العميد الأزهر القروي الشابّي : عودة الإرهابيين بين الدستور والقانون

الأزهر القروي الشابّي : عودة الإرهابيين بين الدستور والقانون

من حق كلّ تونسي يشعر بالمسؤولية أن يخاف على مصير وطنه ومواطنيه وعلى عائلته من عودة هؤلاء الإرهابيين الذين برهنوا في مناسبات عدّة على خروجهم من سياق المواطنة وحتى عن سياق الإنسانية في بعض الأحيان و يكفي للتدليل على خروجهم هذا أن نتذكّر بعض الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها في كل مكان دخلوه.

فمن يقتل بالرصاص ثم يقوم يذبح ضحيته التي مازال فيها عرق ينبض مثلما فعل هؤلاء الإرهابيون بالبعض من شهداء جنودنا في شهر رمضان منذ سنين قليلة و قبل الإفطار بوقت قصير لا يمكن أن يتّصف بصفة الإنسان الذي يتميّز عن الحيوان بالعواطف.

ومن يقتل الشهيد الراعي الذي لم يتجاوز من العمر الرابعة عشر ثم يقطع رأسه و يضعه في كيس من البلاستيك و يسلّمه لابن عمّه الطفل ليحمله إلى عائلته لا أتصوّر أنّه يوصف "بإنسان" وله حقوق إزاء المجتمع يمكن له أن يطالب بها.

إنّ حقوق الإنسان في العرف السياسي والإنساني هي حقوق تعطى لمن يبرهن على إنسانيته إزاء نفسه و خصوصا إزاء غيره. أمّا إذا تنكّر لهذه الحقوق وداسها عند تعامله مع غيره فإنّه لا يمكن له بأيّ حال أن يطالب بها ذلك الغير أو المجتمع أو الدولة ، لأنّ هذه الحقوق هي بمثابة عقد اجتماعي متبادل يجب التقيّد به من كل الأفراد ومن لم يوف به من جهته ليس من حقه أن يطالب غيره بأن يوفي له به وهي قاعدة أصولية عامة نصت عليها القوانين (1).

لذلك فإنّ هؤلاء الإرهابيين الذين خرجوا في كلّ تصرفاتهم عن المظاهر الإنسانية ليس من حقهم أن يطالبوا غيرهم بأن يعاملهم معاملة إنسانية "إذ كما يدين الفتى يدان".

من حق التونسي إن يرفض عودة هؤلاء إلى أرض الوطن وأن يلحّ على السلطة لتنفيذ طلبه ولا يمكن بحال أن يعارض لا بنصوص الدستور ولا بنصوص القانون وذلك لما يأتي.

اولا : عدم امكانية المعارضة بنصوص الدستور

يستند بعض رجال القانون ممن يقبلون بعودة الإرهابيين إلى الفصل 25 من الدستور الذي ينص على ما يلي: " يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه او منعه من العودة الى الوطن"

فهذا النص الدستوري عندما يستعرضه البعض يستبدل فيه كلمة "مواطن" بكلمة "تونسي" والحال أن المشرّع لم يجعل التحجير الوارد في الفصل 25 المذكور يتمتع به التونسي وإنّما يتمتع به المواطن وذلك لما في الكلمتين "المواطن" و " التونسي " من فرق كبير ذلك أنّ " التونسية " أي الجنسية مرتبطة بالانتماء الظاهر للدولة بينما "المواطنة" هي عقيدة باطنية يظهرها المواطن الحقيقي لوطنه تصل به إلى حد التضحية بحياته من أجله. فالمواطنة (2) تعني " الارتباط و الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والشعور بالولاء للأرض التي يعيش فيها حتى و إن كان بلا جنسية".

ويقول الكاتب البحريني يعقوب سيادي " المواطنة لا تمنح ولا تخضع لأي قانون يسبغها على إنسان ، هي زرع إلاهي في أرض الوطن والخروج عليها خروج على مشيئة الله ".وليس من باب الصدف أن يعبّر المشروع التونسي في كثير من فصول الدستور بعبارة " المواطن " (3) دون عبارة " التونسي " لما بين العبارتين من فرق شاسع .

فعدم الحرمان من الرجوع إلى الوطن هو حقّ خصّ به الدستور المواطن . وهو ذلك الإنسان الذي له حنين و ارتباط  بوطنه . يؤمن بنظام حكمه وبدستوره و بالقوانين التي تنظم الحياة بين أفراد مجتمعه و يتشرّف بالانتماء إلى أرضه و يؤمن بحق هذه الأرض عليه، يقدّس علَمه المفدى الذي هو رمز عزته و ينشد نشيده الرسمي . هذا هو المواطن الذي عناه المشرّع بالفصل 25 من الدستور.

