شُهداء الواجب، شُموع على درب الفداء

شُهداء الواجب، شُموع على درب الفداء

رحم الله كلّ شهداء الواجب من قدمائنا وزملائنا وأبنائنا وأسكنهم فسيح جنّاته، إنا لله وإنا إليه راجعون. كثير من الرجال استخفّوا الموت في سبيل أداء الواجب، ومن هؤلاء أشبالنا الذين سطّروا بدمائهم الزكيّة ملاحم بطوليّة، فأفضل موت هو الموت في سبيل الواجب، الموت فداء للوطن.

تضحيات الرّجال هي ملحُ الأرض الذي يُثري الدَّيمومة، وهي الفعل الشجاع لبناء دولة ذات سيادة وقوية. لقد كان قَدَرُ شهدائنا أن يلتقوا في رسالة واحدة، وعلى مبدإ واحد وهو الالتزام والانتصار لقيمة الوطن والوطنية.

من واجب أبناء الوطن إستذكار الشهيد، ففي ذلك خَلقٌ لقيم عليا، وأفضل الشهداء من أدّوا واجبهم في الصفوف الأولى وقامت عليهم المبادئ السّامية، وأفضل أسلحة الشهداء هيالإيمان والصبر والثبات والإرادة. سيظل الشهداء شموعا في ذاكرة الوطن وعلى درب الفداء،وعلى هذا المعنى تثير قيمة "الشهادة" مبدأ الاعتراف لهم بدورهم في تأصيل مبادئ النضال والتضحية، وتحميل الأجيال مسؤولية الحفاظ عليها.

إنّ قراءة جهود الهياكل الأمنية وتضحياتها، يمرّ حتما عبر المهام الموكولة إليها وعدالة القضايا التي تباشرها وشرعيّة الوسائل المعتمدة لديها. واعتقادي أنّ الجدل المحتدم حول "قانون زجر الاعتداءات على القوّات الحاملة للسلاح"، صَرَفَ الأنظار عن جوهر الموضوع، وأدخل المشروع في متاهات التنظير والتحليل والتبرير.

ودون الخوض في جزئياته يبدو أنّ اعتراضات جدّية تشير إلى تضارب بعض فصوله مع مقتضيات الدّستور واحترام الحرّيات وصلاحيّات بعض الهيئات، وهي ملاحظات لا يمكن تجاهلها من حيث المبدإ ويمكن تقريب وجهات النظر بشأنها ولا حاجة إلى كل هذه الضجّة إذا ما حسُنت النوايا.

وأخذا في الاعتبار الحوار الذي فُتح، فمن واجب الأسلاك البحث عن صيغ قانونية جديدة لحماية رجالها ونسائها ووحداتها، تتلاءم وتتناسب مع حجم المخاطر والتهديدات القائمة،فالسنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا في وتيرة الاعتداءات وزيادة لا يستهان بها في الخسائر على مستوى الأعوان والإطارات والمساس بمقرات ومنشآت.

ومن مسؤوليّاتها أيضا أن تتعهّد بحفظ كرامة عائلات الشهداء والبت في مسألة التعويض وتقديم الرعاية الصحية للجرحى، فهذا حقّ وليس استجداء، ولا تحتاج هذه المطالب إلى مؤسّسات جديدة كما تشير بعض التّصريحات بل إلى نصوص واضحة تضمن هذه الحقوق وآليات تسهر على تنفيذها..

وعلى ضوء ما سيصدر من قوانين يمكن "للتعاونيّات" أن تتحمّل مسؤوليّاتها على هذا المستوى. فهذه المؤسسات بُنيت على خيارات اجتماعية لمصلحة العاملين بالأسلاك ولها خبرة لا يستهان بها، وبالتالي فهي الأجدر بمباشرة ملفات جرحى الواجب وأسر الشهداء.

ليس هناك ما يدعو للتصعيد والاختلاف فالدول التي لها تاريخ عريق في الديمقراطية والعمل النقابي لا تعيش مثل هذه التجاذبات.

لذلك من الضروري بالنسبة إلى وزارة الداخلية بالتوازي مع التقدّم في المشروع والانفتاح على مختلف الآراء، أن تستكمل "حلقة مفقودة" لديها تتعلّق ببناء الثقة بين أجهزتها وبين الرأي العام. فمن الأهمية بمكان الحرص على أن يكوّن رجال الحرس والشرطة الخط الأول لاحترام القانون ودعم العدالة الجنائية في إطار تمشّ إصلاحي شامل ومتكامل، ومن المهم أن يكون هناك استراتيجية لدفع تفاعل الشعب مع رسالة الأسلاك والاستعداد التلقائي لتقديم الإسناد عند الاقتضاء.

أتمنى أن يعلو الحس الوطني في التعامل مع المواقف التي أُتّخذت على هامش اعتداء باردوالأخير، وأن لا تميل بعض الأطراف إلى إعطائها أكثر ممّا تستحق من التوظيف. فالأمن مثل الصحة والتعليم مجال كبير تنعكس فيه قيم متعدّدة، وليس بالضرورة أن تكون متناغمة ومتناسقة. ووفقا لذلك، فطبيعي أن يكون حكم المجتمع المدني على هذا المَرفق العام كوظيفة وأجهزة متّسما بشيء من التناقض ولكن دون المساس بقيمة الأمن التي تبقى قيمة ثابتة.

يذكّرنا "شهيد الواجب" بقيمة الشهادة وبعظمة الشهداء و يدعونا إلى الوقوف على أرض الحق بصلابة دفاعا عن قيمنا وثوابتنا وتحقيقا للمصلحة العامة.

الشهيد هو نجمة الليل التي تُرشد من تاه الطريق والإنسان الكامل الذي تُرفع له التحية.

العقيد محسن بن عيسى

متقاعد من سلك الحرس الوطني

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.