أخبار - 2017.10.03

أحمد اللغماني شاعر المجاهد الأكبر وأبو فراس تونس

أحمد اللغماني شاعر المجاهد الأكبر وأبو فراس تونس

لا أزال أذكر ذلك الرجُل، في عنفوان قوّته، واقفا بين يدي مَن يُسمّيه «القائد»، في عُكاظيّة أولى، أرادها الرئيس بورڨيبة «تأصيلا لِكِيان».لا أزال أذكر بَساطة محيّاه، لا مُرتجفًا أمام القائد، ولا مُتصنِّعًا لصَلـَف الخطباء. لكنّه سُرعان ما احتلّ منزلة عالية، عند «القائد»، لم يُنافسه فيها أيُّ من أساطين المديح السياسي. ومنذئـذ، وقـف اللغماني شِعرَه على مَن فتق قريحتَه السياسيّة؛ فتمحّض لتخليد الملحمة البورڨيبيّة، معتمدا على رصانة القَول وصدق المحبّة. فكان، بذلك، لدى المجاهد الأكبر، بمنزلة أبي فراس، لدى سيف الدولة؛ فقد صار يَخفِض له جناحًا من الودّ، ويدعوه إلى مجالسه الخاصّة، مشيدا بما يُلقيه من «روائع»، لا حشو فيها ولا ابتذال؛ وإنّما هي فيض من مشاعر، تنسكب في عبارات سلسة، ومعان بريئة من التكلّف.

ومنذئذ، التزم أحمد اللغماني وقفتَه تلك، بين يدي «سيّد الأسياد»، يُخفِتُ له الصوت، ويتواضع عنده حِراكا، وليس إلاّ ما يتضوّع من جواهر القول، وما يَنْبِس به لسانُ المحبّة.

فإذا المجاهد الأكبر – أثناء كلّ عُكاظيّة – يشدّ السمع إلى نبضات شاعره المفضّل، فيكون أوّل من ينتبه إلى ما يرِد فيها من لطائف، تلمع كلمْح البرق، إشارةً إلى وقائع من التاريخ البورڨيبي؛ وإذا الرئيس أوّل من يُصفّق لها، وإذا اللغماني يُعيد البيت : وإذّاك ترتجّ القاعة مُصفّقة وُقوفا.

الذين سبقوه إلى المنصّة، مِن قُدماء شعراء المديح، كانوا أشَادوا بخِصال الرئيس، ونوّهوا بأعماله. أمّا هو فمُقحِمٌ نفسه في أمجاد «القائد»، ذاكرا بالتلميح مآثر ملحميّة، فتنسكب أبياته، مَعينًا صافيا، تتمخّض بها مشاعره، من أعماق القلب.

من أبيات اللغماني، يَشعر السامع أنّ كلّ كلمة فيها هي التي أُريدَت عن قصد، لِما تحمل من معان، وليست آتية لِضرورة وزن، أو لِمُلاءمة قافية.

يترشّح شِعره بما عُرف به أبو فراس من لطافة اللفظ وسلاسة المعنى – لكن مذكِّرا، أحيانا، بما يَرِنّ في الذاكرة، من إيقاعات أبي الطيّب.

معا، وبذات الأبيات، يُنافس اللغماني، في ذاكرة السامع، إثنيْن من أمراء الشِعر العربي بلا مُنازع؛ ولكنّه، دوما، في تَماهٍ مع «القائد»، محبّة ووفاء وإخلاصا؛ فيأتي شِعره مُشتقّاً ممّا يُشعُّ به كفاح القائد من أحلام وأمجاد؛ فإذا السامع يُحسّ أنّ من الشِعر لسِحرًا ؛ وإذا بالمجاهد الأكبر يَطلب مِن شاعره أن يرثيه، وهو حيّ.

فلم يَستجب له، حتّى حلـّت بالقائد نكبة «التغيير»: إذّاك، قال قصيدته العصماء، التي اتّخذ لها عنوانا مصراع أحد أبياتها: سيِّدًا كنتَ، سيِّدًا سَوف تَبقى».

الشاذلي القليبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.