العرب تحت ضغط التّطبيع ووطأة صفقة القرن...

العرب تحت ضغط التّطبيع ووطأة صفقة القرن...

من أغرب المفارقات في هذا الزّمن العربي الرديء أن تقترن ذكرى إصدار وعد بلفور المئوية بعودة الحديث عن قرب إقدام عدد من الأنظمة العربية على التّطبيع مع إسرائيل، وعلى قبول ما سمّي بـ«صفقة القرن»...وقد تعدّدت في الأشهر القليلة الماضية المؤشّرات على هذه النّزعة الخطيرة التي تكثّف التّرويج لها وتبريرها خاصّة بعد القمّة العربية الإسلامية الأمريكية التي انعقدت بالرياض في ماي 2017، والتي تزامن ظهورها مع جملة من التطورات الهامّة التي كان من أبرزها اندلاع الأزمة التي نشبت في الخامس من جوان 2017 بين الرباعي الخليجي المصري وبين دولة قطر. وقد جاءت هذه الأزمة لتزيد من تعقيد الأوضاع العربية المضطربة أصلا بسبب الصّراعات والحروب التي تعصف بالعديد من بلدان المنطقة خاصّة في العراق وسوريا وليبيا واليمن...

أما على الصّعيـد الفلسطيـني فإنّ استفحال سيـــاسة الاستيطان الإســرائيلية في الأراضي المحتلة، واستمـــرار الحصـار الإسرائيلي والعربي الخانق المضروب منذ عشر سنوات على قطاع غزة، قَضَيَا أو يوشكان أن يَقْضِيَا على حلّ الدولتين إلى الأبد...والحقيقة أنّ النّزعة إلى التّطبيع لم تأت من فراغ، وإنّما أتت كثمرة مُرَّةٍ لتعمّق اختلال التوازن بين العرب وإسرائيل بشكل دراماتيكي غير مسبوق نتيجة للمتغيّرات التي عرفتها المنطقة خلال السنوات الماضية.

وتتمثّل هذه المتغيّرات خاصّة فيما يلي:

  • احتلالُ العراق سنة 2003 بعد إنهاكه بسنوات طويلة من الحصار، وتفكيكُ دولته القوية والموحّدة، وذلك بهدف تركيعه وجعله «عبرة لمن يعتبر» من الأنظمة العربية التي باتت تخشى أن يحلّ بها ما حلّ بالنظام العراقي وبرئيسه صدام حسين.
  • العملُ منذ أواسط العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين على تأجيج الصّراع الطّائفي والمناطقي في اليمن بهدف زعزعة كيان الدّولة، وتفكيك تركيبتها السياسية والاجتماعية، ثمّ إشعال نيران الحرب فيه وعليه بعد ما سمّي بثورات الربيع العربي وهو ما أدّى إلى ما يعانيه الآن من أوضاع مأساوية بسبب ويلات الحرب وشدائد الحصار المضروب عليه برّا وبحرا وجوّا...
  • عدوانُ اسرائيل سنة 2006 بـ«مباركة» رسميّة من العديد من الأنظمة العربية، على لبنان بعد انسحاب الجيش السوري منه تحت الضّغط العربي والدولي الذي مورس على دمشق في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ومحاولات إلصاق تهمة اغتياله بسوريا وبحزب الله. 
  • «شيطنة» سوريا سياسيا وإعلاميا من أجل عزلها، والتّحريضُ عليها بسبب موقفها الممانع واحتضانها لمحور المقاومة، وعلاقات التّعاون التي تجمعها بإيران، ثم استهدافها، بعد هبوب رياح ما سمّي بالربيع العربي عليها، عسكريا و«إرهابيا»، وإشعال نار الفتنة والحرب فيها من أجل إسقاط نظامها وتفكيك دولتها وتقسيم شعبها...
  • إيقاد ثورات ما سمّي بالربيع العربي أو على الأقل الركوب عليها واستغلالها في تشويه الواقع العربي برمّته، حيث أدّى حرف هذه الثورات عن الأهداف التي قامت من أجلها إلى تدمير كلّ من سوريا وليبيا واليمن بشكل يكاد يكون كليا، وإلى إخفات صوت مصر وإضعاف دورها كأكبر الدول العربية وأوسعها تأثيرا في المنطقة...
  • زرع تنظيم «الدّولة الإسلامية في العراق والشام» وما شابهه من التنظيمات الإرهابية المتطرّفة التي لعبت وما تزال دورا خطيرا في تخريب العراق وسوريا وليبيا...
  • التخطيط الآن لإشعال حرب جديدة تستهدف إيران ومحور المقاومة وفي مقدمته حزب الله اللبناني وذلك تحت غطاء طائفي سني شيعي، وبذريعة الحد من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة العربية.

