أخبار - 2017.09.10

تستــور حـافظة التـراث الأندلسي

تستــور حـافظة التـراث الأندلسي

تستور مدينة أندلسية تقع على بعد 76 كلم من تونس العاصمة أسّسها الموريسكيون الذين طردهم من إسبانيا الملك فليب الثالث سنة 1609 واستقبلهم العثمانيون في تونس لما يمثّلونه من عنصر ديمغرافي متحضّر أثّر بشكل كبير في البيئة وفي طريقة عيش السكان الأصليين في تونس وفي شمال إفريقيا بشكل عام، بفضل ما جلبوه من حرف ومعرفة بأساليب الزراعة ودراية في فنون الهندسة والفنون الحربية. تستور التي تمّ تأسيسها على موقع روماني يدعى «تشيلا» عرفت ولادة حقيقية بقدوم الموريسكيين للاستقرار فيها، حيث بنوها على طراز البلدات الإسبانية بنظام هندسي متناسق بين الأنهج وبيوت يغطيها القرميد وساحات كانت تقام فيها إلى حدّ القرن الثامن عشر «مصارعة الثيران».

وأهمّ ما يميّز تستور اليوم هو جامعها الكبير ذي الساعة التي تدور عقاربها بالعكس، والذي بناه الموريسكيون في 1630. هذا الجامع يعتبر تحفة فنية ومعمارية بأتمّ معنى الكلمة، حيث بنيت منارته على شكل أبراج الكنائس في إشبيلية وتمّت زركشتها بنجمات داوود وذلك في إشارة إلى اليهود الذين طُردوا مع الموريسكيين من إسبانيا وجاؤوا ليستقروا في تستور. ولليوم يحمل الحي الذي أقاموا فيه اسم «حارة اليهود»، كما يعتزّ أهل تستور بمنزل المغنّية اليهودية حبيبة مسيكة (1903 - 1930) الذي بناه لها في سنوات العشرين حبيبها لياهو ميموني قبل أن يقرر حرقها وحرق نفسه بدافع الغيرة. تحول المنزل اليوم الى «دار الثقافة إبراهيم الرياحي» وفيه تُنظّم التظاهرات الثقافية. ما يميّز تستور أيضا كثرة أضرحة الأولياء الصالحين مثل مقام سيدي نصر القرواشي ذي القبتين الخضراء والبيضاء في مدخل المدينة وهو مقام شُيّد في القرن 18 ويعتبر معلما أثريّا مهمّا يزوره السياح، كما يُستعمل ككتّاب لتعليم الأطفال القرآن.

تستور القريبة من وادي مجردة يحيط بها حزام أخضر من البساتين والأراضي الزراعية، حيث ُيزرع القمح وأشجار المشمش والرمّان و«العوينة» والخوخ والزيتون. لا تزال بعض العائلات في تستور تحافظ إلى اليوم على أسمائها الأندلسية مثل «زبيس» و«جهين» و«ماركو» و«مركيكو». وللتستوريين اعتزاز كبير بانتمائهم وبحضارتهم وينعكس ذلك في محافظتهم على عاداتهم وتقاليدهم وعلى الأطباق التي اعتادوا طبخها من «بناضج» و«كيسالس» و«مرقة حلوة» الخ...كما حافظ التستوريون على الموروث الموسيقي الأندلسي وهو موسيقى المالوف حيث يخصص لها مهرجان دولي منذ 1966 ويدعى مهرجان تستور الدولي للمالوف والموسيقى العربية التقليدية الذي انتظمت دورته الحادية والخمسون هذه السنة من 16 إلى 30 جويلية. ويعطي هذا المهرجان العريق الفرصة للفرق الموسيقية التي تعزف المالوف والتراث الموسيقي الأندلسي سواء داخل البلاد أو خارجها لتقديم عروضها مع تنظيم مسابقة سنوية خلال المهرجان للفرق من كامل الجمهورية. أنجبت تستور العديد من الأعلام مثل الفقيه إبراهيم الرياحي (1850-1766) والفنّانة المتميّزة حبيبة مسيكة والفكاهي صالح الخميسي (1912 - 1958) والمؤرخ سليمان مصطفى زبيس (1913 - 2003).

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.