أخبار - 2018.03.12

جدل ببيت الحكمة بين الفلسفة والدين

جدل ببيت الحكمة بين الفلسفة والدين

اهتمّ ابن رشد في مؤلّفاته الفلسفيّة وخاصّة في كتاب الكشف عن مناهج الأدلّة بإشكاليّة أدلّة وجود الله، وعالج هيجل في دروسه حول فلسفة الدين نفس المعضلة لكن " من منظورين مختلفين". تلك هي المقاربة التي قدّ مها الأستاذ محمّد الحبيب المرزوقي(أبو يعرب) في لقاء فكري ببيت الحكمة، نظّمه مؤخّرا قسم العلوم الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" حول إشكاليّة نقد أدلّة وجود اللّه عند ابن رشد وهيجل.

افتتح المحاضر مداخلته بمقولة هيجل الشهيرة "الدين ينبغي أن يكون لجميع البشر" المقوّضة لنزوات الأوصياء رغبة في احتكاره، وفي سياق المقارنة بين الفيلسوفين أكّد أنّ "ابن رشد ناقد لعلم الكلام على أساس أرسطي، وهيجل ناقد لنقد علم الكلام الكانطي على أساس ثيولوجي من القرون الوسطى"، وسبب اهتمامه بالفيلسوفين يعود إلى طبيعة ارتباط الكتابات الفكريّة العربيّة منذ بداية النّهضة بالرشديّة (ابن رشد) والهيجليّة (الفيلسوف الألماني هيجل)، فكل الكتابات ذات العلاقة بالشأن الديني، برأي الأستاذ المرزوقي، إمّا أن تكون رشديّة المرجع أو هيجليّة المنزع.

لقد انشغل الخطاب الفلسفي لدى صاحب الكشف عن مناهج الأدلّة بالمسألة الدينيّة حيث كانت قضايا العقل والنقل في حقبته قضيّة مركزيّة، ثم جدّد هيجل الاهتمام بالقضيّة مؤسّسا لفلسفتي التاريخ والدين، داحضا حسب المحاضر موقف ابن خلدون القائل "لقد حلّت الفلسفة محلّ علم الكلام"، فكلّ فلسفة ما بعد هيجل "هي علم الكلام الجديد" وفقا لعبارة المرزوقي. لكن إلى أي مدى يمكن تعميم هذا الحكم؟ هل يستقيم تصنيف أركيولوجيا ميشال فوكو وكتارسيس هابرماس وجينيالوجيا نيتشة والوضعية الكونتيّة (أوغست كونت) ضمن المباحث الكلاميّة؟  أين ننزّل الدراسات الإيبستيمولوجيّة المعاصرة؟

عموما تمثّل المقارنة بين الفيلسوفين كما جاء في المحاضرة مقاربة "مفيدة لمن يريد فهم تطوّر فلسفة الدين في الفلسفة الحديثة والانتقال من علم الكلام القديم والوسيط إلى علم الكلام الجديد"، إذ تؤكّد تلك المقارنة قواسم مشتركة بين الأطروحات الفلسفيّة على الرّغم من  السياقات التاريخيّة المختلفة معرفيّا وإيديولوجيّا الخ..

وفي هذا المجال دعّم المحاضر موقفه بمقولة " ما نفكّر فيه أوسع ممّا نعلمه"، لقد اشترك حسب المحاضر كانط والغزالي وابن تيميّة في الإيمان بهذه المسلّمة المعرفيّة. لكن بأيّ مشروعيّة يمكن الجمع بين فيلسوف التنوير كانط المتمسّك كل التمسّك بمبدإ "الاستعمال العام والعلني للعقل" ومرجعيات المعرفة النورانيّة ؟  ألسنا بحاجة إلى التمييز بين مقاربات تؤمن بنسبيّة المعرفة وأطروحات تشدّد على القصور العقلي؟

ومثلما أفرزت فلسفة ابن رشد سجالا حول علاقة العقل بالنّقل، أدّت كذلك فلسفة هيجل حسب الأستاذ المرزوقي إلى يمين ويسار، يمين هيجلي يحافظ على إيمان تقليديّ ويسار قد أنتج دراسات كلاميّة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، لذلك أضحت الفلسفة جامعة بين السياسي والديني والأدبي، ويظل الاختلاف بين مرجعيات مركز اهتمامها تحرير الذات وتأصيل الكيان وأخرى مولعة بالتوظيف للحساب الخاص.
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.