وغني عن البيان أن جملة هذه المتغيرات التي ساهمت بعض الأنظمة العربية «القادرة والفاعلة» بالمال وأحيانا بالعدّة والعتاد في تحقيقها، وجّهت بوصلة العداء بعيدا عن إسرائيل، وحوّلتها صوب إيران بدلا منها، فمهّدت بذلك الأرضية الملائمة للتطبيع مع تل أبيب. وها نحن أولاء اليوم نقف على أعتاب حرب قد يتمّ شنّها على لبنان كتمهيد للحرب الأوسع والأشمل على إيران وعلى «الهلال الشيعي» الذي تُتَّهَمُ بأنها تعمل على تشكيله. وحتى تسبغ الدول المتّجهة إلى التّطبيع نوعا من الشّرعية على توجّهها فإنّها عادت إلى إحياء «مبادرة السّلام العربية» التي كان الملك عبد الله بن عبد العزيز طرحها في قمّة بيروت العربية عام 2002، والتي قابلها أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بالرفض المطلق. وللتّذكيـــر فإنّ هــذه المبادرة تقوم أساسا على حلّ الدولتين غير أنّ هذا الحلّ أصبح اليوم، وفقا لما أكّده رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مستحيلا أو شبه مستحيل بسبب سياسة الاستيطان التي قضمت ما قضمت مـــن الأراضـــي الفلسطينية المحتلّة حتّى مزّقتها إربا إربا. وبناء على ذلك فقد كان مــن الطّبيعي أن تطرح الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها دونالد ترامــب رئيسها الذي سميته في إحدى مقالاتي بـ«تاجر واشنطن» فكرة «صفقة القرن» كحلّ للمعضلة الفلسطينية.

ومع أنّ أحدا لا يستطيع أن يجزم بما تعنيه هذه الصّفقة، فإنّ الملاحظين لا يتوقّعون، قياسا على سوابق واشنطن المنحازة إلى إسرائيل بشكل دائم وكلّي، أن تجود قريحة الرئيس دونالد ترامب بمشروع حلّ أفضل من مشاريع الحلول التي جادت بها قرائح أسلافه، بل إنّهم يرجّحون أن يقرّب المشروع الذي سيقترحه وسيحاول أن يفرضه على الفلسطينيين والعرب ساعة «تصفية القضية الفلسطينية»، وشطب فلسطين وشعبها من الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.  ومن المؤكّد في نظر الملاحظين أن التوجّه الى التّطبيع في الظّروف العربية الرّاهنة سيجعل الإدارة الأمريكية الحالية، وهي إدارة معروفة بعدائها الشديد للفلسطينيين، تمعن في محاولة فرض أكثر التّسويات جورا عليهم.

وربما يكــون هذا مـــا يفسّر «التسوية» الجديدة التي بدأت إسرائيل التّرويج لها مؤخّرا، والتي تريد بمقتضاها أن يتمّ حلّ القضيّة الفلسطينية على أساس قيام دولة واحدة على قاعدة كونفديرالية، وليس على أساس دولتين مستقلّتين عن بعضهما البعض، ومن غير المستبعد أن تشكّل هذه «التسوية» العمود الفقري لـ«صفقة القرن» التي تتحّدث عنها الولايات المتحدة. ولعلّه من المنطقي في ظلّ كل ذلك أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 6 ديسمبر الجاري اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السّفارة الأمريكية إليها كخطوة أولى على طريق تجسيم هذه «التّسوية». ويبدو انّ المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة العربية للسّلام تميل إلى التّهوين من الفرق بين على الصّعيـــد الفلسطيـني فإنّ استفحـال سيـــاسة الاستيطان الإســرائيلية في الأراضي المحتلة، واستمـــرار الحصـــار الإسرائيلي والعربي الخانق المضروب منذ عشر سنوات على قطاع غزة، قَضَيَا أو يوشكان أن يَقْضِيَا على حلّ الدولتين إلى الأبد...والحقيقة أنّ النّزعة إلى التّطبيع لم تأت من فراغ، وإنّما أتت كثمرة مُرَّةٍ لتعمّق اختلال التوازن بين العرب وإسرائيل بشكل دراماتيكي غير مسبوق نتيجة للمتغيّرات التي عرفتها المنطقة خلال السنوات الماضية.