فهل هذه الشروط الجوهرية للمواطنة تتوفر في هؤلاء الإرهابيين أقول لا لأنّهم انسلخوا عنها بمحض إرادتهم وفسخوا العقد الاعتباري الذي كان يربطهم بوطنهم ولا أدلّ على ذلك ممّا شاهدناه من بعضهم على شاشة بعض التلفزات الاجنبية من تنصّل فاضح من انتمائهم لتونس ومن نظام حكمها ودستورها وقوانينها.

بل اكثر من ذلك فانهم يعتبرون تونس أرض كفر و أرض جهاد وأخيرا و برقاعة تامة وصفها أحدهم بأرض نكاح تجب محاربة أهلها بعد استتابتهم فهؤلاء بأفكارهم المعلنة لم يعودوا مواطنين تونسيين حتى ينطبق عليهم ما ورد بالفصل 25 المذكور لأنهم أصبحوا غرباء عن هذا البلد الطيب ولا يؤمنون ولا يلتزمون بما يفرضه الفصل 9 من الدستور على كلّ مواطن بل يرفضون الدستور كله . ومن هنا يكون رفض قبولهم واجبا وطنيا لا يتعارض مع الدستور لانهم فقدوا صفة المواطنة.

ثانيا : عدم إمكانية المعارضة لنصوص القانون مجسما في مجلة الجنسية

مثلما تكتسب الجنسية التونسية في الحالات التي نصت عليها فصول مجلة الجنسية فإنها تسحب أو تسقط أيضا في الحالات الواردة في نفس المجلة.

ومن أهم الحالات التي تسحب فيها الجنسية التونسية من التونسي ما ورد بالفصل 30 من المجلة الذي ينص على أنّه:

ـ " لا يمكن أن تفقد الجنسية التونسية إلا بأمر و في حالة اكتساب جنسية من طرف تونسي بمحض اختياره يمكن سحب الجنسيّة  التونسية منه بأمر و يحرّر من تبعته لتونس من تاريخ الأمر المذكور ".

فالجنسية ليست صفة دائمة و مثلما يقول الكاتب البحريني الذي تعرضت له من قبل فإنّ " الجنسية ليست صفة دائمة فهي تطلب و تعطى و تنزع وهي معيار اجتماعي و قانوني بخلاف المواطنة فهي لا تعطى و لا تنزع ".

و السؤال الذي يفرض نفسه بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين هو هل أنهم ما يزالون محتفظين بالجنسية التونسية أم تخلو عنها ؟ ما نعرفه من وسائل الإعلام المختلفة و ما أنتجته الأبحاث القضائية أنّ هؤلاء قد بايعوا ما يسمى بدولة العراق والشام (داعش) وانتموا اليها في جميع مظاهرها ، إضافة إلى إعلانهم في مناسبات متعددة لعدائهم لتونس و بذلك فإنهم يكونون قد تنازلوا عن طواعية عن الجنسية التونسية واستبدلوها بأخرى داعشية اختاروها بمحض إرادتهم وسعوا إليها بأنفسهم و ترتيبا على هذا فإنه من حق الدولة التونسية أن تسحب منه الجنسية وهذا لا يتعارض بدوره مع الفصل 25 من الدستور طالما أنّ هذا الفصل (25) قد ورد في باب الحقوق والحريات وطالما أنّ الفصل (49) من الدستور قد بيّن أنّ ما ورد في الدستور ممّا تعلق بالحقوق والحريات فإنّ ضوابطه تحدد بالقانون وبما أن مجلة الجنسية هي من هذه القوانين التي تضبط وتحدد الحقوق في خصوص ما تعلق بالجنسية اكتسابا وإسقاطا وسحبا فإنه و بدون مس بالحقوق الدستورية يمكن إصدار أمر يقضي بسحب الجنسية التونسية عن هؤلاء الإرهابيين الذين برهنوا على عدم اعترافهم بالدولة التونسية وبدستورها وبعلمها وبقوانينها وبكل مرجعيّاتها القانونية والفكرية وهو ما يفقدهم كل ارتباط بهذه الأرض الطيبة وبساكنيها الذين من حقهم ان يعاملوا بالمثل ان يعارضوا رجوعهم لأنهم فقدوا صفة المواطنة وخرجوا من محيط الفصل 25 من الدستور كما فقدو الجنسية التونسية باختيارهم الجنسية الداعشية عن طواعية واختيار.

الأزهر القروي الشابّي

(1) الفصل 246 من م أ ع
(2) تعريف المواطنة للكاتب عذبي العصيفي
(3) انظر الفصول: 9\21\24\25\38\40\48...من الدستور

قراءة المقال باللغة الفرنسية


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.