مقتطف من كتاب »حكّام إفريقية وتونس«
«حرص صاحب هذا العمل على التقيّد بما كتبه المؤرِّخون والباحثون وبما تضمَّنته المصادر والمراجع والوثائق المُتوفِّرة حول إفريقية وتونس وحول «الحُكَّام» الذين تداولوا على كرسي السلطة فيها، ناقِلاً بأمانة الأخبار والمعلومات ذات الصلة، مُعتمدًا أسلوب السرد والوصف، مع تبيان التطابق، وكذلك الاختلاف عند الضرورة، بين ما احتوته الدراسات والمُستندات المذكورة على تنوِّعها، تاركًا للقارئ حُرِّية التحليل والتقييم. على أنَّه رأى من المُفيد، ختامًا لهذا العمل، تقديم قراءة مُلخَّصة لمجموعة من المُعطيات المُجرَّدة (أي ذات الصبغة الإحصائية) التي تضمَّنها هذا العمل. فعلى سبيل الذِكر، يُستفادُ من قراءة قائمة «الحُكَّام» المائة وستة وعشرين (أي دون احتساب مُتولِّي كرسي السلطة في تاريخ كتابة هذه الأسطر) المعنيين بهذا البحث:
- أَنَّ مُعدَّل فترة حُكم كلِّ واحدٍ منهم دامت 10 سنوات وحوالي 10 أشهر،
- أنَّ ثُلُثيهم (82 حاكما) تقلَّدوا المسؤولية لأقلّ من 10 سنوات، منهم 17 (13 بالمائة من المجموع) لأقلّ من سنة واحدة، ونصفَهم (63 حاكمًا) لأقلّ من 5 سنوات،
- أنَّ حوالي الثلث منهم (40 حاكمًا) تقلَّدوا السلطة لفترة تراوحت بين 10 و40 سنة،
- أنَّ أربعة حُكَّام تولَّوا السلطة العليا لأكثر من 40 سنة، منهم حاكمٌ واحدٌ فقط (السلطان أبو عمرو عثمان الحفصي، المتوكِّل على الله الخامس) لأكثر من نصف قرن (53 سنة).
- أنَّ أكثر من نصف هؤلاء الحُكَّام (66 حاكمًا، 52 بالمائة) غادروا مناصبهم في نهاية فترة حُكمهم في ظروف عادية (وفاة طبيعية، تداول شرعي أو دستوري على السلطة، تغيير نظام الحُكم، نُقلة إلى منصب آخر بقرار من سلطة اشراف، استقالة أو تنازل عن طواعية)، وأنَّ البقية (60 حاكمًا، 48 بالمائة) أُنهيت مهامُّهم بشكل عنيف، أي أنَّه أُطيح بهم إثر حركة انقلابية، أوهم اغتيلوا من قِبل مُتآمر أو قريب أو خلال انتفاضة أو عملية استيلاء على السلطة، أو هم لاذوا بالفرار أو لقوا مصرعهم أو أُعدموا خلال أو عقِب انتفاضة شعبية أو معركة ضدَّ ثوَّار أو عَدُوٍّ خارجي، أو تمَّ عزلُهم بقرار من سلطة إشراف أو من قوَّة حامية،
- أنَّ عدد الذين قُتلوا أو اغتيلوا أو أُعدموا قد بلغ على امتداد كامل المدَّة 24 حاكمًا، أي أقل بقليل من خُمُس المجموع،
- أنَّ ثلاثة من حكَّام هذا البلد غادروا الحُكم في ظروف استثنائية للغاية (الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي اختارَ نقل سلطته ومرجع نظره وعاصمته إلى مصر، والسلطان الحفصي، مولاي محمَّد، الذي عُزل ثمَّ اقتيدَ أسيرًا إلى عاصمة الخلافة العثمانية إثر دخول الأتراك إلى تونس وإلحاقها بالباب العالي، والباشا باي داي إبراهيم الشريف، الذي سقط أسيرًا في أيدي الجيش الجزائري إثر حرب اندلعت بين تونس وجارتها وأشعل نيرانها هو نفسُه).
وفي سياق هذه القراءة الإحصائية، يُبيِّنُ توزيع حكَّام إفريقية وتونس المائة وسبعة وعشرين حسب الجنس أنَّ امرأة واحدة، هي الثائرة الشهيرة، «الكاهنة البربرية، ملكة الأوراس»، ارتقت إلى هذه المسؤولية السامية، وذلك بعدما «افتكَّت» زمام الحُكم في نهاية القرن السابع/ بداية القرن الثامن الميلادي من أيدي الفاتحين العرب وحَكَمَت بلادَها، إفريقية، لمدَّة فاقت الخمس سنوات.
ختامًا، تجدُرُ الإشارة إلى :
- أنَّ مجموع هؤلاء الحُكَّام المائة وسبعة وعشرين ينقسمون إلى أربع مجموعات متباينة من حيثُ أنظمة التداول على السلطة،
- وهي أوَّلاً مجموعة الفاتحين والولاة التي يخضع اعتلاءُ كرسي الولاية صُلبها لمبدإ التعيين من قِبل سلطة إشراف، وثانيًا مجموعة «الدُول» و«السُلالات» (dynasties) ذات الحُكم الوِراثي (الأغالبة، الفاطميون، الصنهاجيون، الحفصيون، المُراديون، الحُسينيون)، وثالثًا «فترة فاصلة» (intermède) استبدَّ خلالها حاكمٌ واحدُ (إبراهيم الشريف) بالسلطة إثر إطاحته بآخر ممثِّل لإحدى السلالات ذات الحُكم الوراثي، ورابعًا مجموعة يعتمد أفرادُها قاعدة الانتخاب للتداول على كرسي الحُكم (دولة الدايات والنظام الجمهوري)،
- أنَّ هؤلاء الحُكَّام حَمَلوا خلال مُمارستهم للسلطة العديد من الألقاب والصفات، فكانوا 33 واليًا (فترة الفتح العربي الإسلامي والسنوات الأولى من العهد الحفصي)، و20 أميرًا (الدولة الأغلبية والدولة الصنهاجية والدولة الحفصية)، و4 خُلفاء (الفترة الفاطمية)، و26 سلطانًا (العهد الحفصي)، و7 دايات (دولة الدايات)، و26 بايًا (الدولتان المرادية ثمَّ الحُسينية)، وباشا باي داي واحد (إبراهيم الشريف)، و5 رؤساء (العهد الجمهوري)، و5 «ثُوَّار» (خلال فترتي الفتح العربي الإسلامي والسلطنة الحفصية).
قال تعالى في مُحكم تنزيله: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ» (سورة النساء، الآية 58).
صدق الله العظيم.
رَوى عبدُ الله بن عُمر أنَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسَلَّم قال : «كُلُّكم راعٍ، وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيته»
(رواه البخاري و مُسلم).
قراءة المزيد:
- اكتب تعليق
- تعليق