وتتمثّل هذه المتغيّرات خاصّة فيما يلي:

  • احتلالُ العراق سنة 2003 بعد إنهاكه بسنوات طويلة من الحصار، وتفكيكُ دولته القوية والموحّدة، وذلك بهدف تركيعه وجعله «عبرة لمن يعتبر» من الأنظمة العربية التي باتت تخشى أن يحلّ بها ما حلّ بالنظام العراقي وبرئيسه صدام حسين.
  • العملُ منذ أواسط العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين على تأجيج الصّراع الطّائفي والمناطقي في اليمن بهدف زعزعة كيان الدّولة، وتفكيك تركيبتها السياسية والاجتماعية، ثمّ إشعال نيران الحرب فيه وعليه بعد ما سمّي بثورات الربيع العربي وهو ما أدّى إلى ما يعانيه الآن من أوضاع مأساوية بسبب ويلات الحرب وشدائد الحصار المضروب عليه برّا وبحرا وجوّا...
  • عدوانُ اسرائيل سنة 2006 بـ«مباركة» رسميّة من العديد من الأنظمة العربية، على لبنان بعد انسحاب الجيش السوري منه تحت الضّغط العربي والدولي الذي مورس على دمشق في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ومحاولات إلصاق تهمة اغتياله بسوريا وبحزب الله. 
  • «شيطنة» سوريا سياسيا وإعلاميا من أجل عزلها، والتّحريضُ عليها بسبب موقفها الممانع واحتضانها لمحور المقاومة، وعلاقات التّعاون التي تجمعها بإيران، ثم استهدافها، بعد هبوب رياح ما سمّي بالربيع العربي عليها، عسكريا و«إرهابيا»، وإشعال نار الفتنة والحرب فيها من أجل إسقاط نظامها وتفكيك دولتها وتقسيم شعبها...
  • إيقاد ثورات ما سمّي بالربيع العربي أو على الأقل الركوب عليها واستغلالها في تشويه الواقع العربي برمّته، حيث أدّى حرف هذه الثورات عن الأهداف التي قامت من أجلها إلى تدمير كلّ من سوريا وليبيا واليمن بشكل يكاد يكون كليا، وإلى إخفات صوت مصر وإضعاف دورها كأكبر الدول العربية وأوسعها تأثيرا في المنطقة...
  • زرع تنظيم «الدّولة الإسلامية في العراق والشام» وما شابهه من التنظيمات الإرهابية المتطرّفة التي لعبت وما تزال دورا خطيرا في تخريب العراق وسوريا وليبيا...
  • التخطيط الآن لإشعال حرب جديدة تستهدف إيران ومحور المقاومة وفي مقدمته حزب الله اللبناني وذلك تحت غطاء طائفي سني شيعي، وبذريعة الحد من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة العربية.

وغني عن البيان أن جملة هذه المتغيرات التي ساهمت بعض الأنظمة العربية «القادرة والفاعلة» بالمال وأحيانا بالعدّة والعتاد في تحقيقها، وجّهت بوصلة العداء بعيدا عن إسرائيل، وحوّلتها صوب إيران بدلا منها، فمهّدت بذلك الأرضية الملائمة للتطبيع مع تل أبيب. وها نحن أولاء اليوم نقف على أعتاب حرب قد يتمّ شنّها على لبنان كتمهيد للحرب الأوسع والأشمل على إيران وعلى «الهلال الشيعي» الذي تُتَّهَمُ بأنها تعمل على تشكيله. وحتى تسبغ الدول المتّجهة إلى التّطبيع نوعا من الشّرعية على توجّهها فإنّها عادت إلى إحياء «مبادرة السّلام العربية» التي كان الملك عبد الله بن عبد العزيز طرحها في قمّة بيروت العربية عام 2002، والتي قابلها أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بالرفض المطلق. وللتّذكيـــر فإنّ هــذه المبادرة تقوم أساسا على حلّ الدولتين غير أنّ هذا الحلّ أصبح اليوم، وفقا لما أكّده رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مستحيلا أو شبه مستحيل بسبب سياسة الاستيطان التي قضمت ما قضمت مـــن الأراضـــي الفلسطينية المحتلّة حتّى مزّقتها إربا إربا. وبناء على ذلك فقد كان مــن الطّبيعي أن تطرح الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها دونالد ترامــب رئيسها الذي سميته في إحدى مقالاتي بـ«تاجر واشنطن» فكرة «صفقة القرن» كحلّ للمعضلة الفلسطينية.

