أخبار - 2018.02.01

تحية وفاء لروح المناضلة النسوية والصحفية نوررة البورصالي

تحية وفاء لروح المناضلة النسوية والصحفية نوررة البورصالي

عندما طلب مني أن أقدم لمسة وفاء لنورة البورصالي حاولت أن أتذكّر آخر صورة لها علقت بذهني. وتذكّرت ابتسامتها الشامخة وشخصيتها القوية التي كانت تبرز في كلّ حركة من حركاتها. تذكّرت آخر يوم تقابلنا فيه، كان ذلك في الدورة الاخيرة لأيّام قرطاج السنمائية، حيث كنّا في مدرج قاعة الكوليزي ننتظر عرض فيلم كوثر بن هنية "على كفّ عفريت". طال انتظارنا حتى تفتح أبواب القاعة ولكي ننسى تعب الوقوف، بقينا نتحدث عن الأفلام المعروضة وما أعجبنا منها وما لم نستسغه. كان الحديث معها شيقا كالعادة عن السينما والفنّ وهي التي عرفتها ناقدة سينمائية وعاشقة للفنّ السابع. لم يبدو عليها يومها أي أثر للتعب أو المرض وقضينا وقتا ممتعا مع بعضنا بعدها بيوم، فوجئت بغيابها عن تسليم جائزة جمعيتها "نساء وذاكرة" في حفل توزيع الجوائز بالنسبة للجان التحكيم الموازية. وعندما سألت عنها صديقتها ورفيقة دربها، إلهام، قالت لي إنّها مصابة بالإنفلونزا. رجوت لها الشفاء على أمل اللقاء بها في الأيام القادمة. ولكم كانت صدمتي كبيرة عندما علمت بعد ذلك بيومين أنّها توفيت. عندما قرأت الخبر في الفايسبوك لم أصدّق وحسبت أنّها إشاعة، خاصة وأنّها كانت خلال آخر مقابلة لنا بصحة جيدة .... أو هكذا بدا لي. للتأكد من الخبر، سارعت بالاتصال بصديق مشترك لنا وهو الصحفي هادي يحمد الذي عمل معنا في مجلة حقائق Réalités وإن في فترات زمنية مختلفة. فأكد لي الخبر. بقينا لدقائق نحاول مواساة بَعضنا البعض ونتذكر آخر مرة رأيناها فيها.

خسارتنا بفقدانها كانت كبيرة...

عرفت نورة كصحفية وكمناضلة نسوية وكناقدة سنمائية. كنّا نلتقي دائما في مناسبات مختلفة سواء كانت ثقافية أو نضالية. كنت أقّدر فيها حماسها من أجل القضايا النسائية وشراستها في الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان. قبل أن أعرفها، كنت أقرأ كتاباتها في مجلة رياليتي التي انضممت إلى فريقها سنة 2007 وكنت أسمع عنها الكثير، خاصة عن الملفات الهامة التي قامت بها في المجلة عن حقبة بورقيبة و كذلك عن حواراتها مع وزرائه مثل أحمد بن صالح، في فترة لم يكن مسموحا بالحديث في السياسة أو انتقاد النظام. فوجدت نورة في العودة الى التاريخ والكتابة عن حقبة بورقيبة مجالا للتعبير عن رأيها والانتقاد الغير مباشر لنظام بن علي. وقد حقّقت ملفّاتها وحواراتها نجاحا كبيرا في ذلك الوقت وتمكنت في إرجاع القرّاء إلى المجلة، حيث أصبحوا ينتظرون بشغف صدور أعداد رياليتي. كما مكنت ملفاتها من إعادة فتح النقاش حول الحقبة البورقيبية ونقدها واستخلاص العبر منها وكان في ذلك إشارة غير مباشرة وتقييم لخليفته أي بن علي.
دخولي إلى مجلة رياليتي كان في فترة فقدت فيها المجلة الكثير من الأقلام المهمّة التي كانت تكتب فيها وكذلك من بريقها، ولكنني كنت فخورة إلى حد ما بالعمل في مجلة عرفت كلّ تلك الأقلام المهمّة، ومنها قلم نورة البورصالي . وكنت أحيانا أصادفها، فتروي لي عن الحقبة الذهبية للمجلة ومن كان يكتب فيها والمقالات المهمّة التي صدرت بها ومعارضتها للسلطة في حقبة ما. كانت تروي ذلك بشغف كبير وتنفرج أسارير وجهها ويشرق فجأة وهي تتذكر نضالاتها هي وزملائها عبر كتاباتهم المنتقدة للنظام. ولكن حديثها كان ينتهي بنبرة أسى عما آلت إليه رياليتي من مهادنة للسلطة وفقدانها للأقلام الجيدة التي كانت تكتب فيها.
توطدت علاقتنا أكثر بعد الثورة، حينما أصبحت نورة عضوا في هيئة تحقيق أهداف الثورة. وقد كانت تزوّدني بالكثير من المعلومات عن عمل الهيئة والمسائل الشائكة التي كانت تنظر فيها، لكننا كنّا نتناقش أيضا بشأن مآل الثورة ومستقبل الديمقراطية في تونس ودور الأحزاب وكان الحديث معها ممتعا ومفيدا.

في نفس الإطار، كنت شاهدة على نضالها من أجل فرض مبدإ التناصف في القانون الانتخابي لانتخابات المجلس التأسيسي. كانت مدافعة شرسة عن هذا المبدإ، حيث حضرت كل الاجتماعات والوقفات الاحتجاجية التي قام بها المجتمع المدني لفرض التناصف. وحتى حينما حاولت الحكومة التراجع عن الفصل 16 من القانون الانتخابي الذي يكفل هذا الحق، كانت نورة من أول المتصدّين لهذه المحاولات وندّدت بها، سواء داخل الهيئة أومن خلال كتاباتها. وهي تشرح بالتفصيل هذه التجربة في كتابها "التناصف في القانون الانتخابي وفِي المجتمع" الذي صدر سنة 2012.

إجمالا، عرفت في نورة البورصالي الصحفية البارعة والمناضلة الشرسة والامرأة الشغوفة بالتاريخ والفنّ وكذلك المؤرخة للحركة النسوية في تونس.
ولاشك أن فقدان أمرأة متعدّدة الطاقات مثلها يعد خسارة كبيرة، لنا نحن كأصدقائها، ولتونس التي فقدت إحدى أهم صحفياتها ومناضلاتها النسوية في الأربعين سنة الأخيرة.

الله يرحمها!

حنان زبيس


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.