها صامتا وكان دائما يطمئن أصدقائه وزائريه بأنّ تونس أكبر من الجميع، ولكنه كان قلقا على مصير الزعيم وأخيرا تمكّن من السماح  له بزيارته والتحدّث معه حول تاريخ الحركة الوطنية التي كانت عزيزة على الرئيس ولكنها كانت  تحت رقابة البوليس.

اكتشفنا بعد الثورة أنّه كان الوحيد الذي تجرّا وكتب رسالة للرئيس بن علي يطلب فيها منه التخفيف على الزعيم.

لم تغيره المسؤولايات الكبرى التي تحمّلها  لعدة سنين باقتدار كبير وبقي محافظا على طبعه وبساطة الحياة التي ورثها عن والديه رحمة الله عليهما وعلى جميع المسلمين ، لم يهتم كثيرا بمباهج الدنيا ولم ينسب له أيّ اثراء غير مشروع أو تجاوز للقانون بالرغم من الكمّ الكبير من الخصوم الذين كانوا يسعون للإضرار به لزعزعة ثقة بورقيبة التي وضعها فيه.

مات موتة عادية وأوصى بأن يدفن في مقبرة عائلته ببوحجر بالقرب من ابنه الذي توفي أخيرا ولم يتمكن من حضور جنازته وبالقرب من قبري والده ووالدته وترك أرملة مناضلة حملت معه صابرة كل الأتعاب التي سلطت عليه بُدون مبرر سوى إخلاصه المفرط للزعيم.

وإني بهذه المناسبة الاليمة أعزي فيه أرملته السيدة ليليا وابنتيه إشبيليا وعزّة وكل أفراد عائلته القريبة وكل الدستوريين بل جميع التونسيين وأتمنّى ان يرزقنا الله جميعا الصبر في فقدانه .إنّا لله وإنّا اليه راجعون.

الأستاذ الطاهر بوسمّة

قراة المزيد

وفاة محمّد الصياح أحد أبرز وجوه البورقيبية (ألبوم صور)
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.