ومع أنّ أحدا لا يستطيع أن يجزم بما تعنيه هذه الصّفقة، فإنّ الملاحظين لا يتوقّعون، قياسا على سوابق واشنطن المنحازة إلى إسرائيل بشكل دائم وكلّي، أن تجود قريحة الرئيس دونالد ترامب بمشروع حلّ أفضل من مشاريع الحلول التي جادت بها قرائح أسلافه، بل إنّهم يرجّحون أن يقرّب المشروع الذي سيقترحه وسيحاول أن يفرضه على الفلسطينيين والعرب ساعة «تصفية القضية الفلسطينية»، وشطب فلسطين وشعبها من الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.  ومن المؤكّد في نظر الملاحظين أن التوجّه الى التّطبيع في الظّروف العربية الرّاهنة سيجعل الإدارة الأمريكية الحالية، وهي إدارة معروفة بعدائها الشديد للفلسطينيين، تمعن في محاولة فرض أكثر التّسويات جورا عليهم.

وربما يكـــون هذا مـــا يفسّر «التسوية» الجديدة التي بدأت إسرائيل التّرويج لها مؤخّرا، والتي تريد بمقتضاها أن يتمّ حلّ القضيّة الفلسطينية على أساس قيام دولة واحدة على قاعدة كونفديرالية، وليس على أساس دولتين مستقلّتين عن بعضهما البعض، ومن غير المستبعد أن تشكّل هذه «التسوية» العمود الفقري لـ«صفقة القرن» التي تتحّدث عنها الولايات المتحدة. ولعلّه من المنطقي في ظلّ كل ذلك أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 6 ديسمبر الجاري اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السّفارة الأمريكية إليها كخطوة أولى على طريق تجسيم هذه «التّسوية». ويبدو انّ المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة العربية للسّلام تميل إلى التّهوين من الفرق بين التسوية التي تقترحها مبادرتها وبين التسوية الجديدة التي تقترحها اسرائيل، وهي، على ما يظهر، مستعدّة للموافقة على هذه التسوية إذا وافق عليها الفلسطينيون، سواء من تلقاء أنفسهم، أو من خلال إغرائهم، أو بالضّغط عليهم... 

ولعلّ ما جاء يوم الأحد 3 ديسمبر 2017 في صحيفة «نيويورك تايمز» حول ما سمّته «العرض» الذي قدّمه، قبل شهر، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الفلسطيني محمود عباس بخصوص «مبادرة سلام جديدة تتضمّن اختيار ضاحية «أبو ديس» المجاورة لمدينة القدس المحتلّة لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة بدلا من القدس الشرقية» يصبّ في نفس الاتّجاه، ويشكّل جزءا لا يتجزّأ من «صفقة القرن»...

وهنا ينبغي أن نلاحظ أنّ التّطبيع مع إسرائيل لم يعد مسألة مرتبطة بالقضية الفلسطينية وحدها وإنّما هو مرتبط بجملة من السياسات والمشاريع والخطط التي تهمّ المنطقة ككلّ والمملكة بوجه خاصّ، ويتعلّق الأمر خاصة بـ:

  • تأكّد الحاجة المشتركة بين المملكة العربية السعودية وبين إسرائيل إلى مواجهة إيران، بالرّغم من أنّ أسباب عداء كل منهما لها مختلفة.
  • اعتزام المملكة العربية السعودية وخاصّة ولي عهدها الجديد الأمير محمد بن سلمان، بعد استرجاع جزيرتي صنافير وتيران من مصر، إقامة مشروع مدينة المستقبل «نيوم» في إطار تطلّعات رؤية 2030 وهو ما سيتطلّب حتما التعامل بشكل أو بآخر مع إسرائيل في إنجاز هذا المشروع الضخم الذي تقدّر تكلفته بـ500 مليار دولار، ذلك أن امتلاك السعودية للجزيرتين يجعلها مجاورة لإسرائيل جغرافيا.

وإذا أضفنا جملة هذه الاعتبارات ذاتية الطابع إلى المتغيّرات الموضوعية التي شهدها العالم العربي خلال العقدين أو العقود الثلاثة الأخيرة، يمكننا القول إن الطّريق إلى التّطبيع أصبحت ممهّدة، وأنّ الواقع العربي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني أصبح مهيّئا لقبول مثل هذا التطوّر أو على الأقل لغضّ النّظر عنه...

وفي هذا الإطار تنبغي الإشارة إلى أن مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية أكّدوا مؤخرا أن «عدداً من الدول العربية سينفّذ خطوات تطبيع وبوادر حُسن نية تجاه إسرائيل»، وأن «المبعوث الأميركي الخّاص إلى الشّرق الأوسط جورج ميتشل نجح في الحصول على تعهّدات تتعلّق بمبادرات نيّة حسنة تجاه إسرائيل من جانب دول عربية كثيرة، وبينها مبادرات هامة وأخرى أقلّ أهمية».

ووفقا لنفس المسؤولين الأمركيين، فإن «قسماً من الدّول العربية وافق على فتح ممثّليات لإسرائيل في أراضيها، فيما وافق قسم آخر على منح تأشيرات دخول لرجال أعمال وسياح من إسرائيل. وسمح البعض بإنشاء خطوط اتّصالات هاتفية دوليّة مباشرة مع إسرائيل، إضافة إلى أنّ بعض الدول العربية قبل بعقد لقاءات علنية بمستوى رفيع مع مسؤولين حكوميين إسرائيليين، فيما وافقت دول عربية على السماح لطائرات إسرائيلية بالتّحليق في مجالاتها الجوية أو القيام برحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى مطاراتها»...وما يمكن استخلاصه مما تقدّم هو أنّ التّعاون بين العديد من الدول العربية  و إسرائيل أصبح واقعًا، وأنّ إسرائيل لم تعد، بالنّسبة إليها، على رأس سلّم أولوياتها الأمنية.

غير أنّ الإقدام على التّطبيع مع إسرائيل يظلّ، بالرغم من كلّ ذلك، خطوة محفوفة بالمحاذير، ذلك أنّ بعض المستجدّات الإقليمية والدولية من شأنها أن تعكّر أجواء الانخراط في هذه النّزعة.

فممّا لا شك فيه أنّ استطالة أمد الحرب على اليمن، وثبات النظام السوري وانتصاره مع حلفائه على القوى التي عملت على الإطاحة به، والدور الذي لعبه «حزب الله» في دعم الجيش السوري، إضافة إلى عودة روسيا القوية إلى المنطقة... عوامل مستجدّة سيكون لها دورها في كبح جماح الأنظمة العربية المتّجهة نحو التّطبيع..

ثمّ إنّ هذه الأنظمة التي اعتادت ألاّ تعير كبير اهتمام لمواقف شعوبها من السياسات التي تنتهجها، ستكون بحاجة إلى أن تقرأ حسابا للتيارات المناهضة للتّطبيع لا سيما في هذه المرحلة المفعمة بالكثير من الاحتقان والإحباط، إذ من المتوقّع أن تتصدّى هذه التيارات لمشروع التطبيع مؤيَّدَةً في ذلك بما يعتمل في وجدان الشعوب العربية من مشاعر الاستنكاف، بالسليقة، من هذا المشروع.

وليس مـــؤتمــرُ مــقاومـــة التّطبيع في الخليـــج العربي الذي انعقد في الكويت بعد أيّام من قيام رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم بطرد الوفد الإسرائيلي من الجلسة الختامية لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الملتئم في مدينة سانت بطرسبورغ في روســــيا، إلاّ دليـــلا على ذلك، فلقد أكّد المؤتمر في خـــاتمة أعمـــاله مســــاء يـــوم الجمعــة 17 نوفمبر 2017 على ضرورة توحيد الجهود الشعبية للتصدي لعمليّــــة التّطبيع المتزايدة بين الأنظمـــة العربيـــة والكيـــان الصهيـــوني بما فيها أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي. 

وإذا نجح الحراك الشعبي في لجم النزعة نحو التّطبيع، فإنّه سينجح في نفس الوقت، وعن قصد أو غير قصد، في إفشال المقاربة الجديدة التي يبدو أنّ إسرائيل وحلفاءها تريد، من هنا فصاعدا، اعتمادها في معالجة القضية الفلسطينية من خلال السعي إلى فرض معادلة الحل «من الخارج إلى الداخل» أي تطبيع العلاقات مع الدول العربية بهدف دفع عملية السلام مع الفلسطينيين، وذلك بدلا من معادلة الحلّ من «الدّاخل إلى الخارج» التي فشلت، كما يقول بنيامين نتنياهو، في إحداث الاختراق المنشود في الموقف الفلسطيني فلم تساعد، كما كانت إسرائيل تؤمّل، على بناء علاقات أفضل مع الدول العربية.

محمّد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.