أخبار - 2017.10.18

عبد العزيز قاسم: دواعـش وفـواحــش, مـن أيــن أبـدأ؟

دواعـش وفـواحــش, مـن أيــن أبـدأ؟

يلومني الأصدقاء الأقارب والأباعد على التزامي الصمــت حيال ما يجري من غرائب وعجائب في بلادنا. لقد اتسع الخرق على الراقع فمن أين أبدأ؟ وهل من جدوى للكلام في زمن الخلط والغلط واللغط؟ قالوا إنها ثورة وفي ذلك تعسف على مصطلح يتضمن بالضرورة ركائز ثقافية ثابتة ومراجع فلسفية تقدمية واضحة فعودة الفكر الرجعي إلى الشأن العام ليس من الثورة في شيء. إنها انتفاضة بالتأكيد ضد منظومة فساد ولكن سرعان ما تحولت إلى ثقافة عطالة وتعطيل وإلى شعارات سوقية في لغتها حاقدة ناقمة في مضمونها من نوع «الرخ لا» و«مانسامحش» و»لا للمصالحة» وغير ذلك من المظاهر التي لا تنمّ عن علو نفس فضلا عن تساؤلات بلهاء من نوع «وينو البترول؟».

الخلايا غير النائمة

ويلفت نظري قصر النظر حتى عند الفئات الواعية فعندما يتحدث الناس عن داعش وأخواتها من مشتقات القاعدة وطالبان تنحصر الرؤية في كونهم أقلية من المجرمين تحصنوا بالجبال أو تمّ ترحيلهم إلى بؤر التوتر عبر ليبيا وتركيا أردوغان ليتدرّبوا على النهب والذبح والاغتصاب بمنطق السبي والغنيمة ويضاف إلى هؤلاء ما يسمّى بالخلايا النائمة التي تنتظر دورها وهذا التوصيف وهذا التصنيف لا يأخذان في الاعتبار الخلايا المصابة بالأرق التي تحظى بتسامح رسمي واجتماعي لا يخلو من الغفلة أو التواطؤ. هذه الخلايا «غير النائمة» لا تحصى ولا تعد، خيوطها مربوطة بعديد الأحزاب والهياكل النقابية.إنها طامة عامة مُعْتَمَدَةٌ في استراتيجية «التدافع الاجتماعي» وهي إلى ذلك الحاضنة الحقيقية للإرهاب. وقد سبق لي أن نبهت إلى أنّ الداعشي المعلن أقل خطرا من الملتحي الذي لا يحمل سكينا ولكنه يحمل عقلية السكين ثمّ إنّ الداعشي العادي لا يلتحي بالضرورة وقد يرتكب من المعاصي ما يعتبره من اللمم. هذا ما دعاني إلى اعتبار الداعشية بمثابة مرض نقص المناعة المكتسبة فهناك المصابون الرسميون وهم الوحوش الذين نقرأ ونسمع عن فظائعهم ونشاهدهم على الشاشة وهناك جماهير السواد الأعظم يحملون فيروس الدواعش عن دراية وغير دراية فهم بالمعنى الطبي «سيروبوزتيف».

كلّنا دواعش؟

والحقيقة المرّة هي أنّنا جميعا نحمل أو نكاد شيئا من داعش. فلئن اتفق المستنيرون منّا على أنّ مأساة الإسلام تكمن في انتصار أهل النقل على أهل العقل فإنّه ينبغي ألا ننسى أنّ عددا من الفقهاء ممن اعتدنا تقديسهم حاربوا العقل باسم العقل وأسسوا لفقه الرعب الذي تعج به الكتب الصفراء. التكفير ورثه الدواعش ولم يبتدعوه وجرائمهم منصوص عليها ومشرعنة في الكتب المذكورة. ومن منّا اليوم، وفي هذه الجلبة وفي هذه الثرثرة الدعيّة، ما زال يذكر رجل التنوير الأخير  في الإسلام، أعني ابن رشد الذي أحرق دواعش الأندلس كتبه وهناك من يقول إنّ الغرب قد التقط ابن رشد من مزابل الإسلام فاستطاع تخليص الفكر في العصر الوسيط من التزمت المُعَقِّم..

فضل الحرائر على الأحرار

تتمثل مهمة الدواعش العاديين في تنغيص حياة الآخرين وفي «تبهيم» الأمة بكل ما أوتوا من جهالة وجلافة. من أواخر التنكيدات المجتمعية التي اقترفوها اعتداؤهم على مربية فاضلة هي المعلمة السيدة فائزة السويسي التي اتهموها بالإلحاد لمجرد أنّها لا تشاطرهم إيمانهم المعوجّ، فكان أن ألّبوا عليها شرذمة من المشاغبين والمشاغبات ولقد ذهب الأمر بإحداهن إلى مطاردتها في الطريق صارخة: «لست معلمة يا ملحدة، أنت لا تصلحين حتى معينة منزلية». يحدث هذا بمدينة صفاقس العريقة... وما المرأة التي شتمت فائزة السويسي إلا ببغاء تعيد ما طُلب منها أن تقول. ذلك أن الملتحين الذين قلبوا سُلّمَ القيم نجحوا في جعل بعض النساء أداة استعباد ذاتي وآلة تركيع  وتطويع لغيرهن من الحرائر. ولكن كما أنّ المرأة الجزائرية أبطلت بصمودها المشروع الإسلاموي الظلامي في القطر الشقيق فإنّ النخب النسائية التونسية رفضن   ومازلن رافضات لسلطان الخرافة والغيبيات الغبية وبفضلهن، مازلنا، نحــن معشــر الرجـــال الأحــرار، بمنعــة من تسلّط الدشـــاديش والســـراويل الأفغــانية.

ولا يفوتنـــي أن أذكّر بأنّ مــا تعرضت له السيدة فائزة السويسي ليس حالة فردية أو استثنائية فالكثير من المربيات والمدرسات يتعرضّن إلى مثل هذه الاعتداءات حتى من تلامذتهن فراخ الدواعش.. أبسط هذه الاعتداءات أن يقال لغير المتحجّبات «استري نفسك» أما أستاذات التربية التشكيلية فغالبا ما يُتَّهَمْنَ بالكفر والإلحاد لحرمة الرسم والنحت عند فقهاء جعلوا من القبح إحدى الفضائل.

أم المعارك المرجوة

الدواعش يتلقّون حاليا في العراق وسوريا ومصر ضربات مميتة والتنظيمات الإرهابية مهزومة لا محالة وبهذه المناسبة أتقدم بأبرد عبارات العزاء إلى كل الذين ارْتُهِنوا للبلدان التي موّلت الإرهاب البدوي العميل ضد حضارة الستة آلاف سنة في المشرق المقاوم. هذا المشروع قد سقط ولكن الكفاح لا بد أن يستمر ولعل أمّ المعارك هي التي يتعين علينا جميعا أن نخوضها بلا هوادة تربويا وثقافيا وإعلاميا ضد دواعش الشوارع يضايقون النساء اللائي يرفضن الاقتداء بحريمهم ويبشرون بترّهات  ما أنزل الله بها من سلطان. إن القيام بمثل هذا العمل التطهيري هو الثورة الحقيقية المنشودة. ولنا إلى هذا الموضوع عودة.

جرائم اختلقها القانون

قيل إنها «ثورة» ضد الظلم إلا أن قوانين جائرة وفضفاضة، قوانين الدكتاتورية، هي التي ما زالت تحكمنا مثل الفصل 96 الذي يمكن تسليطه على أنزه موظف من أعوان الدولة وعلى أنظف القضاة أنفسهم ومثل قانون زجر الاعتداءات على الأخلاق الحميدة الذي يمكن أن يطال أي مواطن تونسي فضلا عن أي سائح غرير يزور بلدنا المتمعش من السياحة. شاب أجنبي وفتاة تونسية تبادلا قبلة فانقضّت عليهما شرطة الأخلاق وقضى قضاء الأخلاق بسجن المقبِّل الوقح أربعة أشهر ونصف شهر وبسجن التي قبلت القبلة ثلاثة. ومهما قيل عن خلفيات القضية وملابساتها يبقى أنّ الإيقاف تمّ بذريعة المسّ بالأخلاق الحميدة.  ويظلّ، هذا السيف مسلولا على الرقاب...

عندي سؤالان

أوّلا: لماذا لا تصارح وزارة السياحة الزائرين الذين تستجديهم وتستجلبهم بكلّ استعطاف من كلّ حدب وصوب بأنّ القبلة في تونس جريمة نكراء؟

ثانيا: لماذا لا يستبدل المشرِّع المحترم شرطة الأخلاق بجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ألسنا في معظمنا وهّابيين إلى النّخاع أو «سيروبوزيتيف» على الأقل؟ ولله في خلقه شؤون!

الإرث البورقيبي

يصــادف صـدور هـــذا العدد من مجلة ليــدرز الذكرى الرابعة والخمسين لخروج آخر جنـدي فرنسي من قــــاعدة بنزرت وبهذا الجلاء اكتمل استقـلال تونس فمن واجبنا التـــذكر والتذكير والترحم على أرواح شهداء الوطن بدءا بأبسط منــــاضل انتهاء بالزعيم الحبيب بورقيبة مهندس الاستقلال وباني تــونس الحديثة. وإنه ليحزّ في النفس أن نرى فئات حاقدة تعمـل في إطار هيئة تثقل كاهل ميزانية الدولة بما يشبه سوء التصرف في المال العام على تحويل مسار ما يسمى بالثورة من محاكمة فساد نظام بن علي إلى محاولة طعن الإرث التقدمي البورقيبي وإلى التراجع عن نموذجه المجتمعي الحداثي. وأنا منكبّ حاليا على تأليف كتاب أريده شهـــادة على عظمة الرجل كمـا عرفتـه عن قرب وعلى ما كان يتمتع به من كاريزما مفقودة تماما في الوقت الحـــاضر. وأنا، كما يعرف أبناء جيلي وكما سأرويه، أصغر معارضي الزعيم سنّا.

عبد العزيز قاسم